ردّ عليها ذلك المجتمع عبر «تويتر»، بكل ما يملك من سلطوية ذكورية ومصطلحات مهينة وتهديدات بشعة، وقوّلها ما لم تقله، لتبدو وكأنها تنتقد أحكام الشرع، عبر وسم «حصة آل الشيخ تتطاول على الشرع». كان الوسم الأسرع نمواً والأكثر انتشاراً في العالم على «تويتر» أمس الأول، ما اضطر جريدة «الرياض» إلى إزالة مقالة آل الشيخ عن موقعها.
في مقالتها بعنوان «مُعتقَل الوفاء التراثي النسوي» تطرح آل الشيخ إشكاليات تفسير الثقافة السائدة للشرع وأحكام القرآن من أجل استخدامها في تحويل حياة المرأة إلى سجن، ويجعلها مجرّد شيء يمتلكه الرجل، تحت راية قدسية التراث. طرحت المقالة أمثلة عدّة، منها عدّة الأرملة التي تبلغ بحسب الشرع أربعة أشهر وعشرة، لتبين كيف تشكّك المنظومة بوفاء المرأة فتفرض عليها حالة أقرب إلى الموت، بينما هنالك من الرجال من «يتزوج بأخرى منذ أن يدفن زوجته، بينما هي تظل تبكي وفاءها أربعة أشهر وعشرة، وتجلل نفسها بالسواد والحزن والتقبيح، ومع الرضا بالقسمة الذكورية تهلّ مزايدات قتل المرأة بموت زوجها؛ لتحرّم عليها الخروج، ورؤية القمر بدرا، وشرب القهوة بالزعفران، والتجمل، والتحدث مع الرجال، وغيرها من خرافات التراث». وهي بحديثها هذا لم تكفر بشريعة أو تخالف حكماً قرآنياً فهي تتابع بالقول: «هذا التشريع الذكوري الذي طوق به التراث ولا زال أعناق النساء فَسَجَنَّ أنفُسَهُنَّ بأنفسهنّ، يكذّبه القرآن الكريم، فالحكمة الوحيدة لعددية العدة (العدة وليست الحبس) هي التأكد من خلو الرحم». لكن يبدو أنّ مهاجمي آل شيخ لم يقرأوا تلك الفقرة، بل لم يرغبوا بقراءتها، لتكون تهمة الكفر والمس بالمقدسات معلّبة وجاهزة. الدور الأكبر في الحرب ضد المقالة وكاتبتها على «تويتر» وعلى المواقع الإخبارية كان لبعض رجال الدين السعوديين. بادر بعضهم إلى وضع رأيهم الشرعي وأخذ باقي المغردين بتناقل تلك الآراء. نشر الشيخ عبدالعزيز الطريفي تغريدة على حسابه يؤكد فيها أنّ «حكم العدة من الأحكام القطعية في القرآن وأن منكرها كافر بإجماع المذاهب». وفي تغريدة أخرى تمنى الشيخ إقامة حدّ الردة على معتد واحد على الله ودينه ليكون عبرة للآخرين، فيما لجأ الشيخ ناصر العمر إلى تهويل آخر بقوله: «بلادنا في حالة حرب مع أعداء الملّة والدين، وبيننا من يسخر من دين الله بلا رادع، فكيف ننتظر النصر؟».
استعار المغرِّدون خطاب عمليَّة عاصفة الحزم العسكرية ضدَّ اليمن، إذ إنّ السعودية تعيش في «عصر الحزم» وفي «ظلّ سلمان الحزم»، ولذلك فلا يجب لحصَّة أن تنجو بفعلتها. بعضهم امتد غضبه ليشمل رئيس تحرير الجريدة وليس الكاتبة فقط فهو الذي «مكّنها من التطاول على شرع الله». وهنالك من رأى أن إزالة المقالة عن الموقع ليس كافياً ليعفي الكاتبة من العقاب الواجب «على فكرها لا على النشر». آخرون رأوا في إيقافها عن العمل عقوبة طفيفة لا تتناسب مع خطأها، بل «إنّها يجب أن تحاكم وفقاً للشرع الذي تكفر به». وهنالك من غرد أن المسألة أكبر من مجرد مقال عابر بل «هو طعن في الثوابت وجرأة على دين الله ومخالفة لدستور السعودية وقوانينها».
