ابراهيم ناصرالدين
«اشكروا الله ان في لبنان قوة اسمها حزب الله تقف سدا منيعا امام دخول المجموعات الارهابية من الاراضي السورية»، كلام قاله موظف اميركي كبير في السفارة الاميركية في بيروت لمجموعة من القيادات في 14 آذار كان في مقدمتهم مسؤولون بارزون في تيار المستقبل. طبعا اصيب هؤلاء بالذهول لسماعهم هذه المقاربة من تلك الشخصية الرفيعة المستوى، وخرجوا بعد اللقاء بانطباع ساذج يفيد بان واشنطن باتت تنظر الى الازمات في المنطقة «بعيون» ايرانية، والا كيف يمكن تفسير هذا الكلام بغير ذلك؟ وهل من مقاربة اخرى للموضوع؟
اوساط ديبلوماسية في بيروت تسنى لها الاطلاع على مضمون هذا اللقاء الذي طلبته تلك الشخصيات اللبنانية بهدف البحث عن اجوبة حول»اليوم التالي» لمعركة جرود القلمون، بطلب واضح من السعودية، ترى في تفسير هؤلاء لكلام المسؤول الاميركي رؤية سطحية لعمق الازمة المستعصية لدى واشنطن والتي جرى التعبير عنها من خلال التسليم بالامر الواقع الذي نجح حزب الله في فرضه على الجميع في الداخل والخارج. فالكلام الاميركي هو انعكاس فاضح لغياب الاستراتيجية الاميركية في المنطقة ولبنان، وليس تعبيرا عن «غزل» او ود تجاه حزب الله، فالاميركيون عاجزون عن «فعل شيء»، ويحاولون تظهير هذه الايجابية لارضاء حلفائهم لاقناعهم بالاستفادة منها، فليس لديهم اي ضمانات لهذا الفريق بتحسين موقعه الداخلي بعد استكمال الحزب لعملية تنظيف المنطقة الحدودية من «داعش» و«النصرة»، فالقدرة على التاثير كانت تحصل عادة من خلال الاستثمار على اسرائيل وعلى الحلفاء في الداخل، الاسرائيليون «خارج الخدمة»، واللبنانيون هم اليوم في اضعف مراحلهم منذ بدء الحرب في سوريا.
اما الوقائع فقد اثبتت ان حزب الله هو الوحيد الذي يملك استراتيجية واضحة ومتكاملة تضيف الاوساط، يعمل على تحقيقها وفق اجندة مرسومة بدأت في القصير منذ سنتين وتقترب من نهايتها الان في جرود القلمون، فالحزب نجح في عزل القوى اللبنانية المناوئة لمحور المقاومة بدل ان تتمكن من عزله، فهذه المنطقة الاستراتيجية ليست مهمة فقط لانها ستكون منطلقا للدخول الى دمشق، وانما لان القوى الاقليمية الداعمة للمجموعات المسلحة تريد من خلال تلك المجموعات السيطرة على هذا الممر الحيوي لمحاصرة المقاومة وعزلها في لبنان ومنع وصول الامدادات العسكرية من ميناء اللاذقية، بعد قطع شريان المعابر البرية بين العراق وسوريا، لكن الحزب ومن خلال هذه العملية الاستباقية يؤمن هذا «الشريان الحيوي» ويسقط «خطة عزله»، وهذا ما يفسر «غضب» قوى 14 آذار وفي مقدمتهم تيار المستقبل.
ولا تقف الاخبار السيئة عند هذا الحد، فارتفاع منسوب التفاؤل من خلال الاستماع الى الاخبار الميدانية الآتية من سوريا تحبطه القراءة الاميركية للمشهد العام في المنطقة، وما سمعه هؤلاء كان تحذيراً من الافراط بالتفاؤل، لان الحديث عن قرب سقوط الاسد مبالغ فيه، فعلى مدار الازمة في سوريا مر النظام باوقات صعبة، ولم يتأخر حلفاؤه بدعمه، وهذا ما سيحدث الان، فمستشارو طهران العسكريون موجودون على الارض، ويدركون حجم الضغوط الجديدة، وايران لا تعتزم التراجع عن خوض هذه المواجهة حتى النهاية، والانباء عن دخول مجموعات قتالية غالبيتها من العراق الى سوريا تم التأكد من صحتها، ويجري الان العمل على تموضع هذه القوى التي ستترك بصماتها على عدة جبهات في المرحلة المقبلة.
