واذا كان الترهّل الحكومي، وفي ظل المتاريس السياسية المنصوبة داخل الحكومة، لا يشي بإمكان ان تؤدي مشاورات اليومين المقبلين السابقين لجلسة الثلاثاء، الى مخرج سحري، يعيد نفخ الروح في جسم الحكومة المحتضرة، فذلك يبدو أقل وطأة من «غزوة النفايات» التي تضرب لبنان، وحوّلت عاصمته الى مكبّ واسع للنفايات، تغمر شوارعها، وتسدّ الطرقات في بعض الأحياء، وتنشر فضلاً عن الروائح الكريهة، الأوبئة والجراثيم في الهواء، فيما يطلق المواطنون الشتائم ضد الجميع، بعدما استقال الجميع من مسؤولياتهم.
وكما يبدو، فإن هذه المشكلة، ثقيلة ومستعصية، وتتفاقم على مدار الساعة، وتتطلب المعالجة السريعة والفورية الى حد اعلان حالة طوارئ بيئية، خاصة أنها باتت أشبه بـ «سلاح فتّاك» يُشهر في وجه الجميع وهو جاهز للانفجار في أية لحظة. الا أن المشكلة الأكبر تبدّت في أن أهل الحل والربط الحكومي، عالقون من جهة، في دائرة التنظير والمزايدات السياسية، ويعانون من جهة ثانية، من انفصام في الشخصية، فخلعوا ثوب المسؤولية، التي توجب عليهم وحدهم التصدي وابتداع حلول لهذه الكارثة، وبرّأوا انفسهم «من دم هذا الصدِّيق»، وأخذوا يتكلمون لغة الناس، المهددين بكارثة تقضّ مضاجعهم، وتهدّد حياة أطفالهم بالأوبئة والأمراض.
هي بلا شك، مسؤولية الحكومة قبل أي أحد آخر، ولا عذر لها في التقاعس عن مواجهة هذه الغزوة الخطيرة، ومهما كانت الأسباب، خاصة أن في يدها الكثير من الخطط والقرارات المتفق عليها سابقا، وكلها تقود الى حلول، فلماذا لا تبادر الحكومة الى ذلك، ما الذي يمنعها، هل بسبب عجز، ام تقصير، او نتيجة ضغط مافيات من هنا وهناك؟
ولقد فرض الغياب الحكومي، التوجّه الى «مسكّنات موضعيّة» في بعض المناطق، تُرجمت بتدابير مؤقتة؛ محليّة وبلديّة، عاجلة وضمن الإمكانيات، لاحتواء هذه الغزوة القاتلة وانبعاثاتها، والحدّ من ارتفاع هضاب، لا بل جبال النفايات، في الشوارع والاحياء.
على أن اللافت للانتباه ، في هذا السياق، أن مجلس الوزراء لا يملك نظرة واحدة الى هذه المشكلة، كما لا تبدو في الافق صورة حلّ، بل آراء متقاطعة ومتشابكة لا ترسو في مرفأ واحد.
فوزير البيئة محمد المشنوق عبّر لـ «السفير» عن تشاؤمه ازاء هذا الموضوع، وعن امتعاضه من عدم تعاون الفرقاء معه لإيجاد الحلول المؤقتة، في ظل رفض معظم المناطق التي اختارها للحل الانتقالي.
وشكا المشنوق من منع عمال «سوكلين» من سحب عصارة مطمر الناعمة التي تتسبب بأضرار جسيمة لنظام تشغيل المطمر، وتتسبب بانبعاثات وروائح، ورأى ان لا حلول حقيقية لهكذا مواضيع من دون الدولة وادارتها الرسمية. معتبرا ان إحراق النفايات في الشوارع كيفما اتفق وفشل معظم البلديات في إدارة الأزمة، يعني أننا أمام حالة فشل وإفلاس عامة، تبدأ بكل السلطة السياسية الممثلة بمجلس الوزراء الذي لم يقدِّر لا سابقا ولا بالأمس في جلسته الأخيرة خطورة هذا الموضوع على كل المستويات... ولا تنتهي عند السلطات المحلية.
وقال وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش لـ «السفير: نحن في العام 2010 اتخذنا قرارا بانشاء محارق، ومنذ خمس سنوات لم يتم تنفيذ شيء حتى الآن، لماذا، والسؤال ايضا لماذا منع العارضون للمناقصات من التقدم والاشتراك بها؟
وأشار فنيش الى ما سمّاها «لعبة مصالح» تحكم هذا الموضوع، وأكد أنه لا بد من الحل الجذري لهذه المسألة، ولا بد سريعا من ان نلزّم انشاء محارق، وبالتالي المطلوب عدم الاستمرار في تضييع الوقت والمماطلة والتسويف، وليس صعبا ابدا ان يتم ايجاد مطمر لنفايات بيروت والضواحي. هناك امكانية لذلك، والمطلوب فقط هو ان يتخذ القرار الرسمي والجدي، وفي المقابل، الا تتعاطى القوى السياسية مع هذا الموضوع كملف شعبوي وكقطعة جبنة لتقاسمها.
واكد وزير المال علي حسن خليل لـ «السفير»: ان هذا الموضوع مهم جدا وحساس جدا ويتطلب المعالجة السريعة. ولا بد بداية من معالجة آنية تنقلنا الى المعالجة الجذرية.
