أظهرت الأبحاث أنّ حالة بكتيريا الأمعاء قد تؤثر في كلّ شيء، بدءاً من التهابات الجسم، وصولاً إلى الوزن، مروراً بالبشرة فصحّة الدماغ. لكن الآن يمكن إضافة جانب آخر لا يقلّ أهمّية، هو المزاج. فما العلاقة التي تجمع بينهما؟يُعتبر الناقل العصبي "سيروتونين" من أكبر العوامل الموجودة في الجسم التي تؤثّر في المزاج، ويُطلق عليه عادةً هورمون السعادة بفضل قدرته على التأثير إيجاباً في المزاج، والقلق، والسعادة، إلى جانب مهام أخرى.
في حين أنّ جزءاً من السيروتونين يُنتج ويُستخدم في الدماغ، تبيّن أنّ 80 إلى 90 في المئة منه يُنتج في الأمعاء. وفي هذا السياق، قالت العالمة في "Stanford University School of Medicine" من قسم الأحياء الدقيقة والمناعة، د. إيريكا سونينبرغ، إنّ "هناك أدلّة حديثة على أنّ بكتيريا الأمعاء تستطيع أيضاً دفع هذه المنطقة من الجسم إلى إنتاج مزيد من السيروتونين".
طريقة انتقال هورمونات السعادة
هناك شبكة من الخلايا العصبية، والناقلات العصبية، والبروتينات المتمركزة في الأنسجة التي تبطّن المريء، والمعدة، والأمعاء الصغيرة والكبيرة تقوم بتسجيل التجارب والاستجابة إلى المشاعر.
هذا الجهاز العصبي المعوي الموجود في الأمعاء يُطلق عليه غالباً "الدماغ الثاني"، وهو يتصل بالجهاز العصبي المركزي. توصّل العلماء إلى أنّ الدماغ يرسل إشارات إلى الأمعاء، ولهذا السبب تحديداً فإنّ بعض الأمور، كالتوتر، قد تسبب مشكلات في المعدة، كالآلام، والإمساك، والإسهال.
غير أنّ الدراسات الأخيرة توصّلت إلى مزيد من الإثبات على أنّ هذا الإتصال يسير باتجاهين، بحيث أنّ الجهاز العصبي المركزي يستطيع التأثير في الجهاز العصبي المعوي، والعكس صحيح أيضاً. باختصار، تهيّج الجهاز الهضمي وعدم توازنه يرسلان إشارات إلى الجهاز العصبي المركزي فيُحدثان تقلّبات المزاج.
إضافة إلى ذلك، توصّلت دراسات عديدة، حصل الأشخاص الذين شاركوا فيها على مكمّلات البروبيوتك، إلى وجود نشاط دماغي في المراكز العاطفية للعقل، وانخفاض في مستويات هورمون التوتر المعروف بالكورتيزول، وتحسّن المزاج. إذاً، مرّة جديدة تؤكّد هذه الدراسات التي أُجريت على أشخاص يتمتعون بصحّة جيّدة أنّ هناك علاقة واضحة بين بكتيريا الأمعاء والحالة العاطفية.
لرصد توازن الأمعاء
أفادت الأستاذة المساعدة في الطب في قسم أمراض الجهاز الهضمي من "David Geffen School of Medicine" في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، د. كريستن تيليش، أنّه "لا توجد أدوات معيّنة يمكن الاعتماد عليها لتحديد مدى سلامة الأمعاء. ومع ذلك، إذا كنتم تتبعون الحمية الغربية التقليدية، من المرجّح أنّ بكتيريا الأمعاء بحاجة إلى المساعدة".
إذاً، كيف يمكن بناء أمعاء قويّة وربما تحسين المزاج في الوقت ذاته؟ صحيح أنّ مكمّلات البروبيوتك تحسّن صحّة الأمعاء، لكن ليس المطلوب الإعتماد عليها. يكفي تعديل المأكولات المستهلكة لتغيير صحّة الأمعاء والعقل نحو الأفضل.
في حين أنّ المكمّلات قد تؤدي إلى إصلاح سريع لدى بعض الأشخاص، إلّا أنه يمكن جعل الغذاء صديقاً للأمعاء من خلال إجراء تعديلات بسيطة وإدخال المأكولات التالية:
المواد المضادة للإلتهابات
تناول أطعمة تعرّضكم للإلتهابات يزيد احتمال سوء المزاج. ما يجب تفاديه يختلف من شخص إلى آخر بما أنّ ما يكون جيداً لأحدهم قد يشكّل مشكلة لنظيره.
إلى جانب رصد المأكولات التي عليكم تجنّبها، إحرصوا على إضافة أغذية مضادة للإلتهابات، كالسمك، والشاي الأخضر، وبذور الكتان، والثوم، والجوز، والبهارات كالقرفة والزنجبيل.
الألياف
إستناداً إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية، يجب تناول كمية جيّدة من الألياف تتراوح بين 25 إلى 37 غ في اليوم. هذه المواد الموجودة في الفاكهة، والخضار، والحبوب الكاملة، والمكسرات، والبذور تُعتبر مصدر الغذاء الرئيسي لبكتيريا الأمعاء.
وعلّقت د. إيريكا سونينبرغ أنه "عندما لا تحصل الأمعاء على الألياف، تبدأ بـ»أكل» بطانة الأمعاء، ما يؤدي إلى مشكلات معوية ونفاذية جدار الأمعاء. هذه البطانة المخاطية تشكّل حاجزاً رئيسياً لإبقاء بكتيريا الأمعاء على مسافة آمنة من الخلايا المعوية. أمّا عند تدهور هذا الحاجز، فقد يؤدي إلى التهاب مُزمن".
يُنصح بالتركيز على المأكولات الغنيّة بالألياف، كالبقوليات، والمكسرات، والبذور، والخضار الكرنبية كالقرنبيط والبروكولي، والفاكهة كالأفوكا، والإجاص، والتوت.
الأطعمة المخمّرة
هناك سبب وجيه وراء اكتساب هذه الأطعمة شعبية كبرى. عندما تكون الأطعمة مخمّرة، فإنّ البكتيريا أو الخمائر المستخدمة في العملية تحطّم الكربوهيدرات، والدهون، والبروتينات لإنتاج البكتيريا الجيّدة الصديقة للجهاز الهضمي.
يمكن الإستعانة بمنتجات الحليب المخمّرة، كاللبن، وأيضاً بأنواع أخرى من الأطعمة كالـ"Kefir"، والـ"Miso"، والـ"Natto"...
(سينتيا عواد - الجمهورية)