لا الرئاسة متاحة، برغم محاولة الفرنسيين والفاتيكان والأمم المتحدة ملء الوقت الضائع بزيارات من هنا أو من هناك، ولا مبادرات ملموسة يمكن أن تشكل مخرجاً، لا بل إن انتقال الأزمة إلى مربع الحكومة، يشي بتعطيل وزاري مفتوح قد يمتد لأسابيع، وربما لأشهر أو أكثر، فيكون النظام عملياً بات في حكم المعطّل، رئاسة ومجلساً نيابياً وحكومة. وهنا يتكرر السؤال عما إذا كان ذلك كله مقدمة لتسوية شاملة، وهل يكون الممر الإلزامي لتلك التسوية بارداً أو ساخناً، وهل تكون شبيهة بالطائف أو بالدوحة أو بينهما، أي أقل من طائف وأكثر من دوحة؟
وللأمن أن يبقى ثابتاً، ما دامت المراكز الأمنية الأساسية «مصونة» بعيون محلية وإقليمية ودولية، وما دامت المؤسسات العسكرية والأمنية تعمل على خط مكافحة الإرهاب، ولو اختلفت الوسائل و«الاندفاعات» في بعض الأحيان!
ويمكن القول إن «موقعة الثلج» في القلمون تشارف في جزئها الثاني على الانتهاء، إذ إن المعركة مع «جبهة النصرة» باتت مسألة وقت ليس إلا، والخيارات المتاحة أمام هذا التنظيم و «أميره» أبو مالك التلي باتت محصورة:
ـ إما الهرب كأفراد وليس كمجموعات وأرتال باتجاه الغوطة أو ادلب، عبر ممرات للتهريب محفوفة بالمخاطر والكمائن والأفخاخ.
ـ وإما «النزول الكبير» إلى عرسال بما يتيسر من عتاد وأعداد، وبالتالي إعلان هذه البلدة اللبنانية «إمارة» لتنظيم «النصرة» في بلاد الشام. وهذا الخيار هو الأكثر إحراجاً للجيش اللبناني، كونه يضعه في مواجهة هذا التنظيم، خصوصاً في ضوء قرارات الحكومة اللبنانية الأخيرة.
ـ وإما رمي السلاح والتوجه كأفراد مدنيين إلى مخيمات النازحين الواقعة بعد حاجز الجيش اللبناني في وادي حميد (أول جرد عرسال)، فيحتمون هناك بكتلة النازحين إلى أن تحسم المعركة، ويبدأ الحديث عن عرسال ومخيمات النازحين، وهي نقطة يفترض أن تحتل الحيّز الأبرز من جدول أعمال حوار «حزب الله» ـ «المستقبل» مطلع الأسبوع المقبل.
هذا بالنسبة إلى «النصرة»، ماذا عن المعركة مع «داعش»؟
الجزء الثالث من «معركة القلمون»، وهو الجزء الأخير، لن يكون موعده بعيدا، وثمة سيناريو وضعه «حزب الله» مع الجيش السوري، يشي بأن هذه المعركة ستكون أسهل من سابقتيها (جرود القلمون وجرود عرسال ـ 1)، لاعتبارات شتى، أولها، طبيعة المنطقة، وثانيها، عدم تمرس المقاتلين وقلة عددهم بالمقارنة مع «النصرة»، وثالثها، توافر ممر آمن لـ»داعش»، كان يصعب توافره لـ»النصرة»، وذلك في اتجاه الرقة، ورابعها، عدم توافر بيئة حاضنة لتنظيم «الدولة» سواء في مخيمات النازحين أو في بلدة عرسال، وخامسها، عدم وجود أهداف إستراتيجية لمعركة القلمون خارج دائرة الضغط على دمشق (الشمال كمنفذ إلى البحر أكثر إستراتيجية لـ»داعش» من عرسال).
هنا، يصبح السؤال كيف سيتصرف الجيش اللبناني في عرسال؟
لقد تمكن «حزب الله» في آخر جلسة لمجلس الوزراء من انتزاع قرار ذهبي تمثل في تكليف الجيش اللبناني «إجراء التقييم الأمثل للوضع الميداني في عرسال واتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة لمعالجة أي وضع داخل البلدة ومحيطها»، فضلا عن عدم تقييده بالخطوات التي قد يتخذها لتحرير جرود عرسال وإبعاد خطر المسلحين الإرهابيين عنها.
وليس خافيا على أحد أن «حزب الله» والجيش السوري قد أعفيا الجيش اللبناني من الشق الثاني المتعلق بتحرير جرود عرسال، لتصبح المهمة المناطة به هي اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة سيطرته وانتشاره داخل بلدة عرسال، على أن يترك لقيادته اختيار الكيفية: هل تستعاد عرسال بالسلاح أم بالمفاوضات؟
من الواضح أن «حزب الله» قد اختار توقيته لمعركة القلمون، في مواجهة الاندفاعة التركية ـ القطرية ـ السعودية لتلميع صورة «النصرة» و»سورنتها» وتقديمها كـ «تنظيم معتدل». وعلى هذا الأساس، قام بهدم «الحزام الإرهابي» الذي أقلق الداخل اللبناني على مدى ثلاث سنوات، بالسيارات والصواريخ والأحزمة الناسفة و «الخلايا النائمة»، ليركّز جهده في المرحلة المقبلة، في أماكن أخرى، تبعاً لمجريات استنفاره المفتوح على «الجبهتين» في آن معا.
ووفق المعطيات التي عكسها، أمس، «حزب الله»، تم تحرير 225 كلم 2 من مساحة الجرود، بينها 110 كلم 2 في جرود عرسال، فيما توزعت المساحة الاخرى في جرود بريتال ونحلة. أما في القلمون السوري، فقد تم تحرير 287 كلم 2 من ضمنها جرود فليطة البالغة نحو 50 كلم 2.
وفي المحصلة العامة، تم تحرير أكثر من نصف المساحة التي كانت تنتشر فيها «النصرة» و «داعش». كما تمت السيطرة على 90 في المئة من مواقع «النصرة»، وهكذا أصبحت المساحة الإجمالية التي تم تحريرها 512 كلم 2 من أصل 800 كلم 2، أي ما نسبته 64 في المئة من مساحة المناطق التي احتلها «داعش» و «النصرة» في القلمون والسلسلة اللبنانية الشرقية، وفق «الإعلام الحربي في حزب الله».
السفير بتاريخ 2015-06-09 على الصفحة رقم 1 – الصفحة الأولى