يروي محمد طرفة حكايته يوم قرر السفر. عارضه والده آنذاك وقالت له الوالدة: "اذا غادرت سوف أرمي نفسي من الشباك". رد عليها قائلا: "عليك أن تختاري بين أن ترمي نفسك أنت، أو أرمي أنا نفسي من الشباك" ولكن الأهل أقنعوها فرضيت على مضض وودعت ابنها الوحيد.
انتسب محمد طرفة الى شركة "فورد" عاملا بسيطا، وتقاعد منها مديرا لقسم الأعمال. في تلك الفترة اكتسب الجنسية الأميركية وخدم عسكريته لسنتين قضى منها 14 شهرا في الحرب الكورية العام 1953. وبعد الخدمة العسكرية انتسب الى الحزب الجمهوري وأصبح أحد ناشطيه. يقول: "كنت مقتنعا في ذلك الحين أن الجمهوريين أقرب الى العرب من الديموقراطيين الذين كانوا يؤيدون اليهود. اليوم الفريقان مؤيدان لليهود".
انخرط محمد طرفة في الحياة الاجتماعية باكرا. عندما قدم الشيخ محمد جواد شري الى ديترويت استقبله وتعاون معه في تأسيس "المركز الاسلامي".
"كانت الجالية صغيرة – يقول -لا تتجاوز الثلاثين عائلة اما اليوم فأهالي بنت جبيل وحدهم يناهزون العشرين ألفا. كانت الأكثرية لا تتقن العربية ولا الانكليزية. عملت على تعليم اللغتين، خاصة العربية التي درستها في لبنان واتقنتها يوم كانت شهادة السرتفيكا تعادل البكالوريا اليوم... كنت اعشق اللغة العربية وقواعدها حتى صرت القي الخطب والمحاضرات وقد علمت العربية لاولادي في المنزل، اذ لم تكن هناك مدارس تعلم العربية. اليوم تغيرت الاحوال وصار هناك مدارس لهذه الغاية.
درس محمد طرفة الاقتصاد والمحاسبة في الجامعة خلال عمله في شركة فورد، ثم الماسترز في الادارة الصناعية. يقول: كنت أهوى العلم. بدأت بمساعدة الناس في حل مشاكلهم. لم تكن هناك مؤسسات لهذا الغرض. كان الكل يلجأ الي لمساعدته. لم أقبل يوما هدية من أحد. عملت طويلا في المركز الاسلامي لكن هذا لم يكن كافيا، فعمدنا الى تأسيس "نادي بنت جبيل". وبدأنا بتقديم المنح للطلاب. اسم النادي أزعج البعض وبينهم الرئيس نبيه بري الذي انتقد تسمية النوادي باسم البلدات.. وعندما التقيته قلت له تريد أن تأكل العنب أم تقتل الناطور؟ وهل أن خدمات النادي تقتصر على أهالي بنت جبيل أم تشمل الجميع؟
لا يخفي طرفة الحساسية القائمة بين مغتربي بنت جبيل وتبنين ويصفها بالسخافات ويضيف: لقد أسميناه باسم بنت جبيل وفاء لهذه البلدة التي نشأنا وتربينا فيها، وثانيا للمحافظة على الهوية لأولادنا في المهجر. صراحة كانت لدي وجهة نظر بتسميته اسما عاما، لكن الذين بنوه كانوا كلهم من بنت جبيل فأصروا على ذلك، كما ان هناك نوادي أخرى باسم برعشيت وغيرها من البلدات.
يروي الحاج محمد حكاية النادي فيقول: "كانت فكرتي بعدما تكثفت الهجرة واعتقدت أنها محاولة لتفريغ الجنوب من الشباب. بعثت برسالة الى الرئيس كامل الاسعد وكان رئيسا لمجلس النواب آنذاك، لكنه لم يجب على رسالتي. فزرت لبنان واجتمعت به وكان جالسا يقرأ الجريدة، واستمر في قراءتها من دون ان يلتفت الينا فخرجت على الفور ولم أفتح معه الموضوع!!
