هكذا، بات مأتم المنصوري مأتمين وفجيعتها فجيعتين. اليوم تشيع حسين وبعد غد الخميس تشيع محمد بعد وصول جثمانه المنتظر فجراً، بعد أن تكون السفارة اللبنانية في أنقرة قد أتمت إجراءات النقل، كما فعلت مع حسين.
لطالما ارتبط اسم المنصوري في الذاكرة الجماعية بالحزن والأسى. حزن عمره 20 عاماً من عمر المجزرة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في عدوان نيسان، عناقيد الغضب، عندما قصفت طائرة أباتشي، أمام الكاميرات، سيارة إسعاف تقل أطفالاً يحاولون الهرب إلى الأمان. مرت السنوات والحزن لم يتبدد. رغم أن الاحتلال اندحر والبلدة كبرت وقصورها الفارهة تضاعفت، لكن أسباب الموت تغيرت، وبقي الحزن واحداً.
"المنصوري تتألم". شعار بخلفية سوداء ارتفع في شوارع البلدة (قضاء صور) وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، حزناً على وفاة حسين ومحمد غرقاً في بحر أزمير في تركيا، أثناء محاولتهما الهجرة غير الشرعية بالقارب نحو أوروبا. بعد عيد رأس السنة، حمل محمد وحسين ورفيق ثالث من البلدة أغراضهم القليلة وسافروا بالطائرة من بيروت إلى أزمير. هناك قابلوا مهرّب البشر الذي تولى حجز مكان لهم في أحد قوارب الموت مع مهاجرين آخرين، لقاء آلاف الدولارات. لسبب ما، لم يتمكن الثالث من البقاء معهما. عاد إلى لبنان. الاثنين الفائت في الرابع من الشهر الجاري، ركبا القارب نحو اليونان آملين الوصول إلى أقاربهما في ألمانيا. غرق القارب لأسباب لم تعرف بعد.
لم يصل خبر المأساة إلى المنصوري سريعاً. عم حسين الذي انتظره في ألمانيا ارتاب بتأخره في الاتصال به عند وصوله إلى اليونان، كما اتفق معه. اتصل بالمهرب في تركيا الذي أبلغه بالحادثة. حضر إلى لبنان ومنها انتقل إلى أزمير، حيث تولى تنفيذ الإجراءات المطلوبة لاستعادة جثمان حسين. قريب العائلة قاسم أحمد أوضح في اتصال مع "الأخبار" أن السفارة اللبنانية في تركيا ستعطي الموافقة على نقل الجثمان. حسين ابن الواحد والثلاثين عاماً عاد مع عائلته من ليبيا عند اندلاع الأزمة. لم يجد عملاً، فأمضى سنواته الأخيرة عاطلاً من العمل. سافر لأشهر إلى غانا الأفريقية، لكنه عاد خائباً بعد صرفه، فاختار الهجرة غير الشرعية. أما محمد ابن الثمانية عشر عاماً، فمأساته أكبر. نشأ يتيماً بحسب عمه حسن خشاب، بعد وفاة والده قبل عشر سنوات غرقاً في البحر. هو وشقيقه الأكبر وشقيقتاه الصغريان نشأوا في ظروف قاسية لم تسمح له بإكمال دراسته، بل دفعته إلى رمي نفسه في المجهول.
ما كانت تخشاه تفاحتا (قضاء الزهراني) والمساكن (قضاء صور) وغيرهما، أصاب المنصوري. العشرات من شبان البلدتين اختاروا قوارب الموت. الحظ أوصلهم سالمين إلى أوروبا، ما شجّع آخرين على الحذو حذوهم.
آمال خليل
الأخبار - مجتمع واقتصاد
العدد ٢٧٨٥ الثلاثاء ١٢ كانون الثاني ٢٠١٦
http://al-akhbar.com/node/249691