وما لمسه هؤلاء هو غياب كامل للاستراتيجية الاميركية في التعامل مع التطورات، فواشنطن غير مرتاحة لتقدم «جيش الفتح» في الشمال السوري، فهذه المجموعة تقودها «جبهة النصرة» المصنفة ارهابية، وعلى المقلب الاخر يتمدد تنظيم «داعش» بطريقة مثيرة للريبة، واي سقوط للأسد في ظل موازين القوى السائدة اليوم يعني ان تنظيم «القاعدة» بفرعيه هو من سيحكم سوريا، فاين مصلحة الولايات المتحدة في ذلك؟
وبحسب تلك الاوساط، فشلت تركيا وقطر في اقناع الاميركيين بالتعاون مع «جبهة النصرة»، وزادت المقابلة الترويجية على قناة الجزيرة مع امير «النصرة» ابو محمد الجولاني الامر سوءا بعد تمسكه بمبايعة زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري، اما «رسائله» التطمينية الى الغرب والولايات المتحدة فهي لم تغير الكثير لانها بدت «تقنية» مرحلية ومحاولة استخباراتية فاشلة تم تلقينه اياها من قبل الاستخبارات القطرية والتركية «لمغازلة» فاشلة مع واشنطن علها تفضي الى اتفاق مرحلي وتحالف مؤقت يؤمنان للجماعة المتطرفة مصالحها ومصالح الدول الاقليمية الداعمة، لكن لا شيء من ذلك قد تحقق.
وفهم هؤلاء عدم وجود وضوح في الرؤية حيال مقاربة الوضع السوري، فالاميركيون لا يريدون سيطرة المجموعات الارهابية على السلطة، وهم لا يملكون بدائل جدية لتلك الفصائل وباتت هناك قناعة اميركية انه بعد نحو خمس سنوات من الحرب، لا امكانية لترتيب الاوضاع في سوريا الا بالتفاهم مع طهران وموسكو على تسوية تحفظ مصالح الجميع هناك، ولا يبدو ان الوقت قد حان لذلك، وهذا يعني ان الفوضى مستمرة وفق توازنات لا تسمح لأي طرف بالحسم.
هذا الاحباط لدى «خصوم» حزب الله في لبنان لا يأتي فقط من الاميركيين، تؤكد الاوساط، فواشنطن لا تعاني وحدها من غياب الاستراتيجية ، فالاميركيون يلومون حلفاءهم في المنطقة، والاكثر تعبيرا عن سوء حال هؤلاء هو التخبط السعودي الناتج عن الخوف والقلق على الدور وعلى مستقبل المملكة، فالرياض وافقت مرغمة بفعل فشل حربها على اليمن على مشاركة الرئيس عبدربه منصور هادي في مؤتمر جنيف هذا الشهر، وتخلت عن شرطَي انسحاب الحوثيين من الأراضي التي يسيطرون عليها وتسليم أسلحتهم قبل بدء المفاوضات، هذا يعني رضوخا لشروط طهران، ويعني ايضا ان المفاوضات لن تنتج حلا يرضي السعوديين، اما الحد الأدنى الذي يمكن أن تحققه مفاوضات جنيف هو التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لن يصمد طويلا، وهذا يشير بوضوح الى ان المملكة دخلت الى «المستنقع» اليمني ولن تخرج منه قريبا، وثمة من يتحدث عن حرب ستمتد لسنوات طويلة، ومع دخول صواريخ «سكود» مسرح العمليات العسكرية بعد نحو شهرين ونيف من بدء «عاصفة الحزم»، واكتشاف السعوديين ان الحديث عن تدمير مخازن الصواريخ الاستراتيجية كان مجرد دعاية كاذبة، يبدو ان الاسوأ قادم لا محالة.
هذا التخبط دفع السعوديين وبحسب الاوساط الى بناء شراكة جديدة مع تركيا وقطر عنوانها اسقاط النظام في سوريا، لكن الطريق لا يبدو معبدا، لان الرياض اكتشفت متأخرة، عدم امكانية الجمع بين مصر وهاتين الدولتين الداعمتين للاخوان المسلمين في «سلة واحدة»، وهذا ما يضع المملكة امام فشل استراتيجي جديد، لان مصر لن تقبل بوصول «الإخوان» للسلطة في اليمن، او سوريا وتعتبر ذلك خطاً أحمر، فالسعودية وامام فشلها اليمني لم يعد لديها من خيار الا التعاون مع حزب الاصلاح «الاخواني»، وسلمت بادارة اردوغان للملف السوري، وهو امر يزعج القاهرة ويقلقها لان الخيارات السعودية اصبحت عشوائية وتضر بالمصالح القومية المصرية. يضاف الى ذلك عدم موافقة المصريين على قطع «شعرة معاوية» مع ايران والذهاب الى مرحلة اللاعودة معها.
وفي الخلاصة، اكتشف تيار المستقبل وملحقاته في لبنان متأخرين، ان لا مناص من التسليم «بقضاء» حزب الله «وقدره»، فالاميركيون لم يعودوا اهل ثقة، والحليف السعودي «غارق حتى اذنيه» ويحتاج الى العون، لا الى من يثقل عليه «المركب»، ولذلك فان البحث عن اجوبة حول «اليوم التالي» لمعركة الجرود له عنوان واحد هو الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وما عدا ذلك مجرد تضييع للجهد والوقت.
الديار