كتب عدنان بيضون:
هو من اكثر المؤهلين ليُكنوا بكنية مسقط الرأس ، بل انه الأجدر بهذه الكنية. لا أحد من بنت جبيل مقيما او مغتربا ،لا يعرف حسن . يحفظون وجهه ، صوته ،ضوضاءه ،فوضاه .. عن ظهر قلب ،. تعرفه حجارة البيوت ، تأنس لعبوره اوراق الشجر والعصافير البرية ،تتصل بقامته الفارعة كل الزواريب ويوحد صوته المجلجل بين حارة وحارةً . خرج حسن من كنف والديه فتى صغيرا شاهرا بيمناه دفتر اليانصيب في وجوه العابرين على الطرقات فيرى الناس حظوظهم باستراق لحظة في محضره، ولا يكون بينهم خاسر واحد ، لأن حسن كان جائزة الترضية الثابتة لكل المتعاملين بلعبة الحظ الوطنية . ولما خلت بنت جبيل من اهلها بفعل التهجير الناجم عن الاعتداءات الاسرائيلية، وضب حسن" عدته " وطار الى "الخليج" . هناك في ارض الثروات ، لم يتأخر حسن في نسج شبكة من العلاقات مع اهل البلاد ممتهنا المقاولات الصغيرة على مدى اكثر من عقد من السنين عاد بعده ليستقر في وطنه بعد ان تزوج وانجب . لكن سوء الاوضاع وغياب الاستقرار حملاه على الالتحاق بعائلته التي كانت قد استقرت في المهجر الاميركي، في منتصف التسعينيات . كان حسن من قلائل المهاجرين الذين ابتاعوا بيتا في مدينة ديربورن من مال حملوه معهم ! لكن بنت جبيل بأحيائها وشوارعها وما تبقى فيها من سكان ظلت تغازل مخيلته وتستفز حنينه فقفل عائدا اليها . كان مرض السكري قد اصاب منه مبلغا وهو يرفض الاعتراف به ولا يفاوضه او يداريه الى ان تكشف الجسد المنهك في الاسابيع الأخيرة عن مرض عضال تمكن من بقايا طاقة حراك فيه ،فأقعده ومهد لمغادرة ابدية سوف لن يقوى حسن على العناد أمام الحاحها وهو المعاند المجرب الذي سخر من فكرة الموت مستعينا عليها بكل انواع "الحياة" التي خبر مراراتها إناء الليل واطراف النهار
مات حسن امين ملحم سعد .. مات حسن بنت جبيل عن عمر ناهز الثالثة والستين . طوى آخر الصفحات على وقع صرخات من ألم وأنين شاهرا حبه ،غضبه ، فوضاه وحشرجة من ضوضاء في كل الامكنة التي حفظت خارطة جسده . حسن بنت جبيل كانت حجرة نومه بحجم مدينة.. نام أخيرا متوسدا كل احزان اهلها . قبر حسن اتسع لحجم مدينة من أحزان..