أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«وسطيّة أبو الياس» ولدت ميّتة... فجأةً غسل الأقربون والأبعدون أيديهم منها

الإثنين 26 كانون الثاني , 2009 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,712 زائر

«وسطيّة أبو الياس» ولدت ميّتة... فجأةً غسل الأقربون والأبعدون أيديهم منها

 

 بمجلس قيادة يضم ابنه في المتن وصهره إدمون غاريوس في بعبدا وحفيدته نايلة تويني في الأشرفيّة ونعمة جورج افرام في كسروان. ولكن يبدو أن السحر انقلب على الساحر (صاحب الخمسين عاماً من العمل السياسي)، فلم يصب في توقّعه اندفاع البعض لملاقاته في منتصف الطريق. والخيبة، كما يقول المترددون على عمارة شلهوب في اليومين الماضيين، كانت على مستويين، إذ سبق الأقربون الأبعدين في التبرّؤ من وزير الداخلية الأسبق (بين 1995 و2000):

• رئيس الجمهورية ميشال سليمان سارع إلى استقبال صهر المر ومرشحه في بعبدا إدمون غاريوس مع وفد بلديات ساحل المتن الجنوبي. وفي حضرة من انتظر سماع كلام مشجّع، نفض الرئيس سليمان يده من خطاب المر ليؤكد، بحسب ما نقل عنه، أنه لا علاقة له بكل ما يجري تداوله في هذا الموضوع، رافضاً المساجلة حوله أو الدخول في معارك انتخابيّة، وجازماً بعدم نيّته تبنّي مرشح أو دعم آخر.

وفي هذا السياق، يؤكد المقرّبون من سليمان أن الرئيس سيبقى على موقفه هذا حتى مساء 7 حزيران، ولن يُسجّل عليه أي موقف يدخله طرفاً في النزاع السياسي، رغم تأييده، بطريقة أو بأخرى، لما يسعى المر إلى تحقيقه. حيث يقول أحد النواب السابقين، المقرّبين من الرئيس، إن سليمان يفضل حصوله على كتلة نيابية «بعرق الجبين»، لا تقدمة من العماد ميشال عون أو غيره كما ينصح له بعضهم. لكن التزامه باتفاق الدوحة الذي جاء به رئيساً وبقسمه أمام المجلس النيابي يضع صدقيّّته على المحك إن قرر الانغماس في المعركة الانتخابيّة كما يأمل المر. وفي رأي أحد المتابعين أن تمسّك الرئيس بعدم تسجيل مأخذ عليه لناحية دعم فريق ضد آخر سيضعف المر كثيراً. إذ إن مواجهة عون، كما يقول المر قبل غيره، تتطلب توحيد جهود رئيس الجمهورية، بكركي، الجيش، ومؤسسات الدولة كاملة. والرأي العام، في الحالة المذكورة، سيتأثر بما يقوله الرئيس نفسه، لا بما يحاول المر أن يقوِّله إياه.

• حزب الطاشناق بدوره قطع الطريق على أحلام المر، الذي كان طوال الأشهر الماضية يجزم أمام ماكينته بأن دعم الحزب للائحته سيكون مطلقاً. حيث يبدو أخيراً النائب الطاشناقي في تكتل التغيير والإصلاح هاغوب بقرادونيان حريصاً جداً في ترداده أن الحزب يلتزم التصويت لميشال المر من غير حلفائه، دون أن يتضح ما إذا كانت تسمية المر تخبّئ عدم الالتزام بالتصويت لابنه إلياس، علماً بأن زمناً طويلاً مرّ على آخر لقاءات المر مع الأمين العام للطاشناق هوفيك ميخيتاريان الذي عاد من السفر قبل عشرة أيام ويستعد خلال اليومين المقبلين للسفر مجدداً، دون أن يلتقي حليف حزبه المفترض.

ويعتقد أكثر من متابع أن المر لا يمكنه، في ظل افتقاده زمالة الطاشناق، أن يحل محل أمين الجميل في قيادة المواجهة مع عون، ويشترط إبعاد نسيب لحود والقوات اللبنانية. فمن دون الطاشناق، لا يملك المر غير قوة تجييرية متواضعة تنزله منزلة نسيب لحود والقوات اللبنانية وربما سركيس سركيس. وعليه التأقلم بالتالي مع الانضواء في لائحة يخطط لها ويقودها سامي الجميل، إن لم تعجبه لائحة عون. وبحسب مصادر قريبة من حزب الكتائب، سمع بعض أهل الصيفي، قبل أيام من كلام المر الأخير، كلاماً عن طموحات أبو الياس، فأوصلوا له عبر قنوات متعددة ما مفاده أن عدد المرشحين، والشروط، وقيادة اللائحة تفرضها القوة التجييرية لا القدرات الخطابيّة. وفي هذا السياق، يُذكر أيضاً أن حزب الكتائب كان يسعى ليكون حزب الرئيس، وأحسّ في خطوة المر الاستباقية تحدّياً شخصياً يتمثل بقطع الطريق على الكتائب عبر إعلان شخصه حزباً للرئيس.

