«بيروت» في توليدو... نعم ومن لا يصدق فليزُر ولاية «أوهايو» وسوف ترشده اليها، ليس الخرائط ولا دليل الطرقات وحسب، بل رائحة الخبز اللبناني الشهي وطعم التبولة ونكهة ورق العنب ومذاق الكبة النية اللذيذ، ناهيك عن أصناف متنوعة من المطبخ اللبناني العريق، ليتأكد لنا يوما بعد يوم أن لبنان أكثر من وطن، بل اسلوب عيش، وحياة، وثقافة، وتنوع وغنى حضاري يتمثل ايضاً بمطبخه العالمي الشهي والمنوع بأكثر من مئتي صنف، ومن ابتسامات طيبة يوزعها صاحب المكان مجاناً على رواد مطعمه وزائريه.
كل هذا عرفه وأدركه ابن البقاع لبيب حجار صاحب ومؤسس مطعم «بيروت» الأشهر في الولاية التي يعيش فيها اكثر من ١٢ الف لبناني، يتحدر غالبيتهم من منطقة البقاع الغربي، وهذا ليس برأيهم وحسب، إنما برأي زبائنه ورواد مطعمه من الأميركيين الذين اعتادوا على لباقة حجار وحسن استقباله، كما اعتادوا على لقمته الطيبة.
لبيب حجار المقيم في اوهايو منذ ما يقارب الـ٤٠ عاماً ابن مشغرة، جارة القمر ووليفة وادي التيم، تلك القرية التي ضمت تنوعاً جميلاً من اللبنانيين من كل الطوائف، وواحدة من أبرز مناطق التعايش الاسلامي - المسيحي في البقاع... من هناك بدأت رحلة الشاب ابن التاسعة عشرة صوب العالم الآخر الذي لم يكن بالنسبة للمهندس الزراعي آنذاك أكثر من صورة على شاشة. فمخططاته كانت تقتصر على العمل في مجال الزراعة التي درسها وتخصص بها، والاستفادة من محصول الارض التي كان يملكها هناك، الا ان الحرب اللبنانية الشرسة غيرت وخربطت، تماماً كما بدلت اقدار الكثيرين ورمتهم كأوراق الشجر على أرصفة وأماكن اخرى.
يقول لبيب حجار: «لم تكن الهجرة الى اميركا في البال. كانت الأحلام بسيطة ومتواضعة، الا ان رياح الحرب اللبنانية شاءت غير ذلك. تركت لبنان في زيارة تفقدية لبعض الأقارب الموجودين في اوهايو لأعود بعدها لأتسلم وظيفتي في تعاونية الشمندر السكري في البقاع، بعد ان تخرجت من الجامعة اللبنانية. كانت الأحلام كبيرة، ولكن ليست في ترك البلد، الا انه وبعد عودتي مباشرة اشتعلت الحرب ففضلت العودة مرة أخرى الى اميركا والبقاء هناك ريثما تنتهي.
وكحال الكثير من الشبان كان الانتظار ثقيلاً، وكانت الايام تمر مسرعة، وكان لابد من العمل، فبدأ من مخبز صغير أسسه وأسماه «مخبز بيروت»، اشتعلت فيه ناران: الأولى تحول العجين خبزاً ولكنها ما تلبث ان تنطفئ، والاخرى تظل مشتعلة شوقاً للأهل والأحبة، ولمشغرة الغالية والتي لم يكن ليطفئها سوى تلك الزيارات المتقطعة الى الوطن مع أمل دائم بالعودة النهائية اليها. ولكن جرت رياح الحرب اللبنانية كما لم يشته ابناؤها المغتربون. لذا كان لا بد من البقاء والعمل.
...»لم تكن الجالية كبيرة في اوهايو - يقول حجار - كان هناك جامع وكنيستان والكثير من المناسبات والأعياد. وقد عملنا على تلبية طلباتهم، وحصد طعامنا إعجاب الجالية فقررت التوسع، فأنشأت مع شريكي رياض ابو عراج العام ٧٧ «مطعم بيروت «.
كان الوطن ينزل ونحن نصعد!!... عبارة تختصر واقع حال جيل مهاجر بأكمله، ولم يكن الصعود بالنسبة لحجار، سوى نجاح مقترن بمذاق لبناني بحت. فقد لاقى مشروعه نجاحاً جعله احد أبرز خيارات الاميركيين واللبنانيين على السواء، بحيث يصعب ان يجد المرء له طاولة فارغة في المطعم خلال المواسم والمناسبات.
يقع مطعم «بيروت» اليوم وسط «توليدو» في شارع مونرو، ويعتبر محطة واستراحة لجلسة جيدة وللقمة طيبة لكل زائري المدينة من الشخصيات الرسمية والفنية وحتى السياسية منها. «زارنا الكثير من المشاهير - يقول لبيب - واحتفظ بتواقيعهم وبشهادات وصور معهم، وقد أجمع الكل على أهمية مذاق المطبخ اللبناني الشرقي وخصوصيته وتنوّعه.. ليس من السهل النجاح في هذا المضمار، ذلك انه حساس جداً، وهذا بسبب حرصنا على امور عدة أبرزها النظافة والتنوع والأكل الطيب. والحمدالله بنينا سمعة جيدة وشعارنا if you don’t eat it» don’t serve it! وهو ما جعلنا نوسع إطار عملنا ليشمل الطلبيات الى الخارج. كما افتتحنا صالة خاصة بالمناسبات هي «بيبلوس».
كل هذه المشاريع والأعمال لم تبعد لبيب حجار عن الشق الانساني والعائلي، إذ يعتبر واحداً من أبرز الداعمين للجمعيات الانسانية والخيرية في ولاية اوهايو. وكما كبر الطموح واتسعت المشاريع كبرت العائلة ايضاً. للبيب حجار اليوم اربعة اولاد واربعة أحفاد اضافة لزوجته كارين، الداعم والشريك والرفيق في كل المشاريع الحياتية منها والمهنية.
- ولكن... ماذا عن قمر مشغرة؟
أسأله فتدمع عيناه ويقول: لبنان ومشغرة دائماً في البال، ولا تنسَ اننا كنا سفراء لوطننا في الغربة. وقد ساهمنا مع غيرنا بإيصال المطبخ اللبناني الى العالم، وقد استحقينا جوائز عديدة بسبب حرفيتنا العالية في هذا المجال. جل ما أطمح اليه هو العودة اليها يوماً لتمضية شهرين في السنة... الوطن عزيز وغالٍ ومكانه القلب».
ريميال نعمة - السفير
http://assafir.com/Article/458748