هو رونالد حداد قائد شرطة مدينة ديربورن في ولاية ميشيغن، المسيحي اللبناني أبا عن جد. هذا الشاب الخمسيني فخور بجذوره اللبنانية كما بموطنه اميركا، ويحظى بمحبة واحترام ليس الجالية اللبنانية والعربية في ديربورن فقط، انما المجتمع «الديربورني» بشكل عام. فقد تم تعيينه منذ حوالي سبع سنوات في منصبه الحالي كقائد لشرطة المدينة التي تضم بين عناصرها عددا من ابناء الجالية اللبنانية والعربية.
لا يتقن حداد الكثير من الكلمات العربية، مع ان اللغتين العربية والإنكليزية غالبا ما تستعملان في منزلهم - كما يقول - الا انه يعدد لك الكثير من الأكلات اللبنانية دون خطأ وببراعة لفظية مذهلة «الكبة، والشيش برك، والتبولة، وورق العنب، والمجدرة، والصيادية، الخ ...». ويقول: كان يكفي ان نذكر واحدة منها حتى تحضر حالا. فأمي التي ولدت في طرابلس طباخة ماهرة لكل الاصناف اللبنانية التي ذكرتها.
يضيف ضاحكا:
you name it and she make it
يروي «الشيف» رونالد حداد حكاية هجرة العائلة من لبنان ويقول: «اتى جدي سمعان حداد في العام ١٨٩٦ الى اميركا، وتوفي في العام ١٩٧٧، وقد اوصى ان يدفن في لبنان وهو ما حصل بالفعل. نشأت في عائلة كبيرة تسكن مع بعضها شأنها شأن العائلات اللبنانية (جدي وجدتي واثنان من اعمامي وامي وابي واخوتي) لدي العديد من الاقارب في السلك العسكري والشرطة . فأبي كان «سرجنت» خلال الحرب العالمية الثانية، وعمي في البحرية الاميركية، وقد عملوا جميعا في شركة «فورد» كحال معظم الوافدين الى هذه المدينة.
تخرج رونالد حداد من أكاديمية الشرطة والقيادة من جامعة نورث ويسترن، ويحمل شهادة في القانون الأمني من جامعة ديترويت - ميرسي، ودبلوم دراسات عليا (ماجستير) من جامعة إيسترن ميشيغن. ابتدأ مهنته في شرطة مدينة ديترويت وعمل نائباً لقائد شرطة مدينة ديترويت لسنوات قبل تقاعده من قسم الشرطة بعد خدمة استمرت ٣٤ عاماً.
يتمنى حداد زيارة لبنان ويقول: ابي زار لبنان مرتين وانا سأفعل ذلك قريبا.. أعدك! لدي في لبنان اقارب واصدقاء واتمنى زيارة تبنين وبيروت وقبر جدي وكل المناطق التي سمعت عنها من اصدقائي...
وعن المرأة اللبنانية يقول: تبدو المرأة اللبنانية جميلة ورائعة لأنك امامي وأمي أكبر مثال.. خصوصا اني ما زلت عازبا!
يصف رونالد حداد الشعب اللبناني بالمسالم والناجح ويعتز بأنه ينتمي الى واحد من اكثر الشعوب تقدما ورقيا في منطقة الشرق الأوسط التي يعاني لبنان من تأثيرها على وضعه الداخلي: «الناس في لبنان وفي الشرق الاوسط يستحقون حياة افضل برأيي. اشعر بارتياح بالتعامل مع اللبنانيين وهم أبناء وطني وانا أعتز بجذوري. اللبنانيون متعلمون ومنتجون ويعملون في وظائف جيدة.
وعما اذا كانت هناك مشاكل تذكر في ديربورن يقول حداد: لا نواجه مشاكل تذكر. فمجتمع ديربورن مجتمع مسالم وآمن وأكثر من أي مدينة اخرى. مستوى الجرائم اقل بكثير من المحيط. انه مجتمع مسؤول، وقد سئلت في واشنطن عن الموضوع.. ديربورن تعتبر قدوة.
وعن امكان التعاون وتبادل الخبرات بين لبنان وشرطة ديربورن يقول: «عندما يطلب منا المساعدة سوف نساعد ولن نتردد ابدا».
« صدى الوطن» صحيفة العرب المهاجرين اسامة سبلاني: ساهمنا بتشكيل المشهد السياسي.. والمقاومة خط أحمر
لبنان العام ١٩٨٢. العدو الاسرائيلي يجتاح العاصمة بيروت. مشهد فجر غضب الكثير من اللبنانيين في الداخل والخارج. ذلك المشهد غيّر مسار الأحداث، ليس في المنطقة وحسب، بل في حياة المهندس اللبناني الشاب أسامة سبلاني ابن بلدة «فلاويه» في قضاء بعلبك المقيم في ديترويت، والذي كان يتابع الأخبار بغضب عارم. قام من وراء مكتبه، سلم المفاتيح، قدم استقالته من الشركة وبدأ بنسج حلم كان يبدو مستحيلا، أو ربما مغامرة غير مضمونة النتائج في حينها.
