ورغم الإطناب الكبير في ذكر تفاصيل التطوير العسكري داخل «كتائب القسام»، والإشارة إلى خوضها مناورة مشتركة للمرة الأولى مع «سرايا القدس» (الجهاد الإسلامي) في غزة، فإن أكثر ما ركزت عليه التقارير ما سمّته «التوتر الشديد بين قيادة الذراع العسكرية والسياسية في حماس». تشير تلك التقارير إلى أن التوتر يعود مصدره إلى عملية «الجرف الصامد»، في ظل شعور «مسؤولي العسكر بأن القيادة السياسية أحبطت الخطوة العسكرية التي كان يمكن لها أن تغيّر وجه الحملة ونتائجها، فقد عمل القسام على مدى السنين لضربة أولى مفاجئة تبدأ بعدها الحملة الكبرى في غزة».
الخطوة المذكورة هي «ضخ عشرات المقاتلين إلى أراضي إسرائيل عبر الأنفاق في منطقة كرم أبو سالم، واجتياح عدة بلدات، وتنفيذ قتل جماعي والعودة مع الرهائن إلى داخل غزة». ولكن هذه الخطوة «التي خطط لها محمد الضيف بنفسه كان يفترض بها أن تغير قواعد اللعب في الجبهة، ولكن القيادة السياسية لم تعط الضوء الأخضر لتنفيذها».
وبعد الحرب، تقول «يديعوت» إن من في حماس لم ينتظروا كثيراً قبل استئناف حفر الأنفاق الهجومية باستثمار مالي وجهود عظيمة؛ «فأكثر من ألف عامل يعملون على مدار الساعة في ثلاث ورديات، وستة أيام في الأسبوع. والهدف المعلن هو العودة إلى نقطة البداية التي انطلقت منها الجرف الصامد، مع ما لا يقل عن 32 نفقاً هجومياً، بعضها يصل إلى الأراضي الإسرائيلية».
أما في مجال الصواريخ، فـ«عادت حماس لتعمل في الإنتاج الذاتي، وفي الأشهر الأخيرة بذلت جهوداً لاستكمال مخزون الصواريخ البعيدة المدى، والحشد لإنتاج القصيرة المدى التي تضرب غلاف غزة للتصدي لمنظومة القبة الحديدية».
أيضاً، ثمة ادّعاء آخر ساقته تلك التقارير، وهو أن أحد الدروس التي استخلصتها «حماس» ما يتعلق بالحاجة إلى فتح ساحة أخرى أثناء جولة القتال ضد إسرائيل... «بدأوا ببناء شبكات في سيناء بهدف إقلاق الجيش الاسرائيلي بالنار من جبهة أخرى».
عموماً، لعله ليس من الجديد التأكد من أن الضيف لم يقتل خلال محاولة الاغتيال التي استشهدت فيها زوجته وابنه وابنته، فيما لم ينفجر صاروخان سقطا عليه، فتمكن من الفرار، وفق الرواية الإسرائيلية. ولكن صحيفة «معاريف» قالت إن المعلومات حول نجاة الضيف لا تستند إلى تصريحات قادة حماس، ولا إلى رسالة التعزية التي أرسلها للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، باستشهاد جهاد (عماد) مغنية، بل تعتمد على «تحديد إسرائيلي رسمي بأن الضيف لا يزال حياً يرزق ويقود عمليات حماس».
على صعيد آخر، وضمن إطار الخلاف الداخلي الذي تحدثت عنه التقارير، قالت الإذاعة الإسرائيلية إن «الضيف يسعى حالياً إلى تحقيق التقارب بين حماس وإيران من أجل الحصول على أموال ووسائل قتالية، في حين تشهد قيادة الحركة خلافات بين مستوييها العسكري والسياسي» على هذه الخلفية، فضلاً عن إخفاقها في «تحقيق أي إنجازات ملموسة خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل».
ونقلت الإذاعة نفسها عن ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي توقعه أنه في الحرب المقبلة ستجري مهاجمة إسرائيل بالصواريخ من كل الجبهات (غزة، والضفة، والشمال، وربما أيضاً من سيناء). واستدركت الإذاعة بأنهم في «قيادة الجبهة الجنوبية يقدرّون أن الحرب لن تندلع هذه السنة، بسبب عدة أمور، من بينها الضرر الكبير الذي لحق بقطاع غزة، وأيضاً وجود صدع كبير بين المستوى السياسي لحماس والمستوى العسكري؛ فالذراع السياسية تخشى من عناق شديد من إيران من شأنه السيطرة على حماس، فيما الجناح العسكري بحاجة إلى المال الإيراني».
في الوقت نفسه، تواصل التقارير الإسرائيلية الإشارة إلى أن ثمة جهات أمنية عديدة في إسرائيل تحذر من مواجهة قريبة مع غزة في حال لم يتم تغيير الأوضاع بصورة جذرية، وذلك «في ظل تزايد حالة الإحباط لدى سكان غزة والمستويات الأمنية والسياسية لدى الفصائل الفلسطينية».
ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن تقرير قدم خلال الأيام الماضية إلى مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ينبه إلى أن الأوضاع في غزة قد تنفجر في كل لحظة مع تعرقل عملية الإعمار، فيما ترى «القيادات العسكرية في الفصائل الرئيسية أن المستوى السياسي قد تم خداعه في توقيع اتفاقية القاهرة للتهدئة، إذ لم تلتزم إسرائيل بأيّ من بنودها».
وطالبت الوثيقة بتحرك سريع لخلق واقع جديد والتنسيق مع مصر لفتح معبر رفح وزيادة عدد المسموح لهم بالتحرك عبر معبر بيت حانون (إيريز)، فضلاً عن السماح بدخول عمال من غزة وتسهيل دخول المواد الإنشائية «تحت رقابة محددة»، والإسراع في مدّ خط الغاز من عسقلان إلى شركة كهرباء غزة.
إلى ذلك، أعرب سكان مستوطنات «غلاف غزة، أمس، عن إحباطهم ويأسهم في أعقاب التقارير التي نشرت في إسرائيل، وتفيد بأن «حماس» عادت إلى حفر الأنفاق. ونقلت القناة الثانية الإسرائيلية عن إحدى سكان كيبوتس «صوفا» أنه «ما زلنا نرمّم ما كسرته الحرب السابقة، وهم الآن يستعدون لحرب أخرى». وأضافت المستوطنة: «قائد المنطقة والحكومة وعدا منذ النفق الأول بأنهم سيتعاملون مع الأمر، وماذا يحدث الآن؟ لا شيء».
ساكنة أخرى عبّرت عن قلقها من التقارير التي تؤكد أن محمد الضيف لا يزال حياً، فقالت: «كيف لنا أن ننام ليلاً؟ كيف لي أن أدع أبنائي يذهبون إلى رياض الأطفال من دون خوف من أن يخرج لهم أحد من تحت الأرض؟».
(الأخبار)
اسرائيليات
العدد ٢٥٧٩ الخميس ٣٠ نيسان ٢٠١٥
http://al-akhbar.com/node/231838