بين الشمال والجنوب، أصبح البحر الأبيض المتوسط اختصاراً للمأساة الإنسانية ومقبرة عميقة لأحلام الباحثين عن غدٍ أفضل. ويومياً، تتحول عمليات الإغاثة إلى شاهد إضافي على كيفية إدارة المنظومة الدولية لحروب وويلات وفقر دولٍ هشّة. هكذا، لم تترك صورة المنقذ الذي حمل جثةً جديدة لطفل، أمس، انتشل من عرض المتوسط أثراً كما فعلت مرةً صورة إيلان، وكذلك أرقام "شهداء البحر"، الذين قد ينضم إليهم المئات اليوم، بعد غرق مركب جنوب جزيرة كريت، كان ينقل 700 مهاجر إلى أوروبا.
وقد يصبح مئات المهاجرين في عداد المفقودين بعد غرق مركبهم، الذي كان يحمل 700 مهاجر، أمس، جنوب جزيرة كريت اليونانية، في وقت أعلنت فيه منظمة الهجرة الدولية أن الأسبوع الحالي سجل رقماً قياسياً للموت في البحر المتوسط، مع تحسن أحوال الطقس وعودة مهربي البشر إلى ذروة نشاطهم.
وقالت المنظمة إن القارب الذي أبحر من شمال أفريقيا، من دون تحديد البلد الذي انطلق منه، كان على متنه ما لا يقل عن 700 شخص.
من جهتها، لم تؤكد شرطة الموانئ اليونانية هذه الأرقام، لكنها أشارت إلى أن "مئات" من الأشخاص كانوا على متنه.
وأدَّى غرق القارب إلى تأكيد مقتل تسعة أشخاص تم انتشال جثثهم، بحسب آخر حصيلة لوكالة "أسوشييتد برس"، في وقت ساهمت خمس سفن تجارية مشاركة في عمليات البحث، في إنقاذ 340 شخصاً حتى ليل أمس.
وذكرت شرطة الموانئ اليونانية أن 242 من الناجين سيتم نقلهم إلى إيطاليا، و75 إلى بور سعيد في مصر، وذلك بموجب قانون الإنقاذ البحري، فيما تبقى وجهة باقي الناجين غير محددة، كما لم تتوافر أي تفاصيل بشأن جنسياتهم.
وواصلت دوريتان تابعتان لخفر السواحل اليونانيين وطائرتان ومروحية أمس، عملية الإنقاذ بين المياه اليونانية والمصرية على بعد 75 ميلا جنوب جزيرة كريت، في ظل أحوال جوية جيدة، لكن على وقع رياح شديدة.
وأوضحت السلطات اليونانية أن القارب، وطوله 25 متراً، "غرق نصفه" ورصده قارب آخر.
من جهة أخرى، لفت خفر السواحل الإيطاليون إلى أنهم تلقوا نداء استغاثة من سفينة تجارية إيطالية مساء أمس الأول جاء فيه أن قاربا يحمل على متنه مهاجرين يواجه صعوبات في منطقة تقع بين المياه اليونانية والمصرية. وأمس أبلغت إحدى هذه السفن أن القارب غرق.
إلى ذلك، أعلنت البحرية الليبية أمس، العثور على جثث 117 مهاجراً، بينهم أطفال، على الأقل على شاطئ مدينة زوارة غرب ليبيا التي ينشط فيها تهريب المهاجرين، في ظل الفوضى التي تغرق فيها البلاد.
والأسبوع الماضي، قضى نحو 700 مهاجر، بينهم أربعون طفلاً، كانوا يحاولون الوصول إلى إيطاليا في ظروف مرعبة في ثلاثة حوادث غرق قبالة ليبيا، بحسب الأمم المتحدة.
ولم يؤكد مصدر ليبي ما إذا كانت الجثث التي عُثر عليها في زوارة تعود إلى أشخاص كانوا يستقلون أحد الزوارق التي غرقت الأسبوع الماضي.
ولمدينة زوارة التي يقطنها ليبيون من الأمازيغ، خصوصية، باعتبارها أقرب نقطة ليبية للانطلاق باتجاه السواحل الإيطالية، إذ تبلغ المسافة بينها وبين جزيرة لامبيدوزا نحو 220 ميلاً (354 كيلومتراً).
وتظهر آخر عملية غرق أن المهربين قد يكونون يبحثون عن طرق أخرى لتجنب القوة البحرية الأطلسية المنتشرة بشكل أكبر في الشمال الشرقي بين الساحل التركي والجزر اليونانية، في مكان قريب من جزيرتَي ليسبوس وخيوس.
وفي بيان نُشر على صفحتها في "فايسبوك"، حَمَّلت بلدية زوارة «كامل المسؤولية لكل المسؤولين سواء في دولة ليبيا أو المنظمات الدولية عن صمتهم الغريب".
وقالت منظمة الهجرة إن الأسبوع الحالي قد يسجل رقماً قياسياً لعدد اللاجئين الذين قضوا في البحر المتوسط، بعد غرق مركب أمس، إذ تأكد مقتل 62 مهاجراً منذ 25 أيار الماضي، فيما سُجِّل 917 مهاجراً في عداد المفقودين، وذلك في تسع حالات طوارئ أعلن عنها على خط ليبيا – إيطاليا البحري الذي يسلكه المهاجرون.
("السفير"، أ ف ب، رويترز، أب)
(24)