أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حسن ونبيه يقاومان إصابة القنابل على طريقتهما

الأربعاء 16 آذار , 2016 10:32 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 9,707 زائر

حسن ونبيه يقاومان إصابة القنابل على طريقتهما

في ذاك اليوم الاسود من شهر آذار من العام الماضي انفجرت قنبلة حاقدة بحسن ونبيه بزيع وستة من رفاقهما في وادي زبقين الجنوبي، احد اكبر المحميات الطبيعية في جنوب لبنان والذي يحوي غدير مياه اثريا يقصده الاهالي في هذه الفترة من السنة، قنبلة قطعت احلام حسن ونبيه وشرّدت دراستهما في مراكز العلاج. فأكثر من عشر سنوات مرّت على حرب تموز وما زالت القنابل تغزو وادي زبقين، الدلافي، النفخة، العزية، ما يعني ان الخطر قائم ويهدد سلامة الزوار الذين يجدون في الاودية متنفسا لهم من هموم الحياة.

في الطريق الى زبقين تعبر بواحد من اروع المداخل الطبيعية في بلدة الحنية تحسب نفسك في فرنسا او هولندا، ما ان تصل الى زبقين حتى يتغير المشهد... نسوة في الحقول يجمعن التبغ، الزراعة الاساسية في حياة القسم الاكبر من الاهالي، لم يتخل سكان القرية عنها رغم ادراكهم انها لا تسد حاجاتهم، وان هناك غبنا يلحق بمزارعيها، اذ "ارتفع كل شيء الا سعر كيلو الدخان الذي بقي مستقرا على مظلومية المزارع" حسب المزارعين انفسهم، دخلت زراعة الصعتر الى البلدة، بات عدد من الاهالي يعتمدها كزراعة بديلة اكثر ربحية من التبغ.
في خراج البلدة التي دمرت كليا في حرب تموز يعيش حسن ونبيه فتيان ذاع صيتهما في الفترة الماضية، فهما آخر ضحايا قنابل الغدر الصهيوني، مازالت آثار تلك القنبلة بادية على جسديهما، ومازالت رحلة الكفاح في مواجهة الاصابة مستمرة. يعيش ضحيتا القنابل ازمة نفسية قاسية سيما في تقبلهما للاصابة التي تسرق منهما اغلى ما في حياتهما والثقة بالمستقبل تمدهما بالعزيمة في مواجهة الاصابة.

تحدّي الاصابة
حسن بزيع احد جرحى القنابل العنقودية يملك ارادة وعزيمة كبريين مازال يتحدى اصابته، لا تزال علامات الحقد الصهيوني بارزة في جسده الطفولي، والصعوبات الكبيرة التي يواجهها تخرج من خلف دموعه البريئة، "كتير زعلت بس رحت ع المدرسة وشفت رفقاتي عم يركضوا وانا لا" تلك عبارته لكنه يقابلها بكلمات "مش رح اوقف عند حدود ورح حول اصابتي قوة" يغنيها الراب ويلتقط له اخوه نبيه شريكه في الاصابة الصورة، يشكلان نموذجا مختلفا عن مصابي القنابل، ربما لانهما توأمان، ابصرا النور بعد 13 عاما من زواج والديهما، يعانيان من الاصابة حجم معاناة الوطن من سياسات زعمائه مع فارق بسيط ان حسن ونبيه عرفا اين تقع قوتهما فتمسكا بها ليخرجا من ازمتهما، عكس الساسة يقفزون على الالغام التي تدمر الوطن.
لم يستسلم حسن للاصابة وان خدشت طفولته، وحلمه ان يكون لاعب كرة قدم مشهورا، ما زال يثابر في علاجه، يخضع لتدريبات مكثفة من معالجه في مركز نبيه بري في الصرفند، يستمد القوة منه "بدي كون انسان فاعل، القنبلة اخذت قوتي ولكنها لم تأخذ فكري واصراري ان اكون رائدا يوما ما في علم الفيزياء المادة التي اعشقها".
يعيش حسن ونبيه تحديات كبرى يناضلان في الحياة من اجل البقاء قويين، يرفضان الاستسلام للوجع والاصابة التي حرمتهما من متابعة الحياة بشكل طبيعي حسب نبيه الذي اصيب في قدمه اصابة حالت دون سيره بشكل طبيعي "الاصابة جعلتني اكثر وعيا، اريد ان انشر ثقافة الوعي من خطر القنابل، هناك كثر يقصدون الوادي الملوث، بالامس عثر على قنبلتين ماذا لو انفجرتا بأحدهم، كان سيواجه نفس المعاناة، ليس سهلا ان تعيش الوجع اللئيم، ان تجد نفسك ضعيفا لا تقوى على الحراك بكيت كتير لان ما بقدر العب فوتبول، خسرت طفولتي اي، وخسرت كثير امور بس المهم ما اترك الاصابة تخليني ضعيف بدي كمل احلم بالحياة، بدي اوصل وقول لكل العالم العدو ما بيقدر بيوم يهزمنا حتى لو سرق طفولتنا".


