لم تأخذ المواجهة النيابية على المقعد الماروني الشاغر في جزين إطارها الجدّي إلا بعد تقديم ابراهيم عازار نجل النائب السابق سمير عازار ترشيحه إلى الانتخابات. في المقلب العوني راهن كثر على أن عازار قد يتراجع عن خطوته، لكن هذا ما لم يحصل حتى اليوم، بالرغم من الدعم القواتي والكتائبي العلني لمرشح «التيار» أمل أبو زيد.
الرابية تستعدّ للاحتفال فيما عين التينة «المتّهمة» بأخذ القضاء الى «مواجهة ليس وقتها»، تؤكّد أنها ليست طرفاً للسبب نفسه، «ليس وقت المواجهات الآن».
لن يأتي موقف رئيس مجلس النواب، الداعم التاريخي لآل عازار، بالوقوف على الحياد ليخفّف من وطأة مشهد نيابي قد يعزّز الشرخ مع عين التينة، مع العلم أن الصناديق ستمنح المرشّح الفائز ولاية قصيرة تمتدّ حتى الصيف المقبل، الموعد المفترض لفتح صناديق النيابة «على شرف» 128 نائباً.
إضافة الى ابو زيد وعازار نزل الى ساحة المنازلة العميد صلاح جبران وباتريك رزق الله «المطرود» من صفوف «التيار الوطني الحر».
الرابية «مطمئنّة» لمصير مرشّحها أمل ابو زيد على اعتبار أن فوزه «مضمون» من دون أن يساورها قلق الصوت الشيعي، بالرغم من «نكسة» التباس التحالفات في زحلة والتي رأى فيها المقرّبون من ميشال عون وقوفاً لـ «حزب الله» بوجه أولى الترجمات السياسية لتحالف «الجنرال» و «الحكيم» في بقعة مسيحية حسّاسة.
في الانتخابات الماضية وزّع «حزب الله» أصواته بين حليف حليفه سمير عازار الذي نال 85.9% من البلوك الشيعي، فيما نال عضوا اللائحة كميل سرحال وانطوان خوري نسبة 42%.
أما النائبان زياد أسود وعصام صوايا من لائحة «التيار الوطني الحر»، فنالا نحو 52% من الصوت الشيعي، في مقابل النائب ميشال حلو الذي حظي فقط بـ13% من الصوت الشيعي.
«الرقم الشيعي» الهزيل لحلو هو الدليل الذي يرفعه العونيون بوجه كل مَن عايرهم بأن الصوت الشيعي في جزين هو الذي «نجّح» نواب ميشال عون. لا تتوقّع الرابية سوى «دفعة» جديدة من «الوفاء» من جانب «حزب الله» بتجيير ما يكفي من الأصوات التي تعكس مكانة التحالف السياسي بينهما.
«تجربة» زحلة تحديداً لم تُقلِق كل العونيين. فالمرشّحون الخمسة الاوائل على لائحة الأحزاب همّ من المحسوبين على «التيار البرتقالي» ومنحوا بلوكاً إضافياً من الف صوت من جانب مناصري «حزب الله».
وفي جزين ستكون الصورة واضحة ايضاً من خلال التأييد الضمني لـ «حزب الله» للمرشّح أبو زيد، والذي تؤكّد أوساط عونية أنه يمكن لمسه لمس اليدّ من خلال «الشغل» الذي يقوم به مسؤولو الحزب في القرى والبلدات والتنسيق القائم مع «التيار الوطني الحرّ» من أجل دعم أبو زيد، والذي ازداد وتيرة مباشرة بعد انتخابات زحلة.
هكذا سقط التوافق البلدي بين «التيار» والأحزاب المسيحية من جهة وآل عازار من جهة أخرى فذهب الجميع نحو خيار المعركة في النيابة أيضاً، فيما بدا لافتاً أمس إعلان منسقية جزين في «القوات» دعـم الحزب للائحة «نحنا لجزين» المدعومة من «التيار الوطني الحر»، مشدّدة على «التزامها الكامل باللائحة»، وذلك بعد يوم واحد من إعلان دعمها الصريح لأبو زيد ودعوة مناصريها «للتقيّد بهذا التصويت». وفي المقلب الكتائبي شكّلت زيارة ابو زيد الى النائب سامي الجميل تأكيداً للتعاون بين الطرفين.
