مع بداية الصيف في لبنان ينطلق موسم الأعراس. فالعرس لم يعد مناسبة دينية لمباركة شخصين قرّرا تمضية العمر سوياً، إنما بات بازاراً استعراضياً للملابس الفاخرة، والألوان الفاقعة، والماكياج المُنكِّر للوجوه، والسيارات الفخمة والخدمات الـ «Signé»... وينفق فيه العروسان الغالي والنفيس «حتّى ما يتبهدلوا بعرسن».طرح صورة اجتماعية عن أنفسنا مفادها «مقتدرين وحلوين» تجد أرضية خصبة لها في موسم الأعراس. فتتحوّل العروس إلى نجمة تبحث عن أهمّ مصفّفي الشعر وأخصائيّي التبرّج وتجول على عشرات دور الأزياء والمصمّمين لانتقاء أجمل فستان، فهي أساس الحفل ومحطّ الأنظار. وتتعاون مع العريس لانتقاء مطعم أو حديقة مخصّصة لإقامة الحفلات، بالإضافة إلى مستلزمات «الزفاف الكبير».
المظاهر سيّدة الموقف
لتحقيق النتيجة المرجوّة يوم العرس لا يتردّد العروسان في التبذير بشكل هائل. وغالباً ما يتخطّى العرس إمكانياتهما المالية، فكلّ حسب طبقته الاجتماعية ووضعه المادي يخطط لعرس «أكبر منه».
يكشف المصوّر آلان الخوري لـ«الجمهورية» وهو صاحب مكتب لتصوير الأعراس أنّ «هدف شريحة من العرسان الذين يقصدون مكتبنا هو الحصول على تصوير في العرس مكتمل التجهيزات، تُستعمل فيه المعدّات والتقنيات الحديثة والمتطوّرة التي تتخطّى الـ Full Hd وصولاً إلى الـ 4k، بالإضافة إلى تصوير جوّي مباشر للعرس بواسطة طائرة التصوير يعرض على شاشات ضخمة أثناء الحفل، وتوفير عدد كبير من الكاميرات التي تغطّي أدق تفاصيل الحدث ...».
كلّ ذلك لتأمين مشهد ضخم أمام أنفسهم والمدعوّين. «ولكن تكون المفاجأة عندما لا يحضر العروسان لأخذ فيديو وصور العرس إلّا بعد فترة طويلة منه، وبعد أن نتصل بهم لأكثر من مرّة وذلك على رغم تسديدهم للمدفوعات». وكأنّ ليلة العرس ومراسمه انتهتا مع انتهاء السهرة فالهدف فقط الحصول على عرس ضخم!
الدين مسموح
من «العرسان» مَن يصل إلى نسف مدّخراته لإحياء حفل الزفاف، وآخرون يطلبون المساعدة المالية من الأهل، وعدد لا يستهان به لا يتردّد في اللجوء إلى المصارف لإستدانة المال. لجوء العروسين إلى القروض لتغطية نفقات العرس قابله تشجيع من البنوك إلى درجة أنّ بعضها أرسى قروضاً مخصّصة للأعراس «Wedding loan» مع تسهيلات في الدفع تمتدّ لسنوات بعد العرس.
ويروي جوني لـ«الجمهورية» وهو شاب في الرابعة والثلاثين اقترض مبلغ ثلاثين ألف دولار لإقامة عرسه، أنّ «زواجنا لم يدم إنما القروض بسببه فتدوم، وتدوم». ويكشف أنّه مازال يسدّد قروضاً بسبب حفل الزفاف الضخم الذي أقامه منذ سنتين، فيما علاقته بزوجته انهارت وباتت ورقاً على طاولات المحاكم تنتظر بطلاناً للزواج صعب المنال.
من جهته، يؤكّد شربل لـ«الجمهورية»، وهو في الـ 37 من العمر أنّه باع أرضاً ورثها عن والده للظهور بأبهى الحلل يوم زفاف أخته. «فبيتنا كان قديماً ويحتاج إلى ترميم وتغيير ديكور من الداخل. أنا لا أملك الـ Cash، فبعت أرضاً بمئتي ألف دولار، حتّى ما تتبهدل إختي بعرسها. إذ من المستحيل أن يأتي أهل العريس لطلب يدها في بيت قديم!»
المحال «التاجرة»
تستغلّ محال تجارية تقدّم الخدمة للأعراس هذا الواقع وهدف العروسين بإنجاز أفضل ما يمكن، و«بيمشي السلخ».
يروي سمير لـ«الجمهورية» وهو طبيب أسنان في الثانية والثلاثين من العمر ويتحضّر لعرسه في آخر تموز، كيف توجّه إلى أحد محلات الأزهار طالباً زينة مقبولة لعرسه، فصُدم لمعرفته بأنّ سعرها يبدأ من 7000 دولار، بينما لم يخطّط لصرف أكثر من 5000 دولار.
وكانت المفاجأة عندما عرضت عليه البائعة حلّاً، فاقترحت تأجيره ديكوراً للأعراس مؤلّفاً فقط من أحواض للسمك. فمقابل 5000 دولار لم يحصل على أزهار!
أمّا الخياطة النسائية مرغريت بارود فتؤكّد لـ«الجمهورية» بعد جولة قامت بها على عدد من المحال المعروفة لتأجير فساتين الأعراس أنّ «الأسعار غالية، والنوعية رخيصة».
وتضيف: «لا يتردّد البعض بطلب 3000 إلى 4000 دولار مقابل تأجيره فستاناً للعروس لمدة لا تتجاوز الـ 24 ساعة، علماً أنّه مصنوع من قماش رخيص ويشبه الفساتين التي يتم بيعها عبر المواقع الصينية على الانترنت». فهناك تُباع بـ 300 دولار وهنا تُؤجّر بـ 3000!
بعد السكرة... الفَكرة
نصب المحال التجارية للعروسين وبيعهما الخدمات في السوق السوداء خلال موسم الأعراس، لا يقف وراءه القيّمون على المحال وحسب، إنما يتمّ بتشجيع من هلع العروسين واستعدادهما لصرف مبالغ كبيرة لاحراز أفضل ما يكون.
وتتحدّث نتالي لـ«الجمهورية» وهي مدرِّسة تتهيّأ لمراسم زفافها في الصيف: «أنتظر عرسي محبطة بسبب كثرة صرف المال لإنجازه». فهي وعريسها يتعاونان لسداد قرضين: الأول قرض شراء بيتهما الزوجي، والثاني قرض لإقامة حفل العرس، إذ إنّ «الإثنين بالدين».
وها هو حفل الزفاف انتهى، الجيب متوتّر، فقد اهتزّ استقراره بشكل كبير، والآتي مسؤوليات جسام يرتّبها الارتباط الرسمي وبناء العائلة. المبالغ صُرفت وعادت الفَكرة، وربّما يأتي معها إدراك صعوبة سداد الديون بعد الزواج أو في أفضل الحالات شعور بصرف مبالغ طائلة لإحياء ليلة واحدة. فما في الجيب صُرف وما في الغيب بات واضح المعالم، علماً أنّ في الزواج «القلّة بتولّد النقار».
الجمهورية