محمد بلوط - السفير
مع صعود المقاومة والجيش السوري إلى سماء السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وارتقائها إلى تلة موسى، يدخل الصراع في سوريا، ولبنان تالياً، منعطفاً غير مسبوق، منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أربعة أعوام.
وخلال الساعات الماضية، ومن تلة موسى، أغلقت سرايا الاقتحام الراجلة للمقاومة، والقصف المدفعي السوري، أبواب أحد الرهانات الكبيرة التي كانت ترتسم تدريجيا، وبصمت، على الأرض.
هي ليست معركة من أجل هضاب القلمون الجرداء، وطرد «جيش الفتح» منها، بل هي معركة دك الأسوار التي كانت تقيمها الدول حول#سوريا بأكملها، وجرود القلمون أحد أجنحتها. و «الفتح» تم ابتداعه ليضم تحالفاً كبيراً حول «جبهة النصرة»، استخدمته قطر والسعودية وتركيا، كغطاء فضفاض لتسليح ودعم «جبهة النصرة» خاصة. وكان السعوديون قد قرروا، في لحظة يأس من أداء واضمحلال «الجيش الحر»، التحالف مع «النصرة»، والتخلي عن تحفظهم الماضي، على أن يتحالف معها من تمولهم مباشرة، مثل «الجبهة الإسلامية».
فمع الانتصار في تلة موسى، سقط الجناح الغربي للأسوار التي عمل تحالف دولي يضم غرف عمليات عمان، وإنطاكيا، وتحالفاً «جهادياً» وغربياً وخليجياً، على رفعها حول قلب المشرق العربي، تمهيداً لعزله كلياً وتقطيع شرايين اتصاله الخارجية. وكان المشهد الذي عملت دول التحالف والجماعات «الجهادية» على رسمه، يشتمل منذ أربعة أعوام، على رفع أسوار#الحصار حول#سوريا بأكملها، جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، وهو ما لم تعرفه دولة في العصر الحديث.
شرقاً أولاً.. فمنذ «غزوة الموصل»، التي دعمتها تركيا، أغلق تنظيم «الدولة الإسلامية في#العراق والشام»-»داعش» حدود#سوريا الشرقية، وقطع طرق الإمداد مع بغداد وطهران، عبر الغرب العراقي، وأغلق جميع المعابر بينهما.
وجنوباً ثانياً.. ومنذ شهرين اقتحمت «جبهة النصرة»، معبر نصيب الأردني - السوري، ومعها المجموعات التي تقودها الاستخبارات العامة الأردنية، وتسلحها السعودية، مغلقة آخر المعابر نحو الجنوب، ومحوّلة إياها إلى ممرات إمداد مفتوحة للجماعات السورية، التي تقوم السعودية بتدريبها في معسكرات عرعر الشمالية، أو الأردنية والأميركية في مدينة السلط الأردنية. وكانت إسرائيل قد عملت على إبعاد الجيش السوري عن منطقة الفصل، ودفع «النصرة»، و «داعش» عبر «لواء شهداء اليرموك» المبايع له، إلى وضع الجيش السوري في حوران والجنوب بين فكي كماشة: غرباً «النصرة» في ريف القنيطرة، وسفوح جبل الشيخ، وشرقاً ما تبقى من كتائب «الجيش الحر»، ومحاصرة درعا تمهيداً للانقضاض عليها، والتقدم نحو ريف دمشق الغربي، وإقامة الاتصال بجيوب المجموعات المسلحة في خان الشيح، وزاكية، والطيبة، والاندفاع نحو دمشق.
وشمالاً.. تسارعت العمليات العسكرية، وتدخلت تركيا لمنع الجيش السوري من إكمال الطوق حول حلب، وأرسلت جماعاتها الشيشانية والتركستانية المسلحة لغزو جسر الشغور وإدلب، بالتزامن مع عملية «عاصفة الحزم» ضد اليمن. وكان الأتراك، بتنسيق وتمويل سعودي، يدفعون الجيش السوري جنوباً، بعيداً عن خط الحدود الشمالية، الذي يبلغ طوله 800 كيلومتر تقريباً، انطلاقاً من الساحل في كسب، حتى أقصى شرقي الخط عند منقار البطة العراقي - السوري - التركي.