كانت ديربورن في العام ١٩٨٥ قبلة اللبنانيين الذين يتدفقون اليها هربا من فظاعة الحرب الدائرة في لبنان، وبشاعة المشهد السياسي العربي المهزوم والمتخاذل أمام عنجهية وغرور الكيان الصهيوني وبطشه.
في الولايات المتحدة لم يكن المشهد مختلفا: إعلام مضلل، انحياز مكشوف وواضح لإسرائيل، والعرب الأميركيون في ميشيغن يقفون موقف المتفرج العاجز. دماؤهم تغلي ولكنهم مهمشون في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الماكينة الإعلامية الاسرائيلية. في ظل تلك الأجواء قرر أسامة سبلاني القومي الناصري العروبي أن يخوض تجربته المجنونة وأن يكون صدى وصوتا عاليا كان انعكاسا لصوتهم الخافت.
يقول سبليني: «في البداية كنا الصوت النشاز بالنسبة لهذا الإعلام المضلل وأربابه، ولكنه كان صوت الحقيقة التي أراد أن يوري وجهه عنها بحكم السيطرة اليهودية عليه، واستطعنا أن ندحض الكثير من أكاذيب الرواية الاسرائيلي. بعدها عملت الصحيفة على دعم القضايا المحقة للعرب في أميركا، كما ساهمت في صنع هوية لهذه الجالية وأوصلت قضاياها وأفكارها والأهم خاضت معاركها. وقد عملنا على تشكيل وعي جديد يحث العربي الاميركي ألا يكون على هامش القضايا المحلية، وان يتفاعل مع المجتمع الموجود فيه، وان يشارك في العملية الانتخابية والسياسية وأن يكون في صلب المجتمع الأميركي.
ها هي اليوم وبعد حوالي عشرين عاما تعيد «صدى الوطن» تشكيل المشهد السياسي، ليس في ديربورن وحسب بل في ولاية ميشيغن، واستطاعت خوض الكثير من المعارك وبالتالي تغيير قوانين اللعبة، بفضل حنكة وجرأة ناشرها ورئيس تحريرها الذي شغل منصب رئيس كونغرس المنظمات العربية الاميركية في ميشيغن، إضافة الى موقعه كناشر لصحيفة «صدى الوطن»، كما ترأس اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك).
«كنا نعقد جلسات خاصة - يقول سبلاني - وننظم لوائح وندعم مرشحين ونحث الناس على انتخاب مرشحين لديهم كفاءة وتأثير إيجابي على قضاياهم، إن في المجلس البلدي أو القطاع التربوي أو القضائي وغيرها، واستطعنا أن نغير من واقع المدينة التي كانت مهمشة ليصبح لها تأثير حقيقي على السياسة المحلية والموقف تجاه العرب الأميركيين».
وعن مصادر التمويل يقول سبلاني: الجريدة تمول نفسها منذ اليوم الأول لتأسيسها. لدينا حوالي ٢٤ موظفا بين كتاب ومراسلين من كل الجنسيات والانتماءات. نعاني من عجز نعم، ولكن لدينا إدارة جيدة تحاول جاهدة تدوير الزوايا والتفكير بمشاريع لتمويل الجريدة التي تعتمد على ثقة المعلنين من أبناء الجالية والعرب الاميركيين
بعض الاعلام اللبناني يفرق ولا يجمع
وعن موقف الجريدة من القضايا الوطنية وانحيازها لفريق ضد آخر كما يعتقد البعض يقول سبلاني: موقفنا كان ولا زال واضحا. نحن مع المقاومة ونعتبر فلسطين هي القضية المحورية. نجاهر بذلك ولا مشكلة ابدا. انه موقف مبدئي، ولكننا كجريدة نعالج المشاكل المحلية والاجتماعية للعرب الاميركيين ولا علاقة للمقاومة بهذا. فالجريدة مساحة مفتوحة للجميع ومنبر حر لكل الآراء. لا تعنينا التفاصيل الصغيرة للسياسة اللبنانية أمام نظرتنا الواسعة للأداء السياسي في لبنان، والذي يأخذ صفرا برأينا. ولا علاقة لنا مثلا بمواقف حزب الله في الداخل، فاللبنانيون هنا ينظرون الى الوضع اللبناني من عين العصفور، وبرأيي ان الإعلام اللبناني يلعب دورا سلبيا ويفرق أكثر مما يجمع، وقد ساهم بتزكية الخلافات، ربما لان الوضع الميداني والسياسي يفرض على هذا الإعلام نوعا من البث التقسيمي، ولكن الأخطر ان هذا الإعلام يفصل اللبناني المقيم هنا عن مجتمعه في ديربورن، ويبعده عن قضاياه المحلية الملحة، ويحوله الى شخص غير منتج وعاجز عن المشاركة والتغيير، حتى انها تبعده عن عائلته وعن أولاده ممن ولدوا في اميركا. نحاول تصويب الامور وترتيب الاولويات، ما دام الوطن استقال من واجبه تجاه ابنائه المهاجرين.