تضيق أسواق العمل في المنطقة الحدودية، أمام الشباب اللبناني، بعدما اجتاحتها اليد العاملة السورية، الأرخص أجرا والأقل كلفة، والتي باتت موزعة في مختلف المجالات الزراعية، الصناعية، التجارية، وفي ورش البناء والحدادة، اضافة لمزارع الدواجن والأبقار، ورعي الماشية، فضلاً عن العمل في مشاريع البنى التحتية، واعمال التنظيفات المولجة بها البلديات.
توسع عمل النازحين
في ظل هجمة العمال السوريين في مختلف القطاعات، وتسابق الشركات على استخدامهم، يقف العامل اللبناني في المنطقة الحدودية، متفرجا على حركة العمل، من دون أن تكون له أية مساهمة أو دور فيها، كما يقول الشاب الثلاثيني احمد من حاصبيا، «بتنا بلا عمل منذ دخلت بقوة اليد العاملة السورية الى مناطقنا، وفي القطاعات الإنتاجية كافة، لتتوسع لاحقا الى المطاعم والعمل في قطاع النقل عبر سيارات الاجرة، وصناعة المفروشات، ميكانيك السيارات، افتتاح المحال التجارية، بحيث لم يقتصر ذلك على فئة الرجال، بل اقتحمت المرأة السورية ميادين العمل على حساب اللبنانيات، وفي الكثير من المجالات المتوفرة، خصوصا تحضير المأكولات، تصفيف الشعر، الماكياج، العمل في المحال التجارية».
«يشتد الخناق، يوماً بعد يوم، علينا كعمال في هذه القرى الحدودية»، يقول سالم من ابل السقي، «بحيث ارتفعت نسبة الفقر بين العائلات، وتجاوزت، بحسب احصاءات الجمعيات المعنية الـ55 الى 60 في المئة، يرفض اصحاب العمل تشغيلنا، بحجة ان العامل السوري يرضى بنصف أجر العامل اللبناني، انها مشكلة». يضيف: «على الجهات المعنية ايجاد الحلول لها بسرعة قبل ان يتفاقم الوضع المعيشي لدى العمال اللبنانيين».
«البطالة التي ضربت المنطقة»، يقول العامل في مجال البناء سليم، «جاءت ايضا كنتيجة طبيعية لتراجع كل القطاعات: الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية، بفعل الوضع الاقتصادي الضاغط، والهجمة غير المسبوقة للعمالة السورية، وكذلك بفعل النزوح الكبير للعائلات السورية، الهاربة من جحيم المعارك في مدنها الى المنطقة الجنوبية وخصوصا الحدودية، التي كانت وما تزال تشكل الامتداد الاستراتيجي لأكثرية المناطق السورية».
70 في المئة عمال سوريون
الإحصاءات غير الرسمية للعديد من الجمعيات، تشير الى أن مجالات العمل في الزراعة والمصانع وورش البناء بمختلف قطاعاتها (تلبيس، دهان، تبليط، كهرباء، أدوات صحية، وغيرها) تذهب بنسبة حوالي 70 قي المئة للعمال السوريين، مقابل 30 في المئة للبنانيين، وهذا الرقم كان حتى الأمس القريب مقبولاً، قبل أن تتوسع آفاق العمل للسوريين الى مجالات تصيب اللبنانيين في الصميم وتهدد لقمة عيشهم، لاسيما على صعيد سيارات الأجرة، والمطاعم والمقاهي والمحال التجارية وبسطات الخضار والعربات الجوالة.
تتضارب المعلومات حول عدد العمال السوريين في المناطق الحدودية، والنسبة الاكبر في سهول الوزاني وسردة والمجيدية والماري والخيام ومرجعيون وعند ضفتي مجرى الحاصباني، بحيث يتجاوز العدد الـ2000 عامل، حسب بعض البلديات واصحاب المشاريع الزراعية، وقد تركت هذه الأعداد تداعيات سلبية ومباشرة على العمالة اللبنانية، والمجالات المهنية التي تتم المنافسة فيها، خصوصاً أن سوق العمل في هذه المناطق محصور نسبياً في المجال الزراعي ومعامل «البلوك» ومزارع الدجاج، والخطير كما يقول حسين من حاصبيا أن «حجم البطالة يرتفع تدريجياً، وهذا ما تؤكده ايضا معظم التقارير، فضلا عن بعض المظاهر التي تعزز ذلك في المناطق الشعبية، لغياب الدولة عن الالتزام بوعودها التي كانت قد أطلقتها على مدى السنوات التي أعقبت التحرير عام 2000».
150 دولارا بدلا من 400
سمر فتاة من بلدة كوكبا، شكت من «استخدام محال تجارية كثيرة لعاملات سوريات، بعد صرف عدد من الفتيات اللبنانيات، بداعي التوفير، فالبدل الشهري لعاملة لبنانية في حاصبيا مثلا بحدود الـ400 دولار، فيما ترضى الفتات السورية بـ150 دولارا»، وتشير سمر الى ان «ذلك يؤسس ربما لانفجار اجتماعي كبير، ناتج من ارتفاع نسبة البطالة عموماً، ومن المنافسة الشرسة بين اللبنانيين والسوريين على فرص العمل المحدودة في المنطقة».
العديد من بلديات القرى الحدودية، بدأت تتلقى شكاوى من أبناء المنطقة حول منافسة اليد العاملة السورية، ويشير العديد من رؤساء البلديات، الى انهم بدأوا عملية إحصائية للعمال السوريين في محاولة لتنظيم عمالتهم، لكن البلدية لا يمكنها ان تفرض على الناس اختيار العامل اللبناني بدلاً من العامل السوري، كما لا يمكنها أن تحدد أجراً موحداً في هذا الاطار، اذ ان أصحاب الورش يحددون ذلك بالاتفاق مع العمال. وبما أن أجر العامل السوري أدنى بكثير من العامل اللبناني، فإن ذلك يجعله الأوفر حظاً في الحصول على فرصة عمل.
طارق ابوحمدان - السفير
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-02-27 على الصفحة رقم 5 – إقتصاد