وقال: يجب ان يكون الحل الجذري والنهائي لهذه المسألة، عبر الذهاب الى تنفيذ الخطة المقررة في هذا الشأن، ووضعها موضع التطبيق، والتوجه نحو الخيار الاستراتيجي بمحارق وفق مواصفات عالمية.
وحدد وزير العمل سجعان قزي عبر «السفير» ثلاث مراحل للحل؛ الأولى، ازالة النفايات الحالية، ليستعيد البلد بيئته النظيفة نسبيا، والثانية، انهاء المناقصات سريعا، وبدء تنفيذ العقود الجديدة، على ان تؤمن الدولة، لا سواها، المطامر لهذه الشركات، لأن ترك الشركات وحدها تتدبر امرها لإيجاد مطامر، سيدخلها في روتين النظام اللبناني للفساد.
أضاف قزي: اما المرحلة الثالثة، فهي اعادة النظر في كل مشروع معالجة النفايات في البلاد على اسس حديثة وعصرية، لا تؤدي فقط الى جمع النفايات ومعالجتها، انما لاستخراج الطاقة الكهربائية، وغير ذلك، لتكون النفايات احد موارد الخزينة اللبنانية، وبشكل عام لا يجوز ان يبقى البلد في ظل الوضع الحالي، ويجب ان يرفع السياسيون اياديهم عن شركات معالجة النفايات، فما جنوه من هذه الشركات من التسعينيات الى اليوم كاف لكي يعمّروا قصورا بعدما هدموا البلد.
بدوره، قدم وزير الزراعة اكرم شهيب عبر «السفير» ما سماه حلا مرحليا، وقال: نظرا للواقع اللبناني، وللصراع السياسي والمالي والمناطقي، ومع الاسف الطائفي، إن لم اقل المذهبي، لا حل لنفايات بيروت والضاحيتين الا عبر «سنسولين»، الاول في الاوزاعي حيث تطمر فيه ردميات حرب تموز 2006، مع قسم من نفايات المنطقة الجنوبية لبيروت. والسنسول الثاني في الكرنتينا، وتطمر فيه نفايات المنطقة الشمالية لبيروت.
وأوضح شهيب ان الذهاب الى هذا الحل، مردّه الى ان هاتين المنطقتين موبوءتان تاريخيا نتيجة الصرف الصحي. واضاف: هذا حل مرحلي افضل من الواقع الذي نحن فيه، ولا ارى غير هذا الحل، نتيجة عدم جدية الحلول وكذلك نتيجة الصراعات السياسية والمالية. وفي النهاية لا حل على المدى البعيد الا بلامركزية قرار الحل. اما في الجبال فكل قضاء يتولى مرحليا ايجاد حل للطمر.
اما وزير الثقافة روني عريجي فأكد أن المشكلة كبيرة جدا وخطيرة. وقال لـ «السفير»: مع الاسف، كنا نتوقع أن نصل الى ما وصلنا اليه. وفي الاساس كان من الضروري ان يتم استباق هذه المشكلة بمعالجات جذرية.
اضاف: نحن امام موضوع وطني، وليس موضوعا طائفيا او مذهبيا، او انه يعني فئة من اللبنانيين من دون غيرهم، بل هو يعني الجميع ويطال الجميع، وبالتالي يجب النظر اليه من هذه الزاوية، ومقاربته بما يتطلبه من حلول ومعالجات، ولكن مع الاسف، ومع تفاقم المشكلة حاليا، لا توجد حلول جذرية فورية، بل اعتقد انه من الضروري الذهاب الى حلول مؤقتة بانتظار اطلاق المناقصات وبدء الشركات عملها، لكن على الا تكون الحلول المؤقتة عشوائية، بل فعّالة، وتحفظ قدر الامكان الصحة العامة وسلامة المواطنين.
ووصف الوزير ميشال فرعون موضوع النفايات بـ «الخطير جدا». وقال لـ «السفير»: إن تفاقم هذه المشكلة، يهدد بكارثة، مع الأسف تأخرنا كثيرا في مقاربة هذا الموضوع ومعالجته، ولذلك إن تعذر الحل الجذري حاليا، فلا بد من حلول مؤقتة للعلاج، علما ان هناك حلولا مطروحة على طاولة البحث في مجلس الوزراء.
وأشار فرعون الى ان اهمية هذا الموضوع دفعته في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء الى ان يهدد بمقاطعة جلسات المجلس، إن لم يتم البحث في موضوع النفايات.
وزير العدل اشرف ريفي قال بدوره لـ «السفير»: ان الامر الأكيد الذي يمكن ان يساعد في الحل الجذري، هو بضرورة الذهاب الى اقرار اللامركزية الادارية المنصوص عليها في اتفاق الطائف، والتي تعطي صلاحيات للبلديات في كل شيء، سواء ما يتعلق بالنظافة ام الامور البيئية او التنموية.
ورأى وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي، أن الحل يكون بالتعميم، وقال لـ «السفير»: إن الحل الوحيد لموضوع النفايات، يكون بالتعجيل في انجاز المناقصات، على ان يتم، وبشكل مؤقت، توزيع نفايات بيروت والضاحيتين على المطامر في المناطق.
السفير بتاريخ 2015-07-25 على الصفحة رقم 1 – الصفحة الأولى