لم تكن علاقة سيّور بأسامة منصور حديثة العهد، بل تعود إلى مقاعد الدراسة، حينما كان الرجلان في المدرسة والصفّ نفسه، بالإضافة إلى سكنهما في التبانة. وبعد أن تطوّع سيّور في الجيش، أرسل له منصور العديد من أتباعه لكي يأتي إليه في «مصلى عبد الله بن مسعود».
وبعد عدّة محاولات، استجاب سيّور للأمر حينما توجّه إلى «المصلى» حيث رأى عشرات الأسلحة والقواذف. وهناك قابل «أبو عمر» الذي قال له: «أنت آدمي يا نديم، كيف تطوّعت بهذا الجيش الكافر الذي يقتل أهل السنّة؟».
وخلال أكثر من لقاء، نصحه بأن ينشقّ، قبل أن يعدل عن رأيه ويحاول أن يستقصي منه على أخبار عن عناصر الجيش، خصوصاً أن ثكنة المغاوير التي يخدم فيها سيّور تقع في السجن.
كان منصور يصرّ على معرفة معلومات حول انتشار المغاوير في سجن رومية وعديد الدرك والنقاط الأمنيّة المنتشرة حول السّجن، بالإضافة إلى صور لداخل السجن لمعرفة إمكانية اقتحامه وتسهيل فرار عدد من الموقوفين.
وتجرأ «أبو عمر» أيضاً على كشف أوراقه أمام صديقه المغوار، معترفاً أنّه يريد إطلاق صاروخ أو هاون على رومية ولذلك يريد معرفة التلال المحيطة بالسجن، مضيفاً: «بدي أعمل شي، بدي زعزع البلد».
في بادئ الأمر، رفض سيّور الأمر قبل ان يخضع لتهديدات «أبو عمر»، وفق ما قال، ليخبره أن هناك منطقة عالية فوق رومية هي بصاليم. وما لبث أن أرسل له صوراً لبصاليم ولسور السجن الكبير.
ولم يكتفِ «أبو عمر» بذلك، وإنما عرض على العسكري أن يقاتل معه ويساعده، والأهمّ من ذلك أن يؤمّن له تجنيد عسكريين ليعلنوا انشقاقهم ويقاتلوا إلى جانبه.
وفي 18 أيلول 2014، هرب سيّور مع زميله العريف ن. ب. من الخدمة بعد احتجازه لأنه كان يستخدم هاتفه الخلوي خلال دورة قوات خاصة للمغاوير. وفي اليوم التالي، تلقى العسكريان اتصالاً من الضابط المسؤول عنهما ليبلغهما بضرورة الالتحاق بالخدمة قبل 48 ساعة.
وبالفعل، نسّق العسكريان هاتفياً ليلتقيا عند جسر المشاة في طرابلس حيث سيقلّ سيّور زميله بسيارة تعود لأحد أصحابه، ولكنه رفض الالتحاق بالخدمة قبل أن يمرّا إلى أحد المقاهي لشرب النرجيلة بالقرب من «مسجد السلام».
وما إن جلسا ببزتيهما العسكريّة في إحدى زوايا المقهى حتى انضمّ إليهما عدد من الأشخاص (تبيّن لاحقاً أنّهم تابعون لمنصور والمولوي)، ثم غادرا قبل أن يأتي عدد من المسلحين على متن دراجة نارية. تحدّثوا مع سيّور طالبين منه الذهاب إلى «المصلى» للقاء منصور، مضيفين: «بدنا نجيبك بأي طريقة».
رضخ سيّور للأمر، نادى على زميله من دون أن يخبره بالأمر. ثم أدار محرّك سيارته ومضى باتجاه «المصلى» تحت عيون المسلحين الذين رافقوه على متن دراجاتهم. وما إن وصلا إلى التبانة حتى طلب المسلحون منهما وضع أقنعة على وجهيهما «من أجل سلامتهما». شعر العسكري ن. ب. بالخطر، فحاول الفرار بعد أن فتح باب السيارة، إلا أن ضربة المسدس على كتفه جعلته يمشي ورفيقه نحو «المصلى»، حيث أمرهما المسلحون بالصلاة. اعترض ن. ب. ثم عاد وخلع حذاءه ونفّذ الأمر.
وهناك، صعدوا إلى الطبقة الثانية على درج حديدي حتى وصلوا إلى غرفة لا تتعدّى مساحتها الأمتار القليلة، حيث وجدا العديد من المسلحين الملثمين وأولئك الكاشفين عن وجوههم بالإضافة إلى كميات كبيرة من الأسلحة.