يضيف: اتصلت بمائة شخصية وطلبت من كل منهم خمسة آلاف دولار، وقلت لهم اذا نجحنا أعيد لكم الأموال، واذا فشلنا فأجركم على الله. وهكذا كان فبنينا المركز وحققنا نجاحا بارزا وسددنا المبلغ حينها. قامت قيامة النوادي الأخرى وحاولوا وقف المشروع ولكن الله اذا اراد أمرا هيأ له كل اسباب النجاح، وكان الافتتاح عام 1994".
عن نشاطات النادي يقول طرفة: يقدم النادي مساعدات مادية للمحتاجين المعوزين والمرضى المحتاجين لإجراء عمليات جراحية مكلفة، كما يقوم باستقبال وتكريم القادمين من لبنان من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية المعروفة وكان آخرها استقبال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. ولدينا فريق لكرة القدم ربح مباريات في ميتشغن لثلاث مرات ولدينا فريق للكشافة... ونقيم ندوات شعرية وادبية وصحية توعوية وأخرى تختص بمشاكل الجالية، كما نعمل على تكريم ضيوف قادمين من الوطن. ويقدم النادي مساعدات مادية لعائلات محتاجة، هذا بالاضافة الى المنح الطلابية التي بلغت ستين منحة السنة الماضية بينها ثمانية طلاب من بنت جبيل فقط والبقية من جنسيات مختلفة كل ذلك مجانا. مداخيلنا كلها من التبرعات ومن تأجير بعض القاعات لمدارس وهذه المبالغ تغطي المساعدات والخدمات.
يضيف طرفة باعتزاز: أنا مؤسس النادي والرئيس المؤسس ورئيس مجلس الأمناء. وابني هو رئيس الهيئة الادارية، دور الشباب المتعلم اساسي في النادي. لقد ناضلت خمسة عشر عاما لإدخال مادة في نظام النادي تمنع على غير حملة الشهادات أن يكونوا أعضاء في الهيئة الادارية.
عن علاقته بالوطن اليوم يقول الحاج محمد طرفة: لبنان في قلبي وأقرب لي من حبل الوريد. وأنا أزور لبنان كل سنتين. لكن السياسيين اللبنانيين فشلوا في بناء وطن، لأنهم يؤثرون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة. لقد خربوا لبنان من أجل الرئاسة. أنا مع نظام علماني ديموقراطي صحيح، يعود فيه للشعب انتخاب من يريد ولكن ليس على أساس طائفي.
يدافع محمد طرفة بقوة عن أميركا ويقول: "ان الذين يهاجمون أميركا عليهم أن يلوموا أنفسهم أولا، لأن أميركا لا يمكنها القيام بأي خطوة في الوطن العربي الا بمساعدتهم. أنا أقول بصراحة إن ولائي الأول هو لأميركا ومن ثم للبنان. أميركا علمتني وشغلتني وأمنت لي كل ما أريد فكيف تريدون مني أن أشتمها؟.. حتى انني حين تزوجت امرأة سورية ناضلت ثماني سنوات كي يمنحوها الجنسية اللبنانية، أنا لا أفكر بالعودة الى لبنان لأنني لا أستطيع التعايش مع عقلية السياسيين هناك"!
يختم الحاج محمد برواية معبرة: في الخمسينيات زرت لبنان فاستقبلوني في المطار بحضور النائب المرحوم عبد اللطيف بيضون. قالوا لي اذا سألوك الجمارك ماذا تحمل فقل لهم لا شيء. وعندما سألوني قلت لهم معي هدايا وكذا وكذا وكذا. أنا لا أجيد الكذب ولا استطيع أن أغير عاداتي.
ريميال نعمة - السفير
http://assafir.com/Article/458733/Archive