وكانت "السفير" قد التقت الراحل الشهر الماضي خلال زيارتها لولاية ميتشيغن، وأجرت معه حوارا ممتعا، في اطار ملحق "السفير الاغترابي" الذي سيصدر قريبا.
الرجل الذي يكاد يقترب من المائة، تزوره في منزله في "ديربورن هايتس" وتتمعن في قسمات وجهه المتعب، فتخبرك تلك التجاعيد التي تأبى ان تظهر حتى اليوم، عن تجارب وأحداث كثيرة. تروي عيونه المتعبة حكاية نجاح اللبنانيين الاميركيين!
يكفي ان تنظر الى الحائط في صالون المنزل الكبير، فتجد عشرات الصور تجمعه برؤساء جمهورية وبوزراء وشخصيات عالمية ومحافظين وعمداء ولايات. شهادات تقدير وتكريم من دول واشخاص ومن جهات رسمية ومنظمات حقوقية، وتدرك معها حجم الحياة الحافلة التي عاشها.
قرابة قرن أمضاه سير مايكل بري في الولايات المتحدة. هو المولود في ميتشيغن العام 1920، ابن محمد بري الموظف البسيط في "فورد" الذي تحول الى "تشارلز" بعدما هاجر الى ميتشيغن العام 1904، برفقة مريم "الوالدة وربة المنزل العظيمة"، كما يصفها بري: "كنا عائلة كبيرة مؤلفة من 9 افراد ولم نكن اغنياء. درست وعملت في الوقت نفسه في المطاعم والمقاهي والسوبرماركت. نحن عائلة لبنانية بامتياز (يعلق ضاحكا) وامي هي احسن من يصنع الكبة".
تسافر معه بالذاكرة الى تبنين التي زارها صغيرا مرتين: الاولى، في العام 1930 مع والده وشقيقته، والثانية، في العام 1966، حينما اصبح محاميا وفي مهمة تكاد تكون رسمية. يقول بري: "كانت الزيارة الاولى تجربة لا تنسى. كنت في العاشرة من عمري وقرر ابي ان يرسلني مع اختي "ايمي" للتعرف على جذورنا والعيش في تبنين على امل العودة النهائية. حينها لم تكن طرقات الجنوب معبدة. ركبنا عربة واستغرقت الرحلة من صور الى تبنين اياما. كنا نسمع اصوات الثعالب الجائعة ونرى عيونها تضيء عتمة الطريق، فنرتعب خائفين. مكثنا عند جدتي 8 شهور قبل ان يتبعنا والدي (يضحك).
يتابع: عندما زرت تبنين في المرة الثانية كانت قد تغيرت تماما. بقيت في لبنان حينها شهرا كاملا. احببته كثيرا، ولكنني اردت العودة الى وطني الى اميركا. تجربة الزيارة الى لبنان "علمتني الكثير وجعلتني اقدر معنى ان يترك المرء بلده ويقاسي ليعيد بناء حياته بعيدا عمن يحب. لدينا جالية مهمة ولديها حضورها القوي والمؤثر وقد وقفت دائما الى جانبهم، لكن يحزنني ما آل اليه وضع الجالية فالكل يريد ان يكون زعيما حتى هنا في اميركا"!
السير مايكل وإن أقعده التقدم بالسن الا انه لم يقعد ذاكرته المشتعلة بالأحداث والصور والحكايات. يتحدث عن ابن عمه الرئيس نبيه بري "زميل المهنة ورفيق الدرب السياسي، ولو عن بعد آلاف الكيلومترات". يقول: "عليك ان توصلي له كتابي، ففيه جزء اتحدث فيه عنه. ثانيا هو ابن عمي وأفعل اي شيء لمساعدته. لقد استطاع هذا الرجل ان يفعل للجنوب ولأهله وللبنان الكثير وهو يستحق الاحترام لكل هذا. لم اره منذ وقت طويل، ولكننا على اتصال دائم، لخدمة لبنان واللبنانيين في لبنان واميركا. نصيحتي ان يمتن اواصر العلاقة مع الناس العاديين فهم القيمة الحقيقية لاي بلد".
السفير