دقائق قليلة، ووصل «أبو عمر». وقف العسكريان لرمي السلام، ثم جلس الثلاثة على الأرض. وراح منصور يقول إن «الجيش اللبناني هو جيش كافر وطاغٍ...». قاطعه العسكري ن. ب. مؤكداً أن الجيش ليس كذلك، قبل أن يرضخ لكلام منصور الذي شهر مسدسه في وجه العسكريين الجالسين قبالته.
ماذا طلب منصور من العسكريين في 18 أيلول 2014؟ هنا تختلف الرواية بين سيّور وزميله، بعد أن استجوب رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن الطيّار خليل إبراهيم سيّور واستمع إلى إفادة الثاني.
يؤكّد سيّور أن منصور طلب منهما الانشقاق عن الجيش وتصوير فيديو الانشقاق، إلا أن سيّور رفض الأمر مخافةً على زميله الذي ابتلاه بهذا الموقف. ولذلك فقد عرض على «أبو عمر» أن يفعلا شيئاً أهم من الانشقاق، وهو سرقة سلاح من الدورة.
وافق منصور على الأمر بعد جدال، إلا أنّه لم يرد أن يذهب العسكري الثاني معه. وقد ألحّ سيّور بأنه بحاجة إلى زميله لمساعدته في سرقة البنادق. وبعد إلحاح، سمح منصور للعسكريين أن يذهبا بعد أن ربّت على كتف سيّور، قائلاً له: «ما تنسى إنو عنّا إلك شي هون»، وذلك في إشارة منه إلى أن عائلته متواجدة في التبانة.
وعند سؤال زميله عن إمكانية تنفيذ هذه المهمّة، رد سيّور نافياً أنه بصدد القيام بهذا الأمر، بل إنه كان يبيع كلاماً لمنصور.
وقد طلب العسكري من شقيقه أن يخرج زوجته من المنزل فوراً، وأكمل طريقه باتجاه الثكنة ليبيت ليلته فيها ثم يستيقظ على نداء آمر السريّة الذي قال له: «أخبرونا أنك وزميلك بصدد سرقة البنادق»، فنفى الأمر ورفض التصريح للضابط المسؤول عنه عمّا جرى معه.
أمّا العسكري ن. ب. فله رواية ثانية، إذ أكّد أنّه خلال اللقاء مع منصور، لم يشرح الأخير لسيّور ماذا عليه أن يفعل، بل اكتفى بالقول: «نفّذ المهمة»، مهدداً إيّاه بعائلته.
كذلك أنكر أن يكون قد عاد وفاتح سيّور بالأمر «خوفاً من أنهم يلحقوننا. ولكن سيّور قال لي: طريقي على طريقك»، ليُفهم منها أنّها إشارة لتهديده.
وما إن عاد العسكري إلى الخدمة، حتى أخبر الضابط المسؤول عنه عمّا حصل، ليتمّ التحقيق مع سيّور ثم توقيفه.
وبرغم أنّ سيّور أكّد أنّه أخطأ لعدم إبلاغ أحد الضباط لما جرى معه، مشيراً إلى «أنني كنت أنتظر أن يدخل الجيش إلى التبانة لآخذ حقي. لحم أكتافي من الجيش الذي قاتلت تحت لوائه في عبرا وعرسال وطرابلس». بعد ذلك أصدرت هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة حكمها على سيّور بالأشغال الشاقة لمدّة ثلاث سنوات وتجريده من حقوقه المدنيّة، والحكم على شادي المولوي بالأشغال الشاقة المؤبدة وتجريده من حقوقه المدنيّة وتنفيذ مذكّرة إلقاء القبض الصادرة بحقّه. فيما تمّ إسقاط اسم منصور من الدعوى بسبب الوفاة.
«علوكي»: هناك مؤامرة
وكان من المفترض أن تحكم «العسكرية» أيضاً على عدد من المشاركين في أحداث طرابلس، وأبرزهم زياد صالح وسعد المصري و17 آخرين. ولكن وكما حصل سابقاً، فإن المرافعة لم تتمّ بسبب تغيّب اثنين من المحامين عن الجلسة.
بقي «علوكي» والمصري متمسّكين بالقضبان التي وقفا خلفها وراحا يشاهدان ما يحصل في الخارج، من دون أن ينتظرا غير التأجيل. لم يخب ظنّهما، بل مضيا نحو نظارة المحكمة، قبل أن يرمي علوكي بكلمة واحدة «هذه مؤامرة»، قاصداً تأجيل جلسات المرافعات عنهم بشكل متكرر.
فيما قال المدعى عليه في هذه القضيّة محمود الحلاق رداً على سبب تغيّب وكيل الدفاع عنه، أنه عيّنه حديثاً «كرمال بيت الحريري يرضوا علينا شوي!».
وقد أرجأ العميد إبراهيم الجلسة إلى 2 تشرين الثاني المقبل.
لينا فخر الدين
السفير بتاريخ 2015-09-19 على الصفحة رقم 3 – سياسة