أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

قلة الأمطار الشتائية تقلق حياة بنت جبيل والمحيط واقتصادهما

الجمعة 20 شباط , 2009 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,563 زائر

قلة الأمطار الشتائية تقلق حياة بنت جبيل والمحيط واقتصادهما
بنت جبيل :
يضرب الحاج ابو حسين معوله في أرضه بقوة ليصل به الى عمق يتجاوز الـ40 سنتمتراً ليثبت أن الأرض وأهلها يمرون في فترة جفاف لم يروها منذ حوالى 25 عاما، فحتى على هذا العمق، وفي مثل هذا الوقت من السنة، جفت الأرض تماما من أي رطوبة ضرورية لزراعاتهم الخفيفة.
يشرح أبو حسين واقع الحال بالقول: «من المفروض أن تكون الارض على عمق أكثر من أربعين سنتمتراً لا تزال تحتفظ برطوبتها لا بل تغذيها أيضا من أجل الزراعات الموسمية وغيرها، إلا أن انحباس موسم الأمطار هذه السنة وقلتها وجهت ضربة قاسمة للزراعة».
يشرح المهندس الزراعي سليم مراد أن «أغلب الزراعات الموجودة في المناطق الجنوبية هي زراعات بعلية تعتمد على المخزون السطحي من المياه، وبالتالي فإن الانقطاع الطويل للأمطار أو هطولها بكثافة في أوقات متقاربة يؤدي الى ضياع المخزون». ويؤثر ضياع المخزون سلبا على الزراعات، لا سيما أن الشهور الأولى من الشتاء أو الأخيرة من الموسم الماضي لم تشهد هطول الكميات المعتادة من الأمطار.
في الحسابات الرسمية
تشير العديد من الدراسات الى أن الجو الحار المسيطر على لبنان خلال الصيف الماضي ومطلع الشتاء الحالي غير اعتيادي، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 35 في بعض المناطق. الليل نفسه لم يتحول إلى المناخ المعتدل، واستمرت درجات الحرارة مرتفعة طيلة فترة المساء. ومع بقاء درجات الحرارة أعلى من معدلاتها بكثير مقارنةً بالسنوات الماضية حيث وصلت على الساحل إلى 35 درجة، الأمر الذي سبّب صيفا ساخنا جداً وارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة خلال شهري تموز وآب المنصرمين لامسا الـ45 درجة مئوية على الساحل. وفيما تشير الدراسات إلى انه لا يمكن إجراء دراسة في شأن التغيير المناخي في منطقة واحدة من دون دراسة الحالة العامة التي تتأثر بها الكرة الأرضية، إلا أن الملاحظ انه في الفترة الأخيرة انحسرت كميات الأمطار المتساقطة وترافقت مع انحباس في الحرارة.
ولا يمكن استبعاد تأثيرات الحرائق الكبيرة التي شهدها لبنان خلال الفترة الماضية والتي أتت على مئات الهكتارات من الاراضي الحرجية، وهو من أدى الى انخفاض نسبة الرقعة الخضراء في لبنان التي لا تتجاوز أصلاً الثمانية في المئة من إجمالي مساحته، وهذا ما سيؤثر على الجو والمناخ، فمع انحسار الرقعة الخضراء تتراجع الرطوبة.
وينعكس الواقع على تاريخ بدء وانتهاء السنة المطرية التي تبدأ عادة في لبنان في شهر أيلول وتنتهي مع نهاية شهر أيار تقريباً، إلا أنها لم تنطبق هذه السنة لا في البداية ولا في النهاية على ما هو ظاهر حتى الآن، خاصة أن الأمطار انحبست قبل دخول شهر آذار بفترة السنة الماضية. كما «اعتصمت» السماء عن الإفراج عن أمطارها في خلال الكانونين بشكل منتظم وغزير كما كان يحصل.