يدرك حسن ونبيه حجم اصابتهما ومخاطرهما على المستقبل، يقدمان مثالا يحتذى عن صناعة العزيمة وصلابة الموقف في زمن باتت فيه المواقف مرتهنة لسياسات رخيصة، يؤكد نبيه ان " الحياة لا يمكن ان تتوقف الا اذا فقد ارادته، اخضع للعلاج صحيح تراجعت في دراستي لانني اتغيب كثيرا لكن سأعوض، لان المدرسة لا ذنب لها في تراجعنا" يعشق نبيه التصوير، يطمح ان يكون مصورا ذات يوم اذا سنحت له الظروف، يحاول ان يكون بلسما لجراح اخيه حسن. "خيي اصابته اخطر وما زال تحت تأثير الصدمة. احاول ان اكون سنده وأدعوه دائما لنلعب معا كي يشعر بقوته لان قوتنا معا سر خروجنا من الاصابة".

آثار سلبية
تراجع مستوى دراسة حسن كما نبيه بسبب تغيبهما الكبير عن المدرسة لاجل العلاج ما ترك اثرا سلبيا على نفسية حسن " عم اخسر دروس، الاستاذ بالبيت ما بيشرح متل المعلمة هيدا عم يزعجني، بحب كون متفوق بس الاصابة عم بتاخرني"، غالبا ما يلازم الصمت حسن وحدها "مناوشاته" مع اخيه التوأم " نبيه" تكسر الحواجز يستعيد مشاغباته الصبيانية كما تسميها والدتهما، لم تترك خديجة حمزة والدتهما بابا الا وطرقته لاجل زرع الامل في نفس ولديها فهما ثمرة زواجها بعد اكثر من ثلاثة عشر عاما، ربيتهما كل شبر بندر، تخفي معاناتها بسبب ما حصل تحاول ان تملك قوة من اجل ولديها "كانا شقيين، يحبان الطبيعة، كرة القدم، كانا محركي رفاقهما الكل يحبهما الا ان اصطادت طفولتهما تلك القنبلة كان حسن في عداد الموتى، كان وضعه خطيرا جدا بسبب الاصابة ولكنه يثبت ان ارادة الحياة اكبر، بات يملك عزيمة كبرى لانه يملك هدف بدو يصير لاعب فوتبول باي ثمن".
حين انهى العدو الإسرائيلي حربه على لبنان العام 2006 ترك حربا اخطر، حرب القنابل العنقودية التي غزت العديد من القرى والبلدات، ما زالت المنظمات العاملة بنزعها تواصل تنقيبها عن الخطر المجهول الذي يخرج بين الفينة والاخرى من تحت التراب، اذ شكل تأخر عمليات ازالتها وغياب الخرائط في بداية الاعمال نقطة سلبية في طمر جزء كبير منها تحت التراب بسبب الامطار وانجراف التربة، ما تسبب في اصابة عدد كبير من المواطنين كان آخرهما حسن ونبيه وستة من رفاقهما في وادي زبقين قبل عام اذ انفجرت بهما قنبلة في رحلة عودتهم من رحلة سباحة في غدير المياه التراثي في الوادي، ما فتح النقاش حول مدى تطهير الاراضي من القنابل الحاقدة وهل لا يزال الخطر داهما؟.
لا يزال وادي زبقين وعين التينة، الدلافي، النفخة ملوثة بالقنابل نتيجة وقوعها في منطقة حرجية وعرة، وصعوبة تنظيفها، ولا تزال المنطقة مقصد كل عشاق الطبيعة، الا ان حسن ونبيه يتجنبان زيارتها مجددا، يقسوان على وضعهما ويتمسكان بارادة صلبة، خلف دمعة حسن يوجد طموح كبير "صحيح سرقت القنبلة حلمي لكنني سأصنع حلما آخر، لن انكسر ابدا، حولتني الاصابة الى شخص آخر بت افكر اكبر من عمري، اريد ان اكون رجلا فاعلا يوما الاصابة عذبتني كثيرا لكنها علمتني ان الضعف يولد قوة" يتحدث حسن بلغة القوة الصلبة، يتمسك بعبارة "عذبتني الاصابة ولكن جعلتني اكبر".

أحلام جديدة
لا ينفك يتابع مباراة الفوتبول على التلفاز، يحمل كتابا بيده فيما الاخرى يلفها "الجبير" لا يقوى على حراكها "المعالج اخبرني انني اذا تمرنت في المنزل سأهزم الاصابة بسرعة اكبر" لا ينفك يناضل في سبيل تحويل عجزه الى قوة، لا يتردد في القول "بكيت، توجعت كتير بزعل لان ما عم كمل دراستي بشكل طبيعي متل باقي رفقاتي لاني دايما عندي علاج بمركز الصرفند، ولكن بس اشفى رح عوض لان بحب العلم كتير".

لم يترق مصابو القنابل العنقودية الى رتبة شرف التقدير من قبل الدولة اللبنانية، يواجهون حياتهم بارادتهم وبمساعدة جمعيات لا حكومية، فحسن ونبيه يتلقيان العلاج من قبل مركز نبيه بري في الصرفند بمؤازرة وزارة الصحة مع بطاقة من الشؤون الاجتماعية، دعم خجول مقارنة مع حاجات مصابي القنابل، الذين هزموا الاصابة بارادة وعزيمة وكثر افتتحوا مصالح واعمالا خاصة بدعم من جمعيات غير حكومية، فالدولة تكتفي بتعويض قد لا يكفي للعلاج، وتنتهي مسؤوليتها...
رنا جوني - البلد

Script executed in 0.19077801704407