الموت يُطارد جيران نهر الليطاني، أو بتعبيرٍ أدقّ «مجرور الليطاني». وعلى الرّغم من ذلك، بقي مشروع وضع أساسات ومحطّات تكرير إلى جانبه حبراً على ورق. منذ سنوات، وخطّة تكرير مياهه تحتجزها أوراق اللّجان والدّراسات. أمّا التّقارير الإعلاميّة فحازت على «امتياز» طرح «الخُطط» على الملأ، لا أكثر.
«الشّلل النيابي» زاد من أريحيّة تراخي الخطط. اللجان النيابية تحتجز، منذ أكثر من سنتين، مشروع قانون لرفع التلوث عن النّهر، والّذي قُدّرت كلفة تمويله بألف و100 مليار ليرة تأمّنت عبر قروضٍ وهباتٍ دوليّة. المُشكلة، أنّ المشروع ينقصه التّصديق من قبل اللّجنة المختصّة.
إذاً، مشروع «رفع التّلوّث» ليس ضمن «تشريع الضّرورة». بالنّسبة للمشرّعين، يستطيع البقاعيّون الانتظار قليلاً. فلا نقص الأمطار، ولا ارتفاع حجم التلوث وتنوّع مصادره، من شأنه تحفيزهم على المباشرة بعمليّة التّكرير.
جيران النّهر يتّهمون الدّولة بالكثير: القتل المُتعمّد، الإهمال المُتصاعد، تحويل النّعمة إلى نقمة، عدم الاكتراث بتحويل الخطط واقعاً ملموساً. كلّ هذا، دفع عدداً من المناطق المجاورة لـ «المجرور» إلى النّزوح إلى أماكن أخرى، كما هو الحال في برّالياس والمرج. «تحتضن» تلك المنطقتان النّسبة الأعلى من التلوث، فهما تشكّلان مكاناً لالتقاء عدّة روافد من النّهر، ولا داعي للحديث عما يحمله «التّلاقي» من جراثيمَ وتلوّث.
المشروع المُنتظَر..
ما يحويه النّهر مخيف. مياهٌ ملوّثة بالجراثيم القولونية والنترات والسيناتو بكتيريا والفوسفات والرصاص والزنك وبقايا المياه المبتذلة وغيرها.
لكن على الرّغم من ذلك، لا محطّات تكرير لمياه الصّرف الصحي المجاورة له. في العام 2003، دُشّنت الأعمال في النّهر. يومها، تمّ تحديد سقف لعمر المشروع: ثلاث سنواتٍ كحدٍّ أقصى. وحتّى اليوم، لا يزال أهالي زحلة بانتظار انتهاء أعمال إنشاء محطّة تكرير مياه الصرف الصحي.
أمام المشروع عراقيل عدّة. بدأت أوّلًا في إحجام المموّل الإيطالي عن تسديد قروضه. والسّبب وراء امتناعه رفضه نتائج المناقصة التي رست على شركة فرنسية. بعد اتّصالات استغرقت سنوات عدّة، وافق الممول على تسديد قرضه. لكنّ المشاكل لم تتوقّف. برزت عقبة المتعهّد الذي طالب بإعادة تغيير الأسعار وزيادتها. لتتابع بعدها العقبات كتوصيل خطوط الجرّ إلى المحطة، خصوصاً في منطقة حزرتا.
إلى ذلك، تُعتبر محطّة «الفرزل» لتكرير المياه المبتذلة، والتي أنشأتها «الوكالة الأميركية للتنمية»، الوحيدة التي تعمل حاليّاً في منطقة البقاع الأوسط. وهي تختصّ باستيعاب مياه الصرف الصحي التي تقع في نطاق بلديّتها.
يُكمل مسار محطّات الصّرف الصحي التي لا تزال حبراً على ورق إلى بلدة تمنين التّحتا. من المفترض أن تعمل محطّتها الواقعة إلى جانب النّهر على استقبال مجاري الصرف الصحي لأكثر من 20 بلدة في شرق وغرب بعلبك، إلى جانب بلدات علي النهري وحارة الفيكاني وماسا ورياق من قرى البقاع الأوسط. وتلك المناطق تنتظر منذ سنتين المباشرة بتحديد فترة التلزيم والتّنفيذ.
للهرمل واللّبوة في قضاء بعلبك، وصغبين وخربة قنفار مشغرة، أيضاً نصيبٌ من المحطّات «العالقة».
والجدير بالذّكر أنّ «الخطط» لا تقتصر فقط على معالجة مياه الصرف الصحي، فهي تعدّت الأمر لتطال مسألة فرز النفايات وطمرها بدل رميها في مجرى النّهر.
في مختبره الصحي في شتورا، يرصد الأستاذ المحاضر في «كلية الصحة» في «الجامعة اللبنانية» الدكتور رياض القرعاوي الكثير من الإصابات الناتجة عن تلوث النهر، كالتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي وأوجاع المعدة وحالات التقيؤ وغيرها، الأمر الّذي يدقّ ناقوس الخطر والدّولة معاً ليقول لها «أقِرّوا المشاريع قبل وصول الوضع إلى مرحلة غير قابلة للمعالجة».
سامر الحسيني
السفير بتاريخ 2016-02-16 على الصفحة رقم 4 – محليّات
http://assafir.com/Article/474427