أن تجلس في أحد المقاهي (Cafe-Trottoir) لإجراء مقابلة مع جورج خباز، تكون قد حكمت على نفسك بمقابلة "تقطيش". سلامات من المارين بسياراتهم، امرأة توقف سيارتها وتنزل مسرعة مع ابنتيها لالتقاط صورة معه والتعبير عن مدى محبتهنّ له، أخرى تسلّم عليه وتطلب من زوجها التقاط صورة لها مع جورج على رغم أنها سبق أن تصورت معه، فتاة لم تستطع إمساك نفسها من الضحك كي تسلّم عليه، «ما فيي شوفك وما إضحك»... جماهرية الفنان تُلمس من الناس في المقاهي والمارة في الشوارع، وليس من خلال رواد المقاهي الافتراضية والمارة على طريق الفايسبوك أو التويتر.هذا إلى جانب أنّ جورج خباز، ممثل، مؤلف، مخرج، منتج وملحن وأستاذ جامعي... فيتشعّب معه الحديث حول أمور ثقافية فنّية عديدة، من أعماله الجديدة إلى آرائه والاتهامات التي طاولته.
البيئة الحاضنة
انتهت عروض مسرحية جورج خباز الأخيرة «مع الوقت... يمكن» مساء الأحد الماضي، بعد أن استمرت لمدة 6 أشهر ونصف، ويقول جورج لـ"الجمهورية": "كان موسماً رائعاً، وبشهادة الجمهور والنقاد اعتبر أنّ هناك نقلة نوعيّة في هذه المسرحية وخطوة جريئة نحو الفانتازيا والتحليل السايكولوجي في المسرح الكوميدي".
وفي الوقت الحالي يحضّر فيلماً سينمائياً جديداً، من كتابته وبطولته، وإخراج أمين درة، ويتمحور الفيلم حول أهمية البيئة الحاضنة التي تكرّس الإنسان شخصاً جيداً أو سيّئاً. ويعتبر جورج أنّ "الجهل، الفقر، التطرف... وغيرها عوامل تؤدّي إلى أن يخرج الإنسان عن القيم، فاليد نفسها التي تذبح، لو وُلد صاحبها في بيئة حاضنة، لربما كانت يد عازف بيانو مثلاً".
ويبدأ تصوير الفيلم في أواخر أيلول المقبل على أن يُعرض في صالات السينما في أواخر عام 2017.
أما فيلم "غدي" الذي عُرض عام 2013 وطرح فيه جورج خباز قضية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، متناولاً موضوع الممارسات الإيمانية العمياء، فنال منذ بضعة أيام جائزة في اسبانيا في مهرجان الأفلام السينمائية التي تتناول حقوق الإنسان، وبهذه الجائزة يكون قد حاز "غدي" 11 جائزة من لبنان وخارجه لغاية الآن. وعلى رغم تعرّض الفيلم للقرصنة، باع 85 ألف بطاقة دخول إلى صالات السينما. ويرى جورج أنّ "الزمن يعطي السينما حقها، ويبين أيّ فيلم يبقى»، معلناً عن «مشاركته بكتابة فيلم سينمائي من إنتاج فرنسي لبناني"، يتكلّم عن تفاصيله عندما تتّضح.
مدمن
لجورج خباز 13 عملاً مسرحياً، 12 منها كوميدي ومسرحية "رفقا"، العمل المسرحي الإنساني الفلسفي الموسيقي الذي يعتبره "بركة في حياتي المهنية". ويتميّز نصّ جورج خباز المسرحي بأنه يحاكي الواقع المُعاش بطريقة كوميدية "مهذّبة" مشغولة بإتقان ولا يُسقط أفكاراً من كوكبٍ آخر على أرض المسرح.
وعن هذه الخلطة يشرح: "أنا من الناس، أعرف أوجاعهم وهواجسهم وجدلياتهم، لأنها أوجاعي وهواجسي وجدلياتي، وفي الوقت نفسه أبقى لمفردي، لأنّ الفن خلطة بين الواقع والخيال، ولتحويل الواقع إلى مشهدية يجب أن يتواجد الخيال، لذلك يجب أن ينفرد الإنسان بنفسه ليعطي خياله الوقت اللازم.
