رأى الزّين أنّ اللّغة العربيّة تحتاج إلى جرأة في الحداثة المستمدّة من روح الأصالة، وإلى معول يهدم التّقدليد والجمود، وقال:"دَعوا هؤلاء الّذين يعبُدون التّقليدَ بُكرةً وأصيلًا؛ دعوهم في غَيِّهم يَعمَهون. لِيكُنْ لهؤلاء دينُهُم ويَكُنْ لنا دين! وَلَعَمري أنّ رائحة الحَداثةِ تُزعجُ أهلَ التّقليدِ كما تُزعجُ الخَنافِسَ رائِحةُ الطُّيوب".
ودعا التّربويّين إلى إعمال العقل والنّقد الموضوعيّ من أجل الحفاظ على اللّغة ومن أجل أجيال واعية، وقال:"لا تثقوا، حماكُمُ اللهُ، بكتب المؤسّسات الرّسميّةِ الثّقةَ العمياء. خُذوا منْها ما يَقبلُ بهِ العقلُ والمنطق، واضرِبوا بالباقي عُرضَ الحائط، لا ردَّ المَولى الباقي، ولاردّ حائطَ مبكاهُم. تَمَرَّدوا على كلّ أنواع التَّسلُّط التّربويّ، أيًّا كان مصدرُه. تسلّحوا بالشكّ، لأنّه طّريقُ اليقين. درِّبوا عقولَكُم عليه، ولا تُوَفّروه في أمرٍ كان بالأمس يقينًا. اِمتشقوا أيُّها المؤدّبون سيفَ النّقد الموضوعيّ، وَاجهَروا بأصواتكُم ولا تُبالوا، لأنّ أصواتَكم حقٌّ، لاأحدَ يعلو عليهِ ولا عليكُم، من أبناء جِلدتِكم".
واعتبر أنّ التّقنيّات الحديثة نعمة علينا الاستفادة منها، قال:"اسمحوا لي بأن ألفِتَ انتباهَكُم إلى أنّ زمانَكُم أكثرُ جودًا عليكم مِن زماننا علينا، وذلك بتِقنيّاتِهِ الّتي إن أحسنتُمُ استعمالَها كانَتْ نعمةً ، وإنْ أسَأتُم فهيَ نِقمةٌ، أيّةُ نِقمة. ساحةُ الكونِ كلُّها لكُم يا سادة، ولم يكُن لنا، في أوّلِ عهدِنا بالتّعليم، زاويةٌ صغيرةٌ منها. لِيكُنْ لكُم فيها صَولاتٌ وَجَولات. اِسرَحوا وَامْرَحوا فيها تَفوزوا. تَعَلَّموا، تَعَمَّقوا في تَعَرُّفِ اختصاصِكُم، لأنّ الزّمنَ زمنُ الاختصاص، بل هو زمنُ اختصاصِ الاختصاص. اِقرَأوا، وإنْ قَرَأتُم فلا تقرأوا الكتبَ الجيّدة، إنّما أجودَ الكتب. اِسعَوا إلى التّمكُّن من مسالكَ وطرائقَ حديثةٍ في التّعليم، واهجُروا كهفَ التّقليدِ المُعتمَ الّذي نال منْ عُقول أجيالٍ وأجيال، ويُحاولُ، اليومَ، النّيلَ من عُقولكُم أنتم".
وفي ختام المحاضرة، أُطلق كتاب "منمنمات" للدكتور عبد الفتّاح الزّين الصّادر عن دار البنان