لم تكن نوعية الصواريخ التي تسلمها الجيش اللبناني، ولا أعدادها البسيطة هي الحدث الذي استقطب عيون الاعلام الغربي والعربي والمحلي بكل مستوياته، لكن أهمية ما جرى في القاعدة الجوية العسكرية في مطار بيروت صباح امس، يكمن في التوقيت، حيث تزامن تسلم الدفعة الاولى من العتاد الفرنسي المقرر من ضمن الهبة السعودية، في ذروة الاشتباك السياسي حول الحرب في اليمن، وما أفرزته حتى الآن من انقسامات حادة ومواقف متباينة بشأنها على كل المستويات، أدت الى نتائج لم تسلم حتى الان الساحة اللبنانية الداخلية من تداعياتها ، بل على العكس، كان التفاعل اللبناني مع تلك الازمة هو الأكثر حدة ووضوحا على ضفتي الصراع، وهو انقسام قلما شهد التاريخ السياسي مثيلا له، وفي ظروفه، حتى في عز محنة الحرب الاهلية.
انطلاقا من الابعاد السياسية لهذه الخطوة تمت اليوم عملية تسليم 48 صاروخا موجها محمولا على الاكتاف وهو صاروخ مضاد للدروع من انتاج الصناعات الحربية الفرنسية، للجيش في مشهدية أعطيت حجماً إعلامياً لافتاً، من خلال الحضور السياسي المميز عن كل ما سبق من عمليات تسليم أعتدة حربية غربية وعربية كهبات للجيش على مدى السنوات الماضية، علما ان كميات الاعتدة التي كانت تسلم في بعض الاحيان تفوق ما سلم امس سواء من حيث الكمية او النوعية، لكن أهمية ما جرى ان صواريخ ميلان الفرنسية كانت بمثابة افتتاح الجسر الجوي المقرر منذ نحو سنتين في اطار هبة الثلاث مليارات دولار التي كان منحها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز ال سعود لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا.
وعلمت "النهار" ان الشحنة الاولى التي سلمت من تلك الهبة والمتضمنة 48 صاروخ ميلان مع مزاحفها تم احضارها من مخازن الجيش الفرنسي على عجل، بعد التأكد من حاجة الجيش اللبناني اليها في هذه الفترة تحديدا، وبانتظار ان يعاد البديل منها من مراكز التصنيع العسكري الفرنسي الى مخازن الجيش، فإن الشحنات الفرنسية العسكرية نظمت لتسلم بشكل شهري تبعا لحاجات الجيش على مدى 48 شهرا على ان تتضمن الدفعة الثانية المقرر تسليمها بعد شهر من الان بحسب مصادر مواكبة للملف، كاميرات عسكرية ليلية وكاميرات حرارية، ثم بعد نحو سنتين سيتم تسليم الجيش 6 طائرات مروحية، وقبل ذلك سيكون تم تسليمه سيارات وعربات مصفحة وأسلحة وخوذات وفي نهاية الصفقة سيتم تسليم الجيش اللبناني 4 بوارج حربية تستخدم في العمليات القتالية.
ولفتت المصادر الى ان برنامج الصفقة السعودية يشمل تكاليف عمليات التدريب طويلة الامد التي ستبدأ من شهر ايلول المقبل وتتضمن تدريبات قتالية بين لبنان وفرنسا على المعدات التي سيتم تسليمها كما التدريبات على الانظمة القتالية الجديدة.
أخبار ذات صلة
هبة سلاح تاريخية... يتلقاها الجيش بدءاً من اليوم
وبالعودة الى وقائع الاحتفال الرسمي بتسلم الدفعة الاولى من الهبة السعودية والذي شارك فيه نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل، ووزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، والسفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري وقائد الجيش العماد جان قهوجي وعدد من الضباط، وأركان السفارتين الفرنسية والسعودية، والتي بدأت مع عزف الاناشيد الوطنية السعودي والفرنسي واللبناني، قبل ان يلقي مقبل كلمة شكر في مستهلها السعودية على هبة ال 3 مليارات دولار لشراء العتاد والأسلحة، كما شكر كل الدول الصديقة التي قدمت وتقدم مساعدات للجيش ومنها الولايات المتحدة الأميركية، ومشددا على "ان انتصار الجيش اللبناني على الإرهاب هو انتصار أيضا لكل الدول المهددة بهذا الإرهاب". ومؤكدا على "ان وجود وزير الدفاع الفرنسي اليوم دلالة على الرابط الذي يجمع بلدينا".
كما تحدث لودريان فأكد ان "لبنان يتعرض لضغوط كبيرة لم يسبق لها مثيل من التنظيمات الارهابية مثل "داعش" و"النصرة"، وان الجيش اللبناني دفع في عرسال ثمنا باهظا لتلك الحرب التي شنها عليه الارهابيون، ولبنان الذي يعرف ثمن الحرب لا يريد الانجرار الى هذه الفوضى المحيطة به وفرنسا كانت وستبقى الى جانبه للحؤول دون ذلك".
وقال:"شرف لي أن أكون متواجد بينكم في هذا اليوم الذي تتجسد فيه الهبة السعودية" مشيرا الى ان "هذا المشروع هو مشروع ضخم وهو يتضمن عملية تحديث لهيكلية القدرات الدفاعية للجيش اللبناني، وكان لا بد لحلفاء لبنان من الاسهام فيه، اما من حيث العتاد فان المشروع سيتضمن تسليم عشرات المدرعات ومدفعية حربية حديثة مثل "مدافع سيزار" والعديد من الاسلحة لمساعدة الجيش"، مشيرا الى ان بلاده سترسل 60 ضابطا فرنسيا من ضباط الصف الى لبنان لتدريب الجيش، وان الكليات العسكرية في فرنسا ستكون مفتوحة للعسكريين اللبنانيين في اطار هذه الصفقة ".
واجاب مقبل على سؤال حول العرض الايراني بتسليح الجيش فقال:"في المبدأ نحن نقبل بأي هبة عسكرية غير مشروطة للجيش اللبناني، لكن الموافقة النهائية عليها منوطة بموافقة مجلس الوزراء، وبالتالي يقتضي قبول مجلس الامن الدولي المعني بالعقوبات الدولية، واذا حصل ذلك فاننا سنقبل بأي هبة من أي بلد وسنشكرهم عليها".
بعد ذلك قدم قائد الفوج المضاد للدروع العميد الركن جانو حداد ايجازا حول فاعلية الصواريخ التي قدمت كدفعة اولى من الهبة السعودية، فأشار الى ان "صاروخ ميلان الفرنسي يستعمل في الجيش اللبناني منذ العام 1980 وما يزال".