أعيش كثيراً بين الناس، لكنني أكتب لوحدي، كي أحافظ على مصداقيّتي بنقل واقع الناس من دون أن يكون واقعاً جافاً، بل في إطار لعبة فنّية. الكتابة ليست أمراً سهلاً، فيها صعوبة وخطورة".
عن الغزارة في الكتابة المسرحية المتواصلة، يعترف أنه أصبح "مدمنُ كتابة، لأنها وسيلةُ تعبيرٍ ومتنفَس لي كمواطن لبناني وكإنسان بشكلٍ عام لديه صراعاته الداخلية. جلساتي الكتابية على الورق قليلة، فالطبخة تتمّ في رأسي، وعندما أشعر أنّ النص استوى أُفرغه على الورق".
بين التكرار والهويّة
يُتّهم جورج خباز بالتكرار في أعماله المسرحية، ويشرح أنّ هناك "فرقاً بين التكرار والهوية، فأن أقدّم 12 عملاً مسرحيّاً في المسرح نفسه، والمساحة نفسها، ومع الممثلين أنفسهم، والنوع المسرحي نفسه كلها عوامل تؤدّي إلى الشك بوجود تكرار.
ولكن مَن يغوص في العمق يعرف أن ليس في المضمون أيّ تكرار". ويعطي أمثال عن "تشابلن الذي قدّم الشخصية نفسها في 12 فيلماً، ودريد لحام في شخصية "غوار" لمدة خمسين سنة وأثبت مع الوقت أنه مدرسة، ولديّ مجلات وجرائد يتهم فيها صحافيون معاصرون الأخوين رحباني بالتكرار، ومع الوقت تبيّن العكس وترك الأخوان وراءهما مدرسة كبيرة".
ويقول «أنا أؤمن بالوقت، وأملك الوعي الكافي ولا أسمح لنفسي بالتكرار. والقول إنّ هنالك تكراراً يعني الاستخفاف بعقل الجمهور. الجمهور ذكي جداً، ومنذ 12 عاماً ومسرحنا يستقطب جمهوراً أكبر. فتُعرض كلّ مسرحية لـ6 أشهر، بمعدل 6 عروض في الأسبوع، يشاهدها 600 شخص كلّ ليلة».
وعن عدم إدخال تغييرٍ على أحد عناصر مسرحه الشكلية، يوضح "أفتخر بفريق عملي والممثلين الذين يعملون معي، فأصبح لدينا مسرح موسمي، وأهم المسارح العالمية فرقها ثابتة من شكسبير وموليير..".
أما في مسرحيته الـ14 التي يبدأ عرضها كالمعتاد في الأول من شهر كانون الأول، فيطرح فيها جدلية «مَن أهم الإنسان أم إنجازاته؟»، ويقول «لا أملك جواباً إن كان هو كشخص أهمّ أو إنجازاته. سأطرح هذه الجدلية للناس من خلال شخص مشهور وحكاية معاناته مع شهرته».
بلا تفلسف وإقطاعية
في حين "ماشي النق" على القطاع المسرحي، نجح جورج خباز مسرحياً بشكلٍ لافت ومستمرّ، ويرى أنّ "الجمهور تعب من الحرب ومن أولويات الحياة وهمومها، ويعيش حالة ضياع، فلا يمكننا أن "نتفلسف" عليه. يجب أن يكون البعد الأول للعمل المسرحي سهلاً، إنما سهل ممتنع لا يستسهل بعقول الناس ولكن يتكلّم لغتهم، وأن يكون البعد الثاني "الإحساس" والبعد الثالث "التفكير". وهذا ما ننجح فيه لذلك نستقطب عدداً كبيراً من الناس".
