نظّمت جمعية المبرّات الخيرية، معرض العطاء السنوي العاشر في مبرّة النبي ابراهيم في بلدة الخيام بعنوان "هدايا من الناس إلى الناس" تضمّن تقديمات عينية، من ألبسة وأحذية ومواد غذائية وحقائب مدرسية تم توزيعها على 300 عائلة من النازحين السوريين في منطقة مرجعيون و100 عائلة من عوائل أيتام المبرّات، على طريقة السوق المجاني، وذلك برعاية وحضور سماحة العلّامة السيد علي فضل الله ورئيس بلدية الخيام المهندس عباس عواضة وشخصيات تربوية واجتماعية وحزبية من المنطقة.
العقله
افتتح المعرض بالنشيد الوطني، ففقرة فنية ترحيبية قدّمتها مجموعة من زهرات مبرة النبي إبراهيم، فكلمة للأب فيليب العقله ممثّلاً المطران الياس كفوري قال فيها: "العطاء هو أن تقدّم للآخر من ذاتك، ممّا أنت بحاجة إليه، هذا هو العطاء الذي يتقبّله الله، نعطي ببشاشة وبصمت مطبق حتى نستأهل الأجر المرجو من مثل هكذا عمل، أن نشعر أن الإنسان يستحق الكرامة والاعتبار وأنه من مخلوقات الله عزّ وجل"
وأضاف: "نحن لسنا مع التعايش بين المسلمين والمسيحيين، بل نحن مع العيش لأننا عشنا هذا الاختبار بالقول وبالفعل، إذ أنّ كلّ منّا يتقبّل الآخر كما هو، ونحن نشكّل لوحة فسيفسائية أو أيقونة تجتمع فيها العائلات الروحية في هذا البلد لتشكّل المعنى الروحي لما يسمّى الإيمان بالله عز وجلّ، والذي يؤكّد كلامي من أسّس هذه الدار السيّد محمد حسين فضل الله السلام لروحه الطاهرة، فقد كان مدرسة في الإيمان وفي العطاء فكراً وقولاً وعملاً".
ناصر
ثم كانت كلمة للشيخ جمال ناصر من دائرة الأوقاف الإسلامية في مرجعيون وحاصبيا قال فيها: "عندما نستضيف أهل لنا هاجروا إلينا مكرهين ومقهورين وقصراً، إنما هاجروا إلى بلدهم الثاني والأوّل، وإنما هاجروا إلى قلوب تسعهم بمحبتها، وإلى أيادٍ تعطي بلا سؤال".
وأضاف: "في هذا الصرح الكريم إذا كنّا نقدّم لأهلنا فنحن نقدّم من باب الرحمة والمحبّة، وإذا كنّا قد ساعدنا إنسان، فإنما هو واجب علينا لنكون أمام أنفسنا أوّلاً محل احترام، ثم نكون أمام ربنا محل طلب الرحمة والفوز بالآخرة".
فضل الله
بعدها كانت كلمة لراعي الاحتفال رئيس جمعية المبرّات الخيرية سماحة العلّامة السيّد علي فضل الله قال فيها: "أعرب عن سعادتي بهذا اللقاء المتنوّع والجامع الّذي يأتي ليبلسم آلام الفقر الّذي يعانيه إنسان هذا البلد، ولا سيما النازحين السوريين فيه، وليؤكّد قيمة عاشها الأنبياء والرسل، وكانت أساساً في رسالاتهم، وهي تتمثل في استعادة إنسانية الإنسان على كل المستويات".
وأضاف سماحته: "لا يمكن أن يكون الإنسان إنساناً من دون أن يعيش إنسانية الآخر، ويتحسَّس آلام الناس ومعاناتهم، بعيداً عن كلّ الحواجز التي أدمناها، فالقلوب يجب أن لا تعرف الحواجز في محبتها وعطائها للآخرين".
وتابع: "مشكلتنا أننا نطيّف كلّ شيء ونمذهبه، حتى وصل بنا الأمر إلى أن نقسم الجراحات والآلام الإنسانيّة، فأصبح الواحد منا لا يتأثر إلا بجراحات ابن طائفته أو مذهبه أو فريقه السياسيّ، فيما يدير ظهره لآلام الآخرين وجراحاتهم".
وأكّد سماحته: "أنَّ الإيمان لا يتحقّق إذا لم يشعر المؤمن بمن حوله ويتحسّس آلامهم، وإذا لم يشعر بضرورة العطاء لكلّ فقير وكلّ محتاج، فالمؤمن لا يمكن أن يكون أنانياً أو متعصباً، أو يعيش الانغلاق على ذاته، بل إنه يعيش الانفتاح، ويحرص على التلاقي مع الجميع، فنحن هنا نلتقي بكلّ تنوّعاتنا الدينيّة والمذهبيّة على القيمة الإنسانيّة المشتركة... صحيح أننا قد نختلف في طريقة العبادة، وفي كيفية التواصل مع الله، ولكننا متفقون على أن نجعل حياة الإنسان في واقعنا أحسن ومستقبله أفضل".
وتابع: "لقد بنيت هذه المؤسّسات على قيمة العطاء، وبهذه القيمة نواصل المسيرة، ونحن هنا نلتقي لأجل العطاء لهؤلاء المحتاجين، ليعطونا في المقابل صكّ إنسانيتا وصكّ إيماننا. إننا نريد لهذا الوطن أن يكون نموذجاً في تلاقي أبنائه وتعاونهم، ونحن نحرص على هذه اللقاءات المتنوّعة التي لا نريدها لقاءات مجاملة، بل لقاءات العمل المشترك، وبهذا نستطيع أن نبني وطناً موحّداً، وأن نسدّ كلّ الثغرات والانقسامات التي يستغلّها الأعداء لزيادة الشرخ بين الناس وإرباك واقعنا، من أجل تمرير مصالحهم لا مصالحنا".
وتطرّق سماحته إلى موضوع الانتخابات البلديّة، فأكّد "أهمية الوحدة، لكن الوحدة في التنوّع التي لا تكون على حساب الكفاءات أو إلغاء الآخرين". وتوجّه إلى الذين يتحدثون عن النسبية قائلاً: "إن كنتم صادقين في طرحكم، فطبّقوها واقعاً عملياً قبل أن تشرّع في المجلس النيابيّ، لعلّكم بذلك تشعرون بأهميتها وتظهرون إيجابياتها"، وقال: "نحن مع تمثيل الجميع، فعندما يشعر أيّ مذهب أو طائفة بالغبن، سوف يتحوّل هذا الشعور إلى قنبلة موقوتة في المستقبل".
وأشاد سماحته بالشّعار المطروح "من الناس إلى الناس"، قائلاً: "أنه يساهم في بناء مجتمع الخير؛ المجتمع الذي يتعاون فيه الناس ليقوّي بعضهم بعضاً، وهذا لايتم إلا بتكاتفهم وتوحّدهم، ما يساعدنا على إخراج هذا الوطن من معاناته ومحنته".
وختم بالدعوة "إلى العمل سريعاً للخروج من النفق المظلم الذي يعانيه هذا البلد، لمواجهة تحديات الداخل الكثيرة وتداعيات ما يجري في الخارج، وإعادة بناء الدولة، وتعزيز عمل المؤسّسات، وتفعيل دورها".
اختتم الحفل بكلمة شكر من مدير مدرسة عيسى بن مريم في الخيام الأستاذ أحمد عطية، بعدها انتقل زهاء 250 طفلاً سورياً ولبنانياً إلى "كرمس فرح" في المناسبة.