أما الأبعدون في قوى 14 آذار، فتكفّلوا إحراق كل ما بقي من آمال للمر على صعيد لوائحه الوسطيّة. والصفعة الأقوى له في هذا السياق كانت لنعمة افرام الذي طوّبه المر قائد مواجهة عون في كسروان قبل أن يبادر الأخير إلى الإعلان، عبر «مصادر مقرّبة منه»، عن مفاجأته بـ«طرح اسمه ضمن مجموعة من الأسماء وعلى امتداد المناطق ضمن ما يسمى الكتلة الوسطية»، مؤكداً تأييده وصول «مستقلّين إصلاحيين إلى الندوة البرلمانية للتخفيف من حدّة التجاذب السياسي القائم في البلد، دون أن يعني ذلك العمل على إنشاء كتلة وسطية واحدة جامعة ذات صفة معنوية قائمة»، لأن هذا سينفي الطابع المستقل لبعض من ينتسب إليها. ويحرص المقرّبون من افرام، الذي يتردد أنه اتصل بالعماد عون فور سماعه خطاب المر، على القول إنه لا اتصالات بين افرام والمر. وتشير المعلومات إلى أن افرام يعتقد أن المر تسرّع أخيراً، وسعى لأخذهم إلى حيث هو يريد دون أن يطلعهم على خطته. ويعتقد افرام أن ما يصح في المتن لا يصح في كسروان، حيث يخوض عون المعركة بنفسه. ويختم أحد المقرّبين من افرام كلامه بالإشارة إلى حديث افرام عن «مستقلّين إصلاحيين» لا مجرد إصلاحيين.

لاقى النائب السابق منصور البون صديقه افرام في منتصف الطريق من خلال تأكيده، على ذمّة من التقاه في اليومين الماضيين، أن آخر مرة التقى فيها المر كانت قبل عام، خلال القيام بواجب التعزية. وهو إذ يرفض التفاهم مع عون ثم مع جعجع لشعوره باستعلائهما عليه في منطقته، وتصرّفهما كأنهما أهل البيت، لن يقبل أبداً بأن يقوم المر بهذا الأمر، فيضعهما في ليلة لا ضوء قمر فيها أمام أمره الواقع.

وفي موازاة ذلك، كانت الأكثرية تتراجع عن تأييدها المعلن بعد يومين لمشروع المر، فأكدت القوات اللبنانية على لسان نائب رئيس هيئتها التنفيذية النائب جورج عدوان ضرورة تحييد الرئيس عن النزاعات لأنه الحَكَم. والمعلومات القواتيّة المتوافرة تشير إلى «إيمان» سمير جعجع بأن المعارك لا تُربح إلا بمواجهة مباشرة، و«الالتفاف أو التقنّع لا يجذب الناس ـــــ الشارع المسيحي خصوصاً الذي يريد قائداً يواجه عنه ويدافع عن مواقفه بشجاعة، فلا يختبئ خلف صورة غيره ـــــ. أما الحزب التقدمي الاشتراكي فرأى، ممثّلاً بالنائب مروان حمادة، بعد قول المر إنه سيتحالف مع الدولة والجيش والرئيس، أن فريقه «يمثّل الشرعية والجيش والمؤسسات». فيما كان النائب ميشال فرعون يستنتج على إحدى القنوات التلفزيونيّة أن الوسطيين هم «المحرجون من التنسيق مع 14 آذار نتيجة ماضيهم». وبعد ساعات قليلة من قول البطريرك نصر الله صفير إن الكتلة الوسطية ليست موجهة ضد عون، كان عميد حزب الكتلة الوطنيّة كارلوس إده يناقض البطريرك بقوله إن «الكتلة الوسطية ستجمع ناساً لم يتحمّلوا سياسة عون».

نتيجة كل ذلك، يقول زوار المر إن المهندس الذكي يعرف أن البناء الذي كان ينوي تشييده ساقط قبل إقامة أعمدة الأساس. ولدى سماعه المواقف «التخاذلية» يهزّ المر رأسه، موقناً أن مهمة أداء دور رجل العهد في ظل سليمان ستكون أصعب مما كانت عليه في ظل لحود، بينما يلتزم نواب تكتل التغيير والإصلاح توصية عون لهم بعدم التعليق، هم العارفون أن الوساطات بين الرجلين لم تنقطع، والمدركون أن خروج المر عن صوابه ليس سوى نموذج أول في مسلسل حانقين كثر لن تعجبهم شروط عون الانتخابية.

وبعد، ثمة من يقول إن الطبقة السياسية تتبّعت تفاعل الجمهور مع طرح المر، وفهمت بسرعة أن تأثير الوسطيين الجدد لن يكون أكبر من تأثير الوسطيّين السابقين ـــــ الدائمين أمثال تجمّع النواب الموارنة المستقلين (زمن الحرب)، مرعي بو مرعي، وديع الخازن، لقاء الوثيقة والدستور، الرابطة المارونية، حكومة الظل الشبابية. حيث أثبتت التجربة أن تأثير هؤلاء في السياسة لا يمكن أن يكون أكبر من تأثير جمعية فرح العطاء في الحؤول دون تقاتل اللبنانيين.

هل يعني ذلك كله أن «العالم» تخلّى عن المر؟ يقول البعض إن الطبقة السياسية اليوم تلتزم مبدأ «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض»، فتعمد أحياناً إلى التوبيخ أو التحجيم، لكنها لا تقصي أحداً من رموزها، فكيف إذا كان يملك ما يملكه المر من... مآثر؟ وبالتالي سيكون صالون هذه الطبقة مشرعاً غداً لأبو الياس، يدخله من الشباك إن أقفل الباب شكلياً.

Script executed in 0.18383407592773