ثمة ضحيتان فقط في هذا الملف:
ـ العسكريون الذين يواجهون آلة القتل الإرهابية في كل يوم، وبات مصير بعضهم مجهولاً بعدما نقلهم «داعش» من الجرود الى الداخل السوري. فيما الدولة التي من المفترَض أن تكون مسؤولة عنهم تغرق في الجدال حول «جنس الملائكة».
ـ الأهالي الذين انفطرت قلوب بعضهم على فلذات أكبادهم الذين قتلوا أمام أعينهم من خلال أشرطة الفيديو بعد أيام من الخطف، أو الذين ما زالوا ينتظرون، وسئموا الوعود. كذلك تحوّلوا مرغمين الى أداة للخاطفين، سواء للضغط على الدولة اللبنانية لمنعها من اتخاذ بعض القرارات، أو لتوجيه الرسائل السياسية عبرهم الى بعض الأطراف اللبنانية، لا سيما «حزب الله»، أو للتحكم بالطرقات التي تقطعت أوصالها عشرات المرات تارة بناء على توجيهات الخاطفين، وطوراً نتيجة غضب الأهالي كلما شعروا بأنهم وصلوا الى الطريق المسدود.
بعد سنة كاملة، يمكن القول إن ملفّ العسكريين قد تفرّع الى قسمين: ملف المخطوفين لدى «جبهة النصرة» التي تتواصل مع الأهالي عبر وسطاء وتستقبلهم فرادى وجماعات بعيداً عن أعين الدولة ومؤسساتها الأمنية، الأمر الذي يُعرّض كثيراً منهم للابتزاز بمختلف أنواعه. وملفّ المخطوفين لدى «داعش» الذين انقطعت أخبارهم منذ نحو ثمانية أشهر مع مغادرة عناصر «التنظيم» جرود عرسال إلى الداخل السوري، إلّا من اتصال يتيم ورد الى المفاوض الشيخ وسام المصري في العُشر الأخير من شهر رمضان الماضي، أكد له أن العسكريين بخير، مطالباً إياه باستئناف المفاوضات. وردّت الدولة بالطلب من الخاطفين، عبر المصري، إرسال شريط فيديو يثبت صحة كلامهم.. وما زال الجميع ينتظر.
أما على صعيد المفاوضات فقد أدّت «كثرة الطباخين» الى احتراق «أكثر من طبخة».. فمَن أبو طاقية الذي تدور العديد من علامات الاستفهام حول دوره في هذا الملف، الى «هيئة علماء المسلمين» التي خاضت مفاوضات جديّة انتهت بتعرّض موكب وفدها الى عرسال لإطلاق نار أدّى الى إصابة الشيخ سالم الرافعي، والدكتور نبيل الحلبي، والشيخ جلال كلش الذي ما يزال يُعالَج حتى الآن، وصولاً إلى خلية الأزمة التي لم تنتج عنها أية إيجابيات. وبالإضافة إلى كلّ هؤلاء نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي، والشيخ وسام المصري، وصولاً الى المحاولات الفردية التي قام بها وزير الصحة وائل أبو فاعور، لتحط القضية مجدداً لدى «أبو طاقية» بعدما تمّ فصل الملف بين «النصرة» وبين «داعش»، فضلاً عن تشعب المفاوضات حول المقايضة بعدد من الموقوفين الإسلاميين، وبعض الطلبات الشخصية للقيادات...
وبالتالي، فإنّ الحقيقة الثابتة والوحيدة في المفاوضات ضمن هذا الملف، كانت تلك التي قادها وما يزال مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي نأى بنفسه عن السياسة، وعمل بتكتّم شديد على أكثر من محور للوصول الى نهاية سعيدة لهذه القضية..
بعد الأخذ والرد والوعود وحالات التفاؤل والتشاؤم التي خيّمت على الأهالي والتخبط الرسمي، يمكن استنتاج ما يلي:
أولاً، إن الخاطفين ليسوا على رأي واحد، وقد أثبتت التجارب معهم أنهم أصحاب مصالح تتحكّم بها قيادات تتغير كل فترة إما بفعل مقتلها أو عزلها أو مغادرتها الجرود، ما يجعل التفاوض أمراً في غاية الصعوبة.
ثانياً، إن التقدم العسكري الذي حققه «حزب الله» في الجرود، دفع «داعش» الى الانسحاب نحو الداخل السوري مع العسكريين المختطَفين لديه، وفرض حصاراً على «النصرة» التي يبدو أن حساباتها تغيّرت في هذا الملف.
ثالثاً، التخبّط الذي تعانيه الدولة في هذا الملف، جراء التجاذبات السياسية ومحاولات تحقيق المكاسب الشخصية على حساب مصلحة العسكريين، فضلاً عن تعاطي بعض الأطراف مع الملف بطريقة طائفية ومذهبية ما أساء كثيراً الى المفاوضات.
رابعاً، عدم نجاح الدولة في تفكيك هذا الملف وتجزئة مطالب الخاطفين وكذلك عمليات الإفراج عن بعض العسكريين، وذلك على غرار رفاقهم الخمسة الذين أُفرج عنهم بعد أيام من عملية الخطف (3 من الجيش و2 من قوى الأمن الداخلي).
خامساً، وجود جهات سياسية كانت تدعم المسلحين بالمال والسلاح منذ مجيئهم الى الجرود، قبل أن تختلف المعادلة الدولية التي منعت عليها الاستمرار في تقديم هذا الدعم، وعدم استخدام نفوذها منذ البداية من أجل الإفراج عن المخطوفين.
سادساً، تحوّل مبادرة اللواء إبراهيم بالتعاون مع القطريين الى الورقة التفاوضية الأخيرة والوحيدة مع «جبهة النصرة»، والتي يعقد الأهالي عليها الآمال للوصول الى نتائج إيجابية.
سابعاً، الحاجة الماسّة الى أطراف تستطيع التأثير على «داعش» لمعرفة مصير العسكريين لديها، ومن ثم البدء بمفاوضات جديدة مع قيادته من أجل الإفراج عنهم.
بعد سنة على اختطاف العسكريين لم تفتر همّة الأهالي، بل على العكس فإنهم ما يزالون يتابعون كل شاردة وواردة ويهدّدون ويتوعّدون بالتصعيد في حال عادوا ووصلوا الى الطريق المسدود.
وإذا كان اللقاء الأخير لأهالي العسكريين مع أبنائهم المخطوفين لدى «النصرة» في عيد الفطر قد ساهم بتبريد قلوبهم وهم جدّدوا ثقتهم بالمفاوضات التي يقودها اللواء إبراهيم، فإن أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» عادوا الى المربع الأول، وبات همّهم الأول الوصول الى معلومة واحدة تؤكد أن أبناءهم بخير وعلى قيد الحياة، قبل أن ينتظروا جولة جديدة ومضنية من التفاوض ومن الوعود.
غسان ريفي
السفير بتاريخ 2015-08-01 على الصفحة رقم 3 – سياسة