فلا «الضربة الاستباقية» تمكنت من إحداث اختراق على جبهة القلمون، كان الهدف منه، في حال حدوثه، تشتيت جهود الجيش السوري و «حزب الله» وعرقلة تحضيراتهما للمعركة المرتقبة، ولا الإعلان المتسرع عن تشكيل «جيش الفتح في القلمون» نجح في إحداث أي تأثير نفسي أو معنوي، كان القائمون على تشكيله يتوقعون حصوله، استناداً إلى تداعيات الشمال السوري.
بل على العكس تماماً، فإن الضربة الاستباقية دفعت الجيش السوري و «حزب الله» إلى شن هجوم معاكس، أدى إلى تحقيق مكاسب سريعة على الأرض والسيطرة على العديد من التلال الحاكمة في المنطقة، تمتد على مساحة نحو 100 كيلومتر مربع.
وعلى الرغم من هذه التطورات الميدانية المتسارعة، إلا أن هذه العمليات لا تشكل المعركة الحقيقية في القلمون كما قالت مصادر ميدانية، وربما تندرج فقط في سياق التحضير والتمهيد وجس النبض.
كما أن تشكيل «جيش الفتح»، وبدل أن يؤدي دوراً في إطار الحملات الإعلامية والحروب النفسية المتبادلة، فقد كشف عن وجود تخبط وإرباك ضمن صفوف الفصائل المسلحة في القلمون، وأثبت عدم وجود اتفاق في ما بينها على التوحد ضمن «جيش واحد» على نحو ما حصل في إدلب قبل أسابيع.
وبالرغم من أن الفصائل المسلحة تمكنت قبل يومين من التقدم نحو نقطتين في جرود عسال الورد، كانتا تحت سيطرة الجيش السوري و «حزب الله»، إلا أن «معركة الفتح المبين» التي أعلن عنها «تجمع واعتصموا» الاثنين الماضي فشلت فشلاً ذريعاً في إحداث أي اختراق نوعي يمكن أن يؤثر في مصير منطقة القلمون استراتيجياً، ليبقى التقدم نحو النقطتين السابقتين مجرد خطوة محدودة في سياق الكر والفر بين الطرفين.
واضطرت «جبهة النصرة»، بعد أن تبين أن «الضربة الاستباقية» فشلت في تحقيق أهدافها، إلى الإعلان عن تشكيل «جيش الفتح في القلمون»، لعل هذا الإعلان يرفع من معنويات مقاتليها ويؤثر بشكل ما في مسار معركة «الفتح المبين». غير أن هذا الإعلان فشل، بدوره، في إحداث أي فرق على أرض الميدان، خاصةً أنه جاء متسرعاً وغامضاً على عكس الإعلان عن «جيش الفتح في إدلب».
ومن أهم الملاحظات التي يمكن تسجيلها أنه بعد مرور أكثر من 48 ساعة على الإعلان عن «جيش الفتح في القلمون»، ما زال هناك غموض حول الفصائل المسلحة المشاركة فيه. واللافت أن حساب «مراسل القلمون» اكتفى بالحديث عن انضمام «الفصائل الصادقة» إليه من دون تسمية أيّ من هذه الفصائل. كما أن «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» والعديد من فصائل «الجيش الحر» لم تعلن انضمامها إلى هذا «الجيش»، وهو ما يعني عدم وجود اتفاق بين هذه الفصائل على تشكيل «الجيش»، وبالتالي قد يكون إعلان «جبهة النصرة» عنه مجرد خطوة إعلامية تهدف من جهة إلى ممارسة ضغط نفسي على الجيش السوري و «حزب الله»، ومن جهة أخرى إلى إحراج حلفائها ودفعهم إلى الانضمام إليه.
وكان من الطبيعي أن يستغل الجيش السوري و«حزب الله» فشل «الفتح المبين» وحالة التشرذم بين الفصائل المسلحة، ليقوما بخطوة عملية من شأنها ترجمة الحصيلة المفترضة لهذه المعطيات إلى واقع على الأرض. وهو ما حدث بالفعل في حدود الساعة السادسة والنصف من صباح أمس، حيث نفذ الجيش السوري والحزب سلسلة هجمات وعمليات انتشار انطلقت من محاور عدة، أهمها عقبة صالح ووادي الرملة وجرد نحلة والطفيل، واستهدفت معاقل «جبهة النصرة» وحلفائها في جرود عسّال الورد والجبة، وبنتيجة الهجمات والعمليات هذه تمكّنا من السيطرة على عدد من التلال الحاكمة في المنطقة، أهمها قرنة النحلة التي تقع شرق جرود بريتال، وتتألف من ثلاث تلال كانت عبارة عن نقاط ومقار للمسلحين وتشرف على وادي الدار ووادي الصهريج وهما من المعابر المهمة في تلك المنطقة، الأمر الذي يعني التضييق على المسلحين وتقليص خطوط الإمداد والمعابر التي يمكنهم استخدامها.
