أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

لبنان سويسرا السرق!

الثلاثاء 07 حزيران , 2016 07:52 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 41,161 زائر

لبنان سويسرا السرق!

بحياة ربّك نحنا سويسرا الشرق على شو؟ على الخَضار يلّي صار في منّو بكلّ صحاري العالم، عالهوا العليل المطعّم بكلّ نكهات الزبالة والبنزين، على الأكل الشهي يلّي أكثره غير مطابق لأدنى المواصفات، على التراث الذي استبدلناه بشاشة الأيفون، على التعليم والطبابة والخدمات التي لا نقدر على تسديد نص ربع كلفتها، أو على الأخلاق والتعايش والمحبة والبنى التحتية والأهداف الوطنية المشتركة التي تجعلنا نتشبّه بأحد أسعد البلدان في العالم.

منذ يومين تقريباً أجرت الحكومة السويسرية استفتاء حول رأي الشعب في تقاضي كل فرد راتباً شهرياً حكومياً بقيمة 2500 دولار للعاملين والعاطلين عن العمل. والجميل في الأمر أنّ حوالى 77% من شعب لبنان الغرب طلبوا من الحكومة أن تبلّ الاقتراح وتشرب ميتّه.

وعلى فكرة، سويسرا دولة فدرالية ومقسّمة أكثر من صينية كبّة، ومع ذلك تبيّن أنّ غالبية الشعب الذي يعيش في كانتونات مختلفة يتشارك الرأي على الأمور المصيرية. وهم أكيد رفضوا الاقتراح لأسباب نجهلها نحن بطبيعة الحال، لأننا لم نعتد لا على فكرة الوطن ولا فكرة التعايش...

ونحن في سويسرا شرقِنا التعيس، فلا حاجة لنا لمعاش شهري أصلاً. أكيد لا حاجة للمعاش الذي لا يدفع كمبيالة المنزل ولا قسط المدرسة ولا فواتير الهاتف والكهرباء والبنزين والانترنت، ولا حتى الطعام والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية التي تُقدّم لنا على عينك يا تاجر ومنذ سنوات على أنها Fresh وجاهزة للقضم. لسنا بحاجة أصلاً إلى معاش وُلِدَ "و ما عاش"، وإلى لَحسة عَيش وإلى لعنة نظام نحن فيه رقم "أكيد ما بيتخطّى الصِفرين" عالشمال.

جارنا أبو كريم وفارس الدكنجي وتانت إم جانيت هم من الأشخاص الذين يضرب بهم المثل في حيّنا. كلهم حازوا شهادات عالية، عالية جداً، تُعلّق على أعلى جدار في المنزل وتحتها بحر من الأحلام الغريقة التي لم يسمح لها المعاش بأن تطفو إلى أيّ سطح.

حتى أنّ كريم نفسه نال شهادة تفوّق من الجامعة وسجّل براءة اختراع باسمه، وحدّثه مسؤول كبير لشراء الاختراع وبعث له زعيم سياسي بارز برسالة تهنئة لا تنفك تانت إم كريم تستعرضها على الجارات مع كلّ زيارة وصبحية وعصرونية. ولكن شو صار بكريم؟ كريم يعاني كآبة حادّة يعيش مبنّجاً على الحبوب المهدّئة بعدما تبيّن أنّ كلّ شهادات التقدير حبر على ورق، حبر طعمه مرّ وورق صعب المضغ.

لكن هل يا ترى كانوا سيقبلون تقاضي راتباً حكومياً في لبنان، أم كانوا سيتشبّهون بأولاد عمّهم السويسريين، ويرمون، جرن الكبّة في وجه الوزراء ويلبطوا بالأرض بعنفوان، وبيقولولو إنو تراب الأرز أغلى من 2500 دولار بالشهر. إنتو عملو استفتاء على 200 $ وشوفو شو رأينا.

في كلّ بلاد العالم ينتحر الناس بالسم أو بطلق ناري أو بجرعة مخدرات أو برمي أنفسهم من علو، إلّا في سويسرا الشرق "يُنتحر" الشباب يومياً وأسبوعياً وشهرياً بعدد الوظائف التي يشغلونها لتأمين كيلو كفتة مرّة واحدة في الشهر للعائلة، أو لمعالجة ضرس مسوّس مرّة كلّ 10 سنوات.

اللبناني يتقاضى 33 ألف ليرة لبنانية من الضمان الاجتماعي عن كلّ ولد و66 ألف عن زوجته، واللبناني يتمنّى لو كانت فوائد المصارف حصصاً من اللحمة أو الدجاج، يا خييّ برغل وفاصوليا، حتى يقدر على إسكات جوع أولاده في المساء.

لبنان ليس سويسرا الشرق، لبنان هو السويسرا التي يسرقون فيها أحلامنا، ويسرقون لحظات السعادة التي نريد تمضيتها مع اولادنا، ويسرقون مستقبلنا، ويسرقون صحتنا، ويسرقون كل ما تقع عليه أيديهم حتى ندفع ثمن شعارات سويسرا شرقهم فيما نموت نحن في لبناننا... في سويسرا سِرْقِتنا عالمفضوح.

(جوزف طوق - الجمهورية)

Script executed in 0.19211006164551