ويشدّد على أنه "لا يجب حرمان أيّ شخص من الدخول إلى المسرح، إن من حيث سعر البطاقة أو من حيث مضمون العمل. أكره الإقطاعية بشتى أنواعها، خصوصاً الإقطاعية الفكرية. فلا يمكن أن يقول المسرحي أنا المثقف الجالس في برجي العالي، تعالوا أيها الناس اصعدوا إليّ، بل يجب أن يخرج من الناس، من أوجاعهم وهواجسهم. المسرح هو الشجرة المثمرة المتجذّرة في الأرض".
وفي إطار أعماله المسرحية شارك جورج خباز بكتابة العمل المسرحي "عطريق الحرير" لفرقة كركلا، الذي سيُعرض في افتتاح مهرجانات بعلبك 2016.
"الجمهور بدو سياسة وجنس"؟
شارك جورج خباز بالتمثيل في عشرات الأعمال التلفزيونية، وشارك بكتابة "فادي وراضي" مع كلوديا مرشليان، وكتب مسلسلين: "ساعة بالإذاعة" و«عبدو وعبدو" الذي حقق نسب مشاهدة من الأعلى في تاريخ التلفزيون اللبناني. عن ابتعاده من الأعمال التلفزيونية يقول "أنا في انتظار النّص المناسب، لا أملك الوقت لكتابة نصّ مسلسل تلفزيوني، وأرغب بأن أعود إلى التلفزيون بعمل يليق بالعودة".
وعن مقولة "الجمهور بدو سياسة وسكس"، يعتبر أنّ "هذه حجة مَن لا يعرف أن يكتب إلّا هذا النوع، فلكتابة كوميديا هادفة يجب أن يتمتع الانسان بخلفية انسانية ثقافية فكرية. الجمهور اللبناني يريد أن يحسّ ويحب ويفكر، يريد فنّاً جميلاً أصيلاً. الجمهور اللبناني توّاق للأعمال الراقية شرط أن تكون هناك أعمالٌ راقية حقاً. وأريد أن أقوم بعمل تلفزيوني لأشارك في تحسين نوعية الأعمال التلفزيونية".
عن عدم "تمديد حلقات عبدو وعبدو"، يلفت إلى أنّ "كتابة sitcom لوحدي متعبة، في الخارج يكتب الـ sitcom عدد من الأشخاص"، معلناً "من الممكن أن أقدّم "عبدو وعبدو" بفيلم سينمائي لنرى ما الذي حدث لهاتين الشخصيّتين".
مع الوقت
بدأت مسيرة جورج خباز المهنية الاحترافية منذ 20 سنة، في سنته الجامعية الأولى، ونشأ في بيئة حاضنة للفن ما ساهم في تنمية موهبته، ويعتبر "الموهبة كالنبتة إن لم تسقها تموت".
اتُّهم جورج خباز بتقليد زياد الرحباني، وتشابلن، وشوشو، ونبيه أبو الحسن، ودريد لحام.. وغيرهم، يجيب على الاتهامات ضاحكاً "كلّ إنسان سيُتهّم بأنه يقلّد أحداً. أنا متأثر بهم جميعاً، فهؤلاء الأشخاص انطبعوا في ذاكرتنا الثقافية، وإن استوحينا منهم هذا لا يعني أننا نقلّدهم. والوقت كفيل بأن «يغربل» ويحكم. واليوم يقولون لشباب مبتدئين أنهم يقلدون جورج خباز. أنا أقول، طبيعيٌّ أن يتأثر الانسان بمَن سبقه".
استطاع المسرح أن يستحوذ على جورج خباز بنسبة أكبر من التلفزيون والسينما، ويؤكّد "النجاح في المسرح نعمة، ويقول لي ممثلون أصدقائي: "نيالك قادر تعيش من المسرح وبالمسرح".
في فكره الباطني مشروع كوميديا موسيقية، comedie musicale مع عزف حيّ لأوركسترا على المسرح، يقول إنّ تنفيذه يتطلب كلفةً إنتاجية كبيرة. أما الهدفان الكبيران الأساسيان في حياة جورج خباز، فهما "الاستمرار بالعيش بكرامتي وأن لا يخذلني الوقت".
(راكيل عتيق - الجمهورية)