أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

هكــذا يتواصــل أهــل غــزة

الخميس 15 كانون الثاني , 2009 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,562 زائر

هكــذا يتواصــل أهــل غــزة

كيف تطمئن عائلات غزة على بعضها في ظل الإبادة اليومية المستمرة، الكهرباء المقطوعة، المياه المفقودة، وفي وقت يبحث المئات عن جرعة دواء غائب منذ سنتين، ويعانون الجوع والتشرد، وفقدان الاتصالات بسبب شبكة هاتف اهترأت بفعل القصف؟
حتى اللحظة، يبدو أن تواصل قطاع غزة مع ذاته ومع العالم يتمّ إما من خلال شبكة الهاتف النقال، التي عادة ما تكون »مشوشة« بفعل الطائرات التي يطلق عليها لقب »الزنانة« وتتعمد التشويش على الشبكة، وإما من خلال بديل يلعب دوراً أساسياً هو الإذاعات المحلية »حال توافر البطاريات للراديوهات في ظل انقطاع الكهرباء«.
يقول صفوت الكحلوت ساخراً، وهو صحافي مستقل من القطاع »في بعض الأحيان يمر اليوم كاملاً ولا نعرف ماذا جرى رغم أننا في قلب الحدث«، مشيراً إلى أن »تعطل شبكة الاتصالات والإنترنت المستمر ونفاد بطاريات الهواتف الخلوية وعدم القدرة على إعادة شحنها، تمنعنا من معرفة ما يجري«.
هذا الواقع يحيل أهل غزة مباشرة إلى أفضل وسيلة متوفرة لمعرفة دقائق الوضع، أي تتبع الإذاعات المحلية، وتحديداً إذاعتي »الأقصى« و»الجهاد«، لكنه سرعان ما يستدرك: »نقنن قدر الإمكان، لأننا إذا ما عجزنا عن توفير بطاريات للراديوهات، نعجز تماماً عن معرفة ما يجري«.
قد تكون قصة يوسف، وهو مواطن كان يعيش على بعد أمتار من محور صلاح الدين »فلادلفيا« المحاذي للحدود مع مصر، من القصص المعبرة التي توضح دور الإذاعات الفلسطينية. فالآلاف استمعوا إليه وهو يروي بمرارة على أثير إذاعة »أجيال« في رام الله: »لا أعلم ما مصير أخوتي، لا أعرف حال أهلي، لا أسمع سوى صوت الانفجارات، أرجوكم لقد اتصلت بكم بصعوبة، أبلغوني ما الذي يجري، ماذا أفعل..« ثم انقطع الاتصال.
حاول العاملون في الإذاعة الاتصال بيوسف بعد ذلك، لكن كل ما استطاعوا سماعه هو المجيب الآلي الذي يقول إن الهاتف مغلق، ومنذ ذلك الوقت لا يعرف أحد إن كان يوسف حياً أم ميتاً.
تأتي مناشدة عبد الحليم جابر من قطاع غزة، وهو مراسل لإحدى الإذاعات الفلسطينية في رام الله، لتشدد على أهمية الإذاعات في وقت تعتبر فيه مشاهدة التلفزيون بذخاً غير متاح إلا لقلة. هو يلح في اتصال هاتفي: »ابقوا البث مفتوحاً، لا توجد تقريباً أية وسيلة تمكّن الناس في مناطق القصف من معرفة أية أخبار عما يجري من حولهم، إلا من خلال الراديو«.
شريحة إسرائيلية
إضافة إلى دور الإذاعات الأساسي يشير جابر إلى بديل آخر، ولو غير متوافر في أيدي الجميع: »بسبب غياب شبكة الهاتف الخلوية في غزة، نلجأ في كثير من الأحيان إلى استخدام شرائح إسرائيلية، مستغلين البث الذي قوي مؤخراً داخل القطاع، بعد نصب جيش الاحتلال أبراجاً للتقوية على الحدود مع غزة«.
هكذا، غالباً ما يلجأ أهل غزة إلى »الاتصال بصديق في رام الله من شريحة هاتف إسرائيلية للفوز بخبر المليون« أي عبارة »لا تخف الأهل بخير«.
تعيش يقين سامر يومياً أجواء الرعب الذي صار »مألوفا لكنه يبقى رعبا«. هي تجاهد يومياً لمعرفة أخبار زوجها الطبيب في مشفى »الشفاء« والغائب عنها منذ بدء العدوان. هي تستمع إلى الراديو، ولكنها بحاجة إلى الاطمئنان على سلامته: »أحاول كثيراً الاتصال به، وقلما أتمكن من الحصول على خط واضح، اضطر إلى الاتصال بأهلي المقيمين في رام الله على شريحة إسرائيلية، وهم بدورهم يتصلون مع المستشفى، بعد ذلك يحاول أهلي، مراراً وتكراراً الاتصال بي، ولو تطلب ذلك ساعات وجهداً. أنتظر سماع جملة واحدة: زوجك بخير«.
يقين التي تقيم في حي تل الهوى في غزة، تعتبر أن حالتها »أهون« بكثير مقارنة بأولئك الذين يعيشون في »عمق الحرب الدائرة في مخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون وقرب الحدود في رفح«. لا تعرف يقين إن كان هؤلاء يستطيعون الوصول إلى شريحة هاتف تمكنهم من الاطمئنان على حبيب أو صديق، لكنها تأمل أن يكونوا قادرين، وهذا أضعف الإيمان، على سماع أثير إذاعة تخبرهم ما يجري على بعد أمتار قريبة من حولهم.

Script executed in 0.17882394790649