وغربا أخيراً.. إن أعقد ما واجهته عملية رفع الأسوار هو الجبهة الغربية، ولبنان الذي كان يبدو الحلقة الأضعف في الصراع بعدما فرضت معركة#عرسال اختراقاً كبيراً في معادلة مواجهة#الحصار على سوريا، قبل معركة القصير، وأربكت حسابات المقاومة والجيش السوري. واستخدم الاختراق العرسالي لابتزاز المقاومة والجيش اللبناني، بخطر حرب شيعية - سنية، فتم تأجيلها إلى حين تفكيك الجدران التي كان العمل يجري على تدعيمها جنوب الزبداني فعرسال، فمشاريع القاع.
فمنذ أيار العام 2013، تصدت المقاومة والجيش السوري لخطة فرض#الحصار غرباً على سوريا. استُعيدت المنطقة الوسطى، ومدينة القصير، وتأمّن الاتصال بين دمشق وحمص، والساحل الغربي، وحماه شرقاً. ومع انتهاء العام 2013، كانت المقاومة قد طردت المجموعات المسلحة، من معاقلها في البلدات والمدن القلمونية، وآخرها مدينة يبرود. وفي هدنة الشتاء، كانت المناطق المنخفضة من جرود القلمون، فالزبداني، فسفوح جبل الشيخ، وأخيراً مثلث درعا - دمشق - القنيطرة، في دير العدس وكفرشمس وكناكر، مسرح عمليات واسعة، أحبطت خطة غزو دمشق عبر بواباتها الجنوبية. واستبق الجيش السوري المعركة القلمونية بإغلاق اختراقات في كفير يابوس ويابوس، أعدت لها المجموعات المسلحة لتهديد طريق دمشق - بيروت.
والأرجح أن عملية تلة موسى ستجبر القوى الإقليمية على إعادة النظر في حساباتها «اللبنانية» بعدما فشلت «النصرة» في أداء دورها على الجبهة الغربية، فيما كانت تكتيكات «تطبيع» العلاقات مع تنظيم «القاعدة في بلاد الشام»، قد نجحت في الشمال، مع معركة ادلب، ثم جسر الشغور، كما سجلت تقدماً مهماً في الأردن.
وجلي أن هذه الدول باتت ترى أن مطلب فك الارتباط بين أبو محمد الجولاني و «القاعدة» لم يعد ينسجم مع هدف تغيير موازين القوى مع الجيش السوري لإجبار دمشق على التفاوض من موقع ضعيف. ذلك أن فك الارتباط سيؤدي إلى انقسام كبير في القوة الأساسية، داخل المجموعات «الجهادية»، الأفضل تنظيماً وتسليحاً. ويأخذ التفاهم السعودي - التركي بالحسبان أن جزءا كبيرا من «النصرة» سيكرر الالتحاق بـ «داعش»، كما حصل عند#انفجار الخلاف بينهما في حزيران العام 2013. كما أن توقيت فك الارتباط الذي روّج له القطريون «لتحليل» التحالف مع «النصرة»، لا يسعه التضحية بقوة «النصرة» ووحدتها، إبان هجوم كبير وواسع ضد الجيش السوري، من أجل مسألة لم تعد جوهرية بنظره، كفك الارتباط مع «القاعدة». فالخلافات مع الولايات المتحدة حول الضمانات الأمنية، مقابل الاتفاق النووي الإيراني، تحرر السعوديين خصوصا، من أي التزام بعدم التعاون مع «النصرة» أو «القاعدة»، التي تقاتل «عاصفة الحزم» الى جانبها في حضرموت، ضد «أنصار الله»، والجيش اليمني.