المفارقة كانت في تناقل صفحات ومواقع الأخبار السعودية لخبر استقبال الملك سلمان «رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية»، و «رئيس الجمعيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان»، إذ أكد الملك في كلمة ألقاها في الاجتماع أنّ الدولة «تكفل حرية التعبير عن الرأي، وأن جميع السعوديين متساوون في الحقوق الواجبات، وأن أنظمة الدولة تتكامل لصيانة الحقوق وحرية التعبير لأي مواطن». لكنّ سعادة «المغرّدين المتساوين» كانت عارمة وهم يتناقلون خبر إيقاف حصّة عن العمل وإحالة رئيس التحرير إلى التحقيق.
كم من كاتب أو مفكر تم اغتياله لتهم مشابهة ولكن عبر عملية تحريض أقل بكثير، فهل ستنجو حصة آل الشيخ في قادم الأيام من موجة الكره والغضب العارمة التي اجتاحت الفضاء الافتراضي؟ ويمكن اعتبار قضية حصة هذه مثالاً واضحاً عما ينتظر المرأة التي تحاول الحصول على حريتها وحقوقها في ظل مجتمع بطريركي يتلاعب بالألفاظ والأحكام والشرائع ويطوِّعها من أجل إبقاء تسلطه المتوارث عبر الأجيال.
هستيريا
تتفوّق السعوديّة بعدد مستخدمي «تويتر» على جميع الدول العربيّة، وتعدّ من أكثر البلدان استخداماً للموقع في العالم. غالباً ما تصل وسوم نشطة في السعوديّة إلى لائحة الأكثر تداولاً في العالم، خصوصاً في الأحداث الرياضيّة، كما في مباريات نادي الهلال. لكن التفاعل مع مقال حصّة آل الشيخ كان غير مسبوق لقضيّة من هذا النوع، ولا نبالغ إن قلنا إنّه بلغ حدّ الهستيريا. أكثر من 200 ألف مرّة تمّ التغريد عبر وسم «حصّة آل الشيخ تتطاول علي الشرع» (نشط أيضاً مكتوباً حصّة آل الشيخ تتطاول علي الشرع). كما نشط التغريد عبر وسم «حصة آل الشيخ»، وتداول المغرّدون اسم الكاتبة أكثر من 15 ألف مرّة خلال 24 ساعة. في المقابل، نشط وسم بعنوان «حصّة آل الشيخ تمثّلني» دفاعاً عن الكاتبة، إلا أنّ عدد التغريدات عبره لم يتجاوز المئة.
صاحبة سوابق
وقّعت حصّة آل الشيخ مقالات عدة مثيرة للجدل، إلى جانب مقالات أخرى تهنئ فيها الملك سلمان بالعهد الجديد. تطرّقت كتابات آل الشيخ إلى قضايا أكثر «خطورة» من موضوع العدّة، إذ انتقدت الحجاب والنقاب، ودعت في مقالات أخرى إلى «تصفيد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وفي العام 2012، تعرّضت لهجوم مماثل على «تويتر» بسبب تغريدة نسبت إليها، تشبّه فيها صوت محمد عبده، بصوت الله. لكنّها نفت علاقتها بتلك التغريدة، قائلةً إنّ الحساب الذي نشرها ليس لها. وتستغرب بعض المواقع الإخباريّة دائماً مواقف الكاتبة، لأنّها من أسرة آل الشيخ المعروفة بعلاقتها التاريخيّة الوثيقة بمحمد عبد الوهاب، إلى جانب تولّي أفرادها مناصب دينيّة رفيعة في السعوديّة، منها منصب الإفتاء، ووزارة الأوقاف، إلى جانب رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يامن صابور
السفير بتاريخ 2015-05-23 على الصفحة رقم 7 – صوت وصورة