بعدما كان لهم دور في إعلاء شأن المدينة المحطة التي تحولت في عز سنوات الحرب اللبنانية إلى عاصمة مالية في البقاع.
فعلت الأحداث السورية فعلها السلبي والتدميري في المدينة التي تراجع اقتصادها بشكل كبير مع انطلاق الأحداث الأمنية في سوريا، لتخسر بذلك وظيفتها كمعبر أساسي للعرب القادمين براً إلى لبنان. كانت شتورا تصنف النقطة الأساسية والاستراحة المقصودة لهذا النوع من العبور والذي لم يعُد موجوداً اليوم.
توقفت حركة العبور بين لبنان وسوريا وبقية الدول العربية. غاب ازدحام السيارات عن ساحة شتورا. تناقصت أعداد العابرين بين البلدين الشقيقين، وقلّت حركة الآتين من الأردن والدول الخليجية إلى لبنان. أمر دفع باستراحات شتورا إلى الشكوى من كساد الطلب على «عرايس اللبنة» و «القريشة والعسل» و «الكفتة». أما أصحاب محال الصيرفة في المدينة، فهم يفتقدون إلى زحمة أيام زمان، في ما ينتظرون زبوناً واحداً. عبارة «واحد عالشام»، لم تعد تلعلع كما الماضي، خفت صراخ السائقين، وبات حضورهم خجلاً، الحرب السورية تركت بصمتها في المكان ولم تعد الساحة كما كانت في السابق.
شتورا ليست بخير وحالتها الاقتصادية في تراجع مستمر، ويمكن القول إنها المدينة الأكثر تضرراً من الأحداث السورية بلا مغالاة. وهذا طبيعي بحكم موقع البلدة القريب من الحدود السورية، بحيث لا تبعد عنها أكثر من 10 كيلومترات، ما يجعلها العمود الفقري لما يطلق عليه البقاعيون الشريان الاقتصادي الحيوي والمقصود به، الطريق الدولية التي تمتدّ من نقطة الحدود اللبنانية – السورية عند المصنع اللبناني، مروراً بالخط التجاري الذي ينتشر على طول قرى مجدل عنجر وبرالياس وتعنايل وصولاً إلى شتورا، التي شكلت نقطة الارتكاز وقلب هذا الشريان الحيوي، الذي يحتاج اليوم إلى أكثر من عملية قلب مفتوح لإعادة ضخ الدم في شرايينه التي تعاني الإغلاق الذي يتمثل بإقفال العديد من المؤسسات السياحية والمالية.
ما بين الحرب اللبنانية التي اندلعت في العام 1975 واندلاع الأحداث السورية في العام 2010 صور وتاريخ معاكس في مسار هذه النقطة الجغرافية التي لا تزيد مساحتها عن كيلومترين، إنما كان لها إبان الحرب اللبنانية إمبراطورية مالية واقتصادية تجاوزت جغرافيتها ومساحتها لبنان بأكمله.
تكفلت سنوات الحرب ببناء انتعاش اقتصادي ومالي وسياحي في هذه المنطقة، إذ تحوّلت ويلات الحرب ونيرانها في بقية المناطق اللبنانية، إلى سلام وازدهار مالي في شتورا. توسعت المدينة وزاد عدد المرافق السياحية والمالية فيها، وتحولت المدينة التي لم تكن تضم عشية العام 1975 سوى مصرف واحد، إلى بلدة تحتوي على أكبر تجمع للمصارف في لبنان، إذ يزيد عددها اليوم عن 20 مصرفاً أساسياً، بحسب ما يقول المصرفي جان مهنا.
كارثة موثقة
المشهد اليوم مختلف في شتورا، ميزانيات المؤسسات تشير إلى تراجع حركة الأعمال السياحية والمالية والاقتصادية، في حين يلاحظ مهنا أن شتورا فقدت جزءاً صغيراً من خصوصيتها الاقتصادية والمالية تدريجياً مع انطلاق قطار السلام في لبنان في العام 1991، إنما بقيت معبراً أساسياً ونشطاً بين لبنان وسوريا، ولها اقتصادها اليومي وحركتها المالية التي كانت تقدر بالمليارات وليس بالملايين، كما هو الحال اليوم.
ارتكز اقتصاد شتورا على حركة عبور من مختلف الجنسيات العربية كانت تتجاوز في بعض الأحيان 50 الف مسافر بين لبنان وسوريا في اليوم الواحد، وذلك في الفترة التي سبقت العام 2005، أي تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي شكل بداية التراجع الاقتصادي في المدينة من خلال تراجع حجم حركة العبور بين لبنان وسوريا.
توثق كارثة شتورا الاقتصادية، على السجلات التي تدون حركة عبور السيارات الآتية من سوريا إلى لبنان. إذ إنه ما قبل العام 2005 كان يعبر أكثر من 100 ألف سيارة من سوريا إلى لبنان، وكانت السيارات تحمل لوحات مختلفة سورية وأردنية وسعودية وكويتية وإماراتية، أما اليوم فلا يتجاوز عدد السيارات العابرة المئات يومياً في حين أن معظم اللوحات سورية، ما يشير إلى انخفاض نسبة القادمين العرب إلى لبنان عبر البر، وما يترتب عن ذلك من خسائر اقتصادية لشتورا.
يحمّل مهنا مسؤولية التراجع الاقتصادي في شتورا إلى التداعيات الخطيرة التي لحقت بالعلاقات اللبنانية ـ السورية وما طرأ عليها من انخفاض في حركة العبور بالاتجاهين بين البلدين، إذ إن شتورا كانت تستفيد حتى من قوافل السياح اللبنانيين المتوجهين إلى الداخل السوري.
اليوم يرتضي أصحاب المؤسسات المالية والاقتصادية في المدينة أن يتعايشوا مع تراجع في الحركة المالية والاستهلاكية بدءاً من العام 2005 وقد وصل التراجع آنذاك إلى حدود 50 في المئة، أما في المرحلة الحالية فلم يعد هناك رقم لهذا التراجع الذي بات شاملاً.
سامر الحسيني
السفير بتاريخ 2015-07-02 على الصفحة رقم 4 – محليّات