فرسما حكاية نجاح لسيدة تحولت من مجرد فتاة مهاجرة لم تكن تتقن سوى بضع كلمات من الانكليزية، الى واحدة من ابرز المساهمات في مجال التعليم وتربية النشء وتعليم اللغة العربية والانكليزية على السواء، اذ لم يقتصر دور المهاجرين اللبنانيين في ديترويت ميشيغن على عملية النهوض الاقتصادي في مجال الاعمال والمقاولات والسياسة وغيرها، بل تعداه الى الدور التربوي والتعليمي وربما اكثر بكثير.
ابنة مارون الراس في جنوب لبنان، وربيبة منطقة برج حمود الشعبية في بيروت، الصبية التي كاد ليكون ممنوعا عليها الحلم لو انها بقيت في وطن الازمات المتلاحقة، وفي ظل واقع معيشي كانت تعيشه العائلة، التي سبق ان هاجر بعض افرادها وتبعتهم العائلة العام 71 الى ديترويت - ميشيغن.
تدير نوال حمادة اليوم أربع مدارس تعلم كلها اللغة العربية كما وتتوافق مناهجها التربوية مع معايير الولاية والمعايير الوطنية والدولية. 97% من طلابها من العرب اما الباقي فمن جنسيات مختلفة، وهي تتميز عن غيرها بتوفير البيئة التعليمية ذات الثقافات المتعددة.
تقول حمادة: "كان هناك حاجة لمثل هذه المدارس الحكومية التي تعلم اللغة العربية، خاصة اننا بدأنا بستمائة طالب. كانت الجالية تثق بي نسبة الى خبرتي ونشاطي العملي في العديد من المدارس. فقد كنت قد أسست "مدرسة السبت العربية" ضمن "المركز الاسلامي" في ديربورن، وعملت كمدرسة وكمساعدة تربوية في العديد من المدارس. من هناك توطدت علاقتي بالجالية واطللت أكثر على حاجاتها التربوية والتعليمية. اما اليوم فتشرف مؤسسة حمادة للخدمات التربوية على شبكة من المدارس الحكومية المشتركة في ديترويت وديربورن هي: "يونفرسال "، "نور إنترناشونال" و "انترناشيونال اكاديمي" و "يونيفرسيل ليرنينغ أكاديمي"، وهي تضم ما يقارب 3400 طالب وطالبة، وقد حازت احداها على لقب "التميز من الدرجة الأولى" من وزارة التربية في ولاية ميشغن، كما مُنحت ثانويتا "ستار" و "يونفيرسيل" شهادات تميز عالية وحصدتا العديد من جوائز التقدير.
تضيف نوال: "كانت البداية صعبة بالنسبة لكثيرمن ابناء الجالية لتعلم اللغة الانكليزية ومنهم انا، فقررت بداية مساعدة العائلات الجديدة القادمة الى ديترويت لتخطي تلك العقبة. لم تكن الجالية العربية كبيرة آنذاك. بقي الهدف الرئيسي انشاء مؤسسة تربوية خاصة بها وقد حققت أهدافها ونجحت في مبتغاها. تقدمت بطلب ترخيصين من الحكومة الاميركية فجاءتني الموافقة وفتحت أول مدرسة حكومية أسميتها "star international academy" من خلال مبلغ جمعته وزوجي في السعودية، ثم أسست في ما بعد مدرسة "universel academy" في ديترويت.
ولكن ماذا عن المداخيل ومن يمول المدارس اليوم؟
تجيب نوال: الحكومة الأميركية هي التي تمول هذه المدارس بالكامل من ضرائب الجاليات، وهذا النهج قائم ومتبع في كل المدارس الأميركية الحكومية رغم ان هناك مدارس خاصة تبتغي الربح ويدفع أهالي الطلاب فيها التكاليف، ولكن في اميركا لا فرق في المستوى بين الحكومي والخاص. طلابنا من جميع الطبقات ولدينا طلاب ينتمون الى عائلات هم من نخبة المجتمع. مدارسنا مجانية بالكامل، حتى أن اللوازم المدرسية والكتب نقدمها للطلاب مجانا.
وعن برنامج اللغة العربية وكيفية ادارته تقول حمادة: هناك عوامل عدة تساعد طلابنا على استيعاب اللغة العربية خارج المدرسة، خصوصا السفر الى البلد الأم كما يساعد جو الأهل في المنزل ايضا في المدرسة. نحاول القيام بأنشطة عدة تشجع على القراءة مثل المعارض وسماع الاغاني والموسيقى العربية. كل ذلك يساعد على اتقان اللغة، ولدينا اساتذة مؤهلون ومختصون يدرسون مادة اللغة العربية. في كل الأحوال برنامج تعليم اللغة العربية لا يقتصر على اتقان اللغة، بل هو برنامج ثقافي متكامل يطل على العادات والتقاليد والثقافة العربية الشاملة. وذلك من خلال حث الطلاب على القيام بأبحاث عن بعض الدول العربية.
25 عاما ابعدتها عن لبنان الا ان الوطن باق في القلب. كبرت الفتاة الصغيرة وكبرت معها الطموحات، ولكن لم يقلّ منسوب الحب لأرض الاجداد، رغم هذا فهي تزوره لفترات قصيرة جدا لا تتجاوز الايام الثلاثة تقضيها موزعة بين بيروت والقماطية مدينة زوجها وبنت جبيل مسقط رأسها.
وعن مدى اهتمام الدولة اللبنانية بالتواصل بهدف تبادل الخبرات في المجال التربوي تقول نوال حمادة: الوطن بعيد بعيد ولا اعني بالمسافة انما من خلال علاقة المؤسسات الرسمية بابنائها المهاجرين. نأمل ان تعي يوما وزارة التربية كما سائر مؤسسات الدولة اللبنانية مسؤوليتها تجاه المغتربين.