ففي منطقة البقاع الأوسط التي فيها موقع لقياس منسوب المياه المتساقطة، فقد سجل هطول على مدار العام الماضي 592 ميلليتراً من المياه، فيما كميات الأمطار في هذه المنطقة منذ 1954 حتى اليوم هي 600 ملليتر. وفي الموازنة المائية فإن خسارة كل ملليتر من الأمطار في لبنان تعني خسارة عشرة ملايين متر مكعب. كما سجل فارق كبير بين الأمطار الهاطـلة في مطار بيروت وتلك الهاطلة في منطقة الغولف، حيث مركز آخر لقياس كمية الامطار الهاطلة، اذ ان الفارق يبلغ 110 ـ 112 ملم خلال شهر واحد تقريبا، علما بأن المسافة بين المطار ومركز الغولف حوالى كيلومترين فقط.
ويشير المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية المهندس ميشال افرام خلال إحدى محاضراته الى أنه «رغم الثلوج والأمطار خلال العاصفة الأخيرة، فإن لبنان لن يستطيع الخروج من دائرة التصحر التي تضرب منطقة الشرق الأوسط».
.. وكذلك على الأرض
هذا في الحسابات الرسمية، أما في حسابات المزارع نور فرحات فإن الأمطار التي شهدتها المنطقة هذه السنة هطلت في أوقات متقاربة وتميزت بطول الفترة بين الشتوة والاخرى، مما كان يؤدي الى جفاف الأرض، فيما «نحتاج الى شتوات خفيفة ومتباعدة منذ بداية ايلول وحتى نهاية نيسان لكي نحصد موسما زراعيا جيدا».
أما التأثيرات فيشرحها «باحتراق النبتة باكرا وحتى قبل أن تبلغ بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم نموّها طبيعياً بسبب الجفاف، وإلا اضطررنا للري وهي مشكلة أكثر منها حلاً بسبب قصة المنطقة مع مياه الشرب فكيف بمياه الري».
وهذا ما أدى الى الارتفاع الجنوني في أسعار الخضار، فقد وصل سعر كيلو البندورة إلى ثلاثة آلاف ليرة وكذلك قفز الخيار الى 1500 ليرة، فيما الحشائش المعروفة برخصها لا تباع بأقل من 750 ليرة للحزمة الواحدة، وحتى الفجل المعروف برخصه تعدى سعر الربطة الألف ليرة في تقلبات متفاوتة للأسعار.
ويشير علي أبو رياض إلى «أننا لم نعد نشهد أيام الصقيع القارس الذي كانت تتميز به المنطقة والذي كانت له تأثيرات ايجابية على الزراعة ايضا، خاصة زراعة الدخان والقمح، اذ ان انخفاض درجات الحرارة كان يقضي على البكتيريا والأمراض المضرة التي تعيش في التربة. ومن شأن الطقس المعتدل أن يساعد على تكاثر الحشرات والأوبئة. ويؤكد المزارع العتيق أن «الاتكال على الأمطار هو على ما يتساقط خلال الكانونين، فحينها تكون الارض باردة وتخزن المياه، أما شتاء هذه الشهور فإنه يتبخر مع الطلة الأولى للشمس».
ويشير أكثر من مزارع جنوبي إلى أن «مناخ الصيف يرتبط بالأمطار المتساقطة خلال شهر آذار ونيسان، وهو ما افتقدوه في خلال الموسم الماضي حيث انحبست الأمطار منذ العاشر من شباط، مما أدى الى موسم زراعي ضعيف تسبب بارتفاع الأسعار».
وبالمقارنة مع معدلات الأسعار السنوية لهذه الانواع من المنتجات على الموقع الالكتروني لوزارة الزراعة عندما كانت متوافرة وبنفس الفترة للتسعيرات السابقة، فيعتقد أنها تعود لكوكب آخر، فالخسة لا يزال سعرها 377 ليرة والخيار 751 للنوعية الجيدة، أما البصل الأحمر المستعمل في الطبخ فقد أقفل على 354 ليرة و69 قرشاً بالتمام والكمال.
وعليه يمكن قياس أحوال الزراعات الاخرى، خاصة زراعة الشمام المنتشرة في قرى تبنبن وصفد وبرعشيت والتي تتميز بزراعتها البعلية المعتمدة على الرطوبة.
ويشير مراد الى ان ