هل يضع الجيش في حساباته خيار خوض معركة تحرير جرود عرسال، ام انه خارج أجندته في الوقت الحاضر؟ وما الذي يتطلبه الخيار الهجومي: القدرات العسكرية ام القرار السياسي ام الاعتباران معا؟
وإذا امتنعت الدولة عن تحمل مسؤولياتها.. ماذا سيفعل «حزب الله»، وهل هو مصمم على الحسم في جرود عرسال كما سبق ان لَمَّح أمينه العام السيد حسن نصرالله ام ان الحساسيات المذهبية ستجعل الحزب يتمهل في اندفاعته، لا سيما بعدما ذهب البعض في اتجاه إعطاء هذا الملف طابعا مذهبيا، علما ان التهديد الذي يشكله التكفيريون يطال جميع المكونات اللبنانية؟
وأين أمن أهالي عرسال من حسابات القوى السياسية، وهم الذين يدفعون من حياتهم وأرزاقهم ثمن الاعتداءات المتكررة؟ والى متى ستبقى البلدة رازحة تحت احتلال المجموعات المسلحة، وفق التوصيف الذي سبق ان استخدمه وزير الداخلية نهاد المشنوق نفسه؟
وما هي الخطط الرسمية الموضوعة لحماية عرسال من احتمال أن يشن مسلحو الجرود، هجوما جديدا على البلدة، بعدما ضاقت السبل امامهم وحُشروا في الزاوية الجغرافية الضيقة؟ وهل يجوز ان تكون الحكومة مرتبكة في مواجهة هذا الملف، ومنقسمة حوله، بدل ان يشكل حافزا للتضامن الوزاري من أجل تحسين شروط التصدي للخطر الداهم الذي لا يميز بين ضحاياه؟
وبينما يُتوقع ان يناقش مجلس الوزراء هذا الملف في جلسته اليوم، سُجلت مفارقة غريبة خلال جلسة الأمس صدمت العديد من الوزراء، وتمثلت في طلب وزير الدفاع «الملياردير» سمير مقبل تضمين موازنة 2014 مصاريف بقيمة 20 ألف دولار (ضيافة وما شابه) أنفقها في الوزارة وذلك بغية استردادها، إضافة الى طلبه صرف 100 مليون ليرة في موازنة 2015 بعنوان «مصاريف شتى».
وعُلم ان وضع عرسال وجرودها سيكون أحد محاور البحث بين العماد ميشال عون والوزير المشنوق الذي سيزوره اليوم في الرابية. وهذا الوضع كان أيضا موضع بحث أمس بين العماد جان قهوجي والمشنوق الذي اكد لـ «السفير ان الجيش قادر على حماية كل المناطق اللبنانية التي يتواجد فيها، من دون مساعدة أحد، بما فيها منطقة البقاع الشمالي، وقيادته كانت واضحة في هذا المجال.
وفي ما خص الجيش، فقد سبق له ان ابلغ الجميع انه ليس جيش طائفة او حزب او اي فريق سياسي، وانه يتحرك وفق ما ينص عليه القانون، لكنه في الوضع الراهن يبدو محكوما بنوعين من الحدود لا يستطيع تجاوزهما من دون غطاء سياسي صادر عن مجلس الوزراء، وغطاء مذهبي يؤمنه الرئيس سعد الحريري شخصيا، على غرار ما حصل في طرابلس وقبلها في عبرا:
- الحدود المذهبية التي تحيط بواقع بلدة عرسال تحديدا، وتجعل أي عملية عسكرية في عرسال او جرودها تحتاج الى إزالة هذا الاعتبار.
- الحدود الجغرافية، إذ إن الجيش ينتشر من راس بعلبك حتى بريتال، وفي بعض النقاط الاخرى، وهو لا يستطيع ان يتجاوز هذه الحدود تجنبا للمساس باراضي وسيادة دولة ثانية.
في هذه الاثناء، عُلم ان الاميركيين أمّنوا طائرات من دون طيار تحلق باستمرار فوق منطقة الجرود لرصد التحركات فيها واعطاء «داتا» ميدانية للجيش على مدار الساعة. ووفق المعطيات الاميركية، فان عدد العناصر التي لجأت الى الجرود لا يتعدى المئات.
وتفيد المعلومات ان عددا من الهاربين حاولوا التوجه الى عرسال، فحالت الاجراءات التي يفرضها الجيش ما بين البلدة وجرودها، دون وصولهم اليها، وهم ما زالوا ينتشرون في بقعة جغرافية وعرة تتراوح بين 60 الى 90 كيلومترا مربعا، وسط قرار صارم من القيادة العسكرية في هذا المجال: ممنوع عبور الارهابيين الى الجانب اللبناني او الاقتراب من الحدود اللبنانية، مهما كلف الامر.