أما بالنسبة إلى «حزب الله» فإن السيطرة على تلة قرنة النحلة، التي ترتفع حوالي ألفي متر، فتعني الربط بين الجرود على «الضفتين» السورية واللبنانية، وبالتالي امتلاك حرية أكبر في التنقل والحركة.
وذكرت قناة «المنار» أن الهجوم، صباح أمس، أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجماعات المسلحة، عرف من بينهم القيادي في «النصرة» أبو أحمد مجاهد وقيادي آخر ملقب بالأسود، مشيرة إلى فرار وانهيارات في دفاعات المسلحين، الأمر الذي مكن الجيش السوري ومقاتلي «حزب الله» من بسط سيطرتهم على كامل جرود عسال الورد، التي تبلغ مساحتها حوالي 45 كيلومتراً مربعاً.
يشار إلى أن الجيش السوري كان يسيطر على جزء من جرود عسال الورد منذ نيسان العام 2014، وأن ما حدث في هجوم أمس هو استكمال السيطرة على الأجزاء الأخرى التي كانت لا تزال تحت سيطرة مسلحي «جبهة النصرة». وقد كان للسيطرة على تلة قرنة النحلة دور كبير في انسحاب «جبهة النصرة» من مواقعها في جرود عسال الورد، لأن التلة تشرف على غالبية هذه المعاقل وتجعل استهدافها سهلاً. كما أدت العملية إلى فصل جرود عرسال اللبنانية عن منطقة الزبداني السورية وسرغايا ومضايا. وقتل وجرح عدد من المسلحين إثر استهداف الجيش السوري بصاروخ موجه لدبابتهم في الحارة الغربية لمدينة الزبداني.
وفيما راجت معلومات عن انتقال عشرات المسلحين من مخيمات عرسال إلى جرودها للالتحاق بالمجموعات المسلحة هناك، أكدت مصادر أمنية لبنانية واسعة الاطلاع، لـ «السفير»، أن وحدات الجيش اللبناني في عرسال والقرى المحيطة بها اتخذت سلسلة تدابير منذ أسابيع عدة، في إطار تنفيذ التعليمات العسكرية الهادفة للدفاع عن الحدود اللبنانية في منطقة السلسلة الشرقية، بينها منع انتقال النازحين ومنع انتقال المؤن والمازوت من عرسال إلى جرودها من خلال معبر وادي حميد، «وهذه التدابير ما زالت سارية المفعول».
وقالت المصادر إن الجيش اللبناني يقوم بواجباته في منطقة البقاع الشمالي وفي كل النقاط الحدودية شمالاً وشرقاً، بمعزل عن الحسابات السياسية لأي طرف داخلي أو خارجي، إذ إن واجباته الوطنية تفرض عليه الدفاع عن حدود بلده ومنع تسلل الإرهابيين التكفيريين إلى الداخل اللبناني.
من جهة ثانية، قتل أكثر من 30 مسلحاً من «داعش» في كمين نصبه الجيش السوري لهم في محيط تل الخالدية في ريف السويداء الشمالي، حيث فجر عبوة كبيرة بهم اتبعها باستهداف صاروخي للمنطقة.
كما واصل الجيش السوري هجومه في شمال غرب محافظة إدلب بهدف إعادة السيطرة على مناطق كان قد خسرها في الأسابيع الماضية. وكثف الطيران السوري من عملياته بالقرب من مستشفى جسر الشغور، حيث يُحاصِر مقاتلون من «جبهة النصرة» عناصرَ من الجيش داخله. وأكد مصدر ميداني، لـ «السفير»، أن الجيش السوري حقق تقدماً وصفه «بالاستراتيجي»، على المحور الشرقي لمدينة جسر الشغور باتجاه حاجز العلاوين، قادما من محور فريكة وتلة المنطار.
وحاول «داعش» ومجموعة فصائل محلية في حمص فتح جبهات أخرى لتشكيل اختراقات جديدة، سواء في مدينة دير الزور أو حتى في محافظة حمص، انتهت جميعها بالفشل، رغم الحشد العسكري الكبير للمسلحين وضراوة المعارك على هذه المحاور.
السفير بتاريخ 2015-05-08 على الصفحة – الصفحة الأولى