وقد كان عازار واضحاً بأن الاتفاق على توزيع المقاعد البلدية واختيار رئيس بلدية توافقي من شأنه ان يضع حدّاً لترشيحه للنيابة، وبما ان السقوف كانت عالية من الجانبين مع فائض من العناد المتبادل، أخذ عازار خياره بترشيح نفسه للنيابة، مع العلم أن أوساط الرئيس بري تجزم أنه كان المشجّع الاول للتوافق لأن «المعركة غير مِحرزة»، لكن مع ترشيح عازار ترك حرية التصويت للناخبين المحسوبين عليه.
ويبدو أن «دروس» جزين تتخطّى بأبعادها مجرّد كونها معركة بلدية ممزوجة بانتخابات فرعية على مقعد يتيم شاغر. فأمل أبو زيد سيترجم بترشيحه ما كان في الماضي يصنّف في إطار الهلوسات السياسية: بعد الرسالة «البلدية» لمعراب والرابية في صناديق زحلة، وبالرغم من نكسة جونية، فإن التحالف العوني ـ القواتي سيعمل على ايصال نائب حزبي عوني الى الندوة البرلمانية، مع تحالف جديد على السمع يشمل «التيار الوطني الحر» و «القوات» و «الكتائب» و «حزب الله» يزكيّ خيار ابن مليخ.
نقطة الضعف الأساسية في ترشيح ابو زيد تكمن في كونه آتياً من قرى القضاء ليرث مقعد ابن مدينة جزين وتحديداً مقعد الحلو إحدى أكبر عائلات جزين. لكن مرشّح «التيار» الذي تربطه علاقة جيدة مع الرئيس بري يرى أن «هذا الانتماء الى مليخ، إحدى بلدات القرى الشيعية في جبل الريحان، يشكّل قيمة مضافة للترشيح بما يعكسه من معاني التعايش والتواصل مع الآخرين».
ويبدو واضحاً أن «لينك» العلاقة الإيجابية بين أبو زيد وبري لم يكن كافياً لضغط عين التينة باتجاه تجنّب معركة نيابية ستعيد حتماً رفع المتاريس بين عون وبري، فيما ترى أوساط جزينية أنه كان على رئيس مجلس النواب أن يراعي واقع أن الانتخابات النيابية الأولى بعد توقيع تفاهم معراب كان يجب أن تقابل بإيجابية واحتضان من جانب رئيس مجلس النواب وليس الظهور بمظهر «المناوئ» له.
يقدّر العونيون لبري موقفه المعلن بالوقوف على الحياد، لكنهم يكشفون عن زيارات يقوم بها بعض مسؤولي «حركة أمل» على بعض المفاتيح الانتخابية لدعم المرشّح عازار.
والمفارقة أن «التيار» الذي أطاح المرشّح المدعوم من «حركة أمل» سمير عازار عام 2009، عاد الى ساحة المنازلة النيابية بمرشّح اختار شعار «كلنا أمل» لاعباً على الكلام بأسلوب يراهن العونيون على ان ينعكس إيجاباً في صندوق الاقتراع.
من جهة أخرى، فإن المقرّبين من عازار يجزمون بأن الرجل قام بردّة فعل وليس الفعل عبر محاربة المنطق الإلغائي الذي فرض عليه من خلال أسلوب التعاطي معه في المفاوضات البلدية وكأن جزين ملك لأشخاص وأحزاب من دون الأخذ بالاعتبار حيثية العائلات الكبرى فيها، فيما يعوّل عازار على رصيد كبير من العلاقات مع أبناء جزين والعائلات ورث جزءاً كبيراً منه من والده.
ويسجّل للمرشّح العميد صلاح جبران أنه أول من قطع طريق التزكية على خيار أبو زيد فيما المقرّبون منه يجزمون أنه سيستفيد بشكل أساسي من بلوك أصوات البلدات المجاورة لمنطقته ضهر الرملة.
أما ترشيح باتريك رزق الله، فيدخل في إطار تسجيل الموقف في وقت تمايز فيه المرشّح المغضوب عليه من قيادة «التيار الوطني الحر».
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-05-18 على الصفحة رقم 2 – سياسة
السفير