وليلا، تم ضبط سيارة «رابيد» كانت مفخخة بنحو 200 كيلوغرام من المواد المتفجرة، في منطقة رأس السرج في عرسال، حيث عمل الخبير العسكري على تفكيكها.
موقف الجيش
وفيما يبدو ان أخطر معضلة يواجهها الجيش تكمن في ان مخيم النازحين السوريين بات في ظهره ومواقع المسلحين امامه، قالت مصادر عسكرية لـ «السفير» إن عرسال بلدة مغلوب على امرها، وهي خارجة عن سلطة الشرعية، وليست خارجة على سلطة الشرعية، نظرا لوجود مسلحين ارهابيين على هذه الارض اللبنانية، وفي بعض مخيمات النازحين السوريين، ما يجعل الموقف اشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اية لحظة.
وأكدت المصادر ان الجيش يقوم حاليا بتعزيز وجوده الميداني، ويجهز خططه العسكرية للأسوأ، «ونحن نقوم بواجباتنا كاملة»، على ما يُنقل عن قائد الجيش، و «لسنا متهاونين ونقوم بعمليات استباقية دائما ضد الارهابيين ونوقع قتلى في صفوفهم».
وشددت المصادر على ان الجيش يملك الارادة والتصميم على مواجهة الارهاب مهما كلفه ذلك من تضحيات، وهو يدرك تماما الحاجة اليه في منطقة عرسال وعلى طول الحدود مع سوريا، وبالتالي ضرورة زيادة عديده لمواجهة كل الاحتمالات، ولذلك يقوم بسحب وحدات عسكرية من مناطق أخرى، وإلحاقها بهذه البقعة الجغرافية.
وابدت المصادر العسكرية أسفها لوجود مشوشين على مهام الجيش في هذه الفترة، مشيرة الى ان هؤلاء ربما لا يدركون ان سحب كتيبة من الجيش من منطقة عرسال، ستكون له تداعيات خطيرة من شأنها ان تسمح للارهابيين بالتدفق في اتجاه لبنان، وعندها قد لا يجد هؤلاء المشوشون وقتا لكي يحزموا حقائبهم للفرار.
«حزب الله»
أما بالنسبة الى «حزب الله»، فهو مستمر خلال هذه المرحلة في حث الدولة على القيام بواجباتها في حماية الحدود والبلدات اللبنانية المتاخمة لها، خصوصا ان حجم انتشار المجموعات المسلحة في جرود عرسال أصبح من وجهة نظره لا يحتمل أي مسايرة او مهادنة.
والأرجح ان الحزب سيعطي الحكومة والجيش كل الفرص لتحمل مسؤولياتهما، علما ان هناك من يقول ان تقاعس الدولة على هذا الصعيد سيمنح المقاومة المزيد من الشرعية وسيثبت صوابية تمسكها بسلاحها، وسيؤكد استمرار الحاجة اليها للدفاع عن اللبنانيين، ما دام ان المرجعية الرسمية ترفض ان تؤدي هذا الدور.
«تيار المستقبل»
في المقابل، أبلغت أوساط «تيار المستقبل» «السفير» انه لا يوجد خطر داهم في عرسال، معتبرة ان المدخل الى معالجة الموقف له وجوه عدة ابرزها تفكيك مخيم النازحين في جرد عرسال وإنشاء مراكز إيواء موقتة، لافتة الانتباه الى ان ثمة صيغة بهذا الصدد ارسلت الى «حزب الله» منذ شهر لكنه لم يقدم جوابا نهائيا عليها بعد.
رئيس البلدية
وقال رئيس بلدية عرسال علي الحجيري لـ «السفير» إن أهالي عرسال لن يسمحوا للمسلحين بان يفتعلوا المشكلات في داخل بلدتهم، ومن يُرِد منهم القتال فليقاتل في الجرود ولا يقترب من البلدة. وأكد ان عرسال شبعت مشكلات، فليتركوها وشأنها.
وردا على سؤال، أجاب: جرود عرسال ارض لبنانية وهي ارض الجيش الذي هو حر في ان يفعل ما يشاء.
واشار الى ان «حزب الله» لم يقترب من جرود عرسال ولن يقاتل فيها.
قضية المخطوفين
في هذا الوقت، ابلغت مصادر واسعة الاطلاع «السفير» ان قضية العسكريين المختطفين لدى «جبهة النصرة» تكاد تصل الى خواتيمها السعيدة، ما لم تطرأ مفاجآت غير محسوبة، مشيرة الى ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم نجح في تحييدها عن ملفَّي القلمون وعرسال.
السفير بتاريخ 2015-05-21 على الصفحة رقم 1 – الصفحة الأولى