كان لدى دعد إسماعيل سرور بيتٌ كبيرٌ في عيتا الشعب، وكان لها ابنٌ تكبّدت، مثل بقية الأسرة، عناء الاهتمام الخاص به لكونه من ذوي الاحتياجات الخاصة. إعاقة الطفل، الذي كان يأتي من بيروت إلى القرية المحتلة آنذاك نهاية كلّ أسبوع، دفعت دعد الى التفكير في مساعدة ابنها بطريقة مختلفة. المرأة الميسورة مادّيّاً بعض الشّيء نتيجة عمل زوجها في الخليج، أقدمت في العام 1996 على افتتاح الطابق الأول من منزلها ليكون بمثابة «مركز» لاستقبال ذوي الاحيتاجات الخاصة «جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة». وبنصيحةٍ من الأب اندوخ، مؤسّس مدرسة «الأب اندوخ للصم» والدكتور موسى شرف الدين، رئيس جمعية «التخلّف العقلي في لبنان»، ذهبت السيدة الى التحدي. كان عليها أن تنتظر ثلاث سنوات كي تحصل على «علم وخبر»، وسنة إضافية بعد التحرير، العام 200، لتوقّع عقداً مع وزارة الشؤون الاجتماعية.
انطلق المشروع واتّسع، فما كان منها إلا أن اتّجهت، وبمساعداتٍ كثيرة من أشخاص وسفارات ومؤسّسات وجمعيات أهلية، نحو تشييد مدرسة مجهّزة بالوسائل الحديثة كلها وتغطي حاجات ذوي الاحتياجات الخاصّة كافة.
خلال سنواتٍ قليلة «وقف المبنى على قدميه»، واستطاع استقطاب كثر. لكن ما إن عزمت دعد على استحداث أقسام جديدة فيه، حتّى وقعت حرب تمّوز 2006. احتل جنود العدوّ الإسرائيلي المركز، الذي يقع في نقطة استراتيجية تشرف بالكامل على «خلة وردة». ليتحوّل بعدها إلى «مقبرة» للجنود الإسرائيليّين نتيجة ضربات المقاومة الصاروخية. بقيت جدران بعض الغرف شاهداً على ضراوة المعركة. أمّا البيت الكبير وما شغله سابقاً من مركز يلبي حاجات 45 طفلاً فقد دُمّر بالكامل .
إرادة الصمود لدى المرأة جعلتها تكافح من جديد وتبدأ ثانية بترميم المبنى، بهدف إعادة افتتاحه. إصرارٌ كبير لدى دعد وفريق عملها، المؤلف من حوالي ثلاثين شخصاً مختصاً، من أساتذة وإداريّين. اليوم يشرفون على 130 طفلاً في منطقة بنت جبيل وأطراف صور، وصولاً إلى مرجعيون.
يُغطّي المركز العديد من الحالات. كحالات التوحد والشلل الدماغي والتأخر الدراسي وتقديم العلاج الفيزيائي الحسي والحركي، باستثناء حالات الصم والبكم.
تبدي سرور فرحها لدى الحديث عما أنجزته في بعض الحالات لناحية مساعدة متخرّجات من المركز ودمجهنّ في مجتمعهن. منهنّ مَن صرن مساعدات معلمات أو خيّاطات. للرّجال أيضاً حصّة. هناك من ذهب الى العمل إمّا في محلٍّ للحلاقة أو إصلاح السيارات. تنسى دعد مع هذه الإنجازات الصعوبات والمشاكل. تكثر الأخيرة، من غياب مناهج تعليمية متخصصة مُعَدَّة من قبل الدولة للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى مشاكل الدمج مع المدارس الرسمية والخاصة. كما تؤكّد على ضرورة تعميم وترسيخ ثقافة داخل المدارس لاستيعاب الطّلاب لزملاء لهم لا يختلفون عنهم بشيء سوى أنّهم بحاجة إلى جهدٍ إضافي.
لا تغيب الصعوبات المادية عن حديث دعد. فهناك صعوبة لناحية الكلفة المترتبة عن تشغيل هذا النوع من المراكز. فالماء، على سبيل المثال، وبعد مرور 13 عاماً على انطلاق العمل في المركز، لم تصل إليه بعد. ما يتمّ استجراره يُدفَع نقداً. كذلك الأمر بالنسبة لمصاريف الكهرباء وصيانة المبنى. أما المشكلة الأكبر فهي مشكلة النقل. يتكفّل المركز بنقل 40 طفلاً من أماكن سكنهم إلى المدرسة، لكونهم غير مسجّلين على حساب وزارة الشؤون الاجتماعية. ومن بينهم ابنها. للتّغلّب على هذه المشكلة قرّرت دعد استخدام سيارة اشترتها من أموالها الخاصّة، كوسيلة نقل الأطفال.
دعد اليوم مسرورة لما أنجزته، وهي تتطلّع إلى استمرار الدعم من كلّ الجهات بمن فيهم «قوات الطوارئ الدولية»، (اليونيفل).
لا تُظهر المرأة الممشوقة القامة أي انحناءة رغم تقدّمها بالعمر. وهي تمضي وقتها متنقّلةً من عيتا الشعب الى بلدة عديسة، حيث افتتحت مركزاً آخر اختارت له اسم «مدرسة الفرح»، حيث تقدّم فيه الرعاية لنحو 20 شخصاً. وهي تأمل أن تصل إلى وضع تصبح الدولة فيه مسؤولة عن تأمين الاحتياجات الخاصّة لهذه الشريحة من المواطنين.
السفير - نبيه عواضة