شعرت شخصية سياسية بارزة كانت تتابع الخطاب بالقلق على مصير الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، وأبدت خشيتها من أن يبلغ رد الفعل لدى الرياض والرئيس سعد الحريري على كلام نصرالله حد تجميد الحوار.
لاحقاً، تنفست هذه الشخصية الصعداء حين أصدر الحريري موقفاً تضمّن تأكيد الاستمرار بالحوار مع «حزب الله»، وإن يكن قد رد في الوقت ذاته على خطاب نصرالله بلغة شديدة اللهجة.
وفي تعليق لا يخلو من حس الفكاهة، تعتبر الشخصية ذاتها، والمعروفة بحرصها على حماية جسر التواصل بين الحزب و «المستقبل»، أنه كان من حسن الحظ أن نصرالله شدّد بدوره على تمسّكه بالحوار في مطلع خطابه، لأن المسار التصاعدي الذي اتخذته كلمته لاحقاً كان يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى التسبّب في إصابة الحوار بـ «نيران صديقة».
والأرجح، أن «عاصفة الحزم» التي هبت على اليمن، ستتوقف عند أبواب عين التينة، ولن يتسرّب منها الى جلسة الحوار المقبلة سوى بعض الهبات القابلة للاحتواء، بفعل القرار السياسي الكبير المتخذ على هذا الصعيد، والذي لا يزال ساري المفعول.
وإذا كان وفد «حزب الله» قد عاتب وفد «المستقبل» في الجلسة السابقة على مواقف الرئيس فؤاد السينورة التي حمّلت الحزب تبعات مواقف إيرانية، فإن المعادلة ستختلف هذه المرة، وربما يكون «المستقبل» هو المبادر في الجلسة التاسعة إلى «المساءلة» وطرح الملاحظات على خطاب نصرالله، علماً أن مقربين من الحزب يلفتون الانتباه الى أن كلام السيد تناول سياسات السعودية تحديداً، ولم يتعرض لـ «تيار المستقبل».
وبمعزل عن الاتجاه الذي سيسلكه اجتماع الخميس المقبل في عين التينة، فإن الأكيد هو أن الحوار أثبت حتى الآن قدرته الفائقة على امتصاص كل الصدمات، لينضم الى لائحة الغرائب اللبنانية.
نعم.. هي واحدة من الغرائب السياسية أن ينجح الحوار في «الصمود والتصدّي»، برغم أن ما يجمع أطرافه حتى الآن هو قليل قياساً الى الكثير الذي يفرقهم، من اليمن الذي اقتحم بقوة الساحة الداخلية، مروراً بسوريا والعراق والبحرين والعلاقة مع السعودية وإيران، وصولاً الى مجريات المحكمة الدولية و «انتفاضات» الرئيس فؤاد السنيورة واتهامات الوزير أشرف ريفي المتعلقة بمسائل مالية، والموقف من ملف رئاسة الجمهورية وترشيح العماد ميشال عون.
لا شيء يجمع نصرالله والحريري في هذه الأيام سوى الإصرار على المضي في الحوار.. ولو للحوار فقط، وحتى مبدأ تنفيس الاحتقان المذهبي الذي يبدو ظاهرياً موضع توافق، يختلف الطرفان حول عوامل تأجيجه وسبل تخفيفه.
من الواضح، أن «حزب الله» و «المستقبل» يطبقان نظرية «تفكيك الصراعات»، على قاعدة تنظيم التعايش مع الملفات الخلافية ومحاولة التفاهم حيث أمكن، تماماً كما تفعل إيران والولايات المتحدة اللتان نجحتا في الفصل بين الحوار حول الملف النووي والقضايا الخلافية في المنطقة.
وإذا كان وضع الشرق الأوسط قد ازداد اهتزازاً وتصدّعاً بعد الحرب على اليمن، فإن القرار الدولي بتحييد لبنان لا يزال نافذاً، وهذا ما تعكسه إشارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمام القمة العربية في شرم الشيخ إلى أن لبنان يشكل نموذجاً للتعايش في ظل الصراعات المحتدمة.
ويبدو أن هذا المناخ الدولي يتقاطع أيضاً مع قناعة داخلية بضرورة منع تمدد الحرائق الإقليمية الى «الغابة» اللبنانية، مع احتفاظ كل فريق بحقه في اعتماد الخيارات التي تناسبه، في ترجمة للمعادلة التي دعا نصرالله إلى تطبيقها منذ تطور الأزمة السورية، وفحواها: دعونا نحيّد لبنان، ونحصر ساحة المواجهة في سوريا.
ولئن كان «حزب الله» يدعو في أدبياته الى اعتماد الحل السياسي للأزمات الداخلية في كل من سوريا والبحرين واليمن والعراق، فهو يجد أنه من الأجدر به أن ينادي بهذا الحل في لبنان أولاً، مع ما يستوجبه ذلك من مواصلة الحوار مع «المستقبل»، إضافة الى أن الحزب مهتم بإراحة خط ظهره، فيما هو يخوض معركة واسعة مع التكفيريين في سوريا وعلى الحدود.
أما السعودية، فتميل هي أيضاً الى تجنّب خوض مواجهة مفتوحة مع إيران وحزب الله فوق الساحة اللبنانية، حيث موازين القوى ليست لمصلحتها او لمصلحة حلفائها، الأمر الذي يشكل أحد الأسباب الموجبة لحماية الاستقرار الداخلي، حتى إشعار آخر، بينما يأخذ الاشتباك السعودي - الإيراني مداه في أماكن أخرى، على امتداد المنطقة.
عماد مرمل
السفير 2015-03-31 على الصفحة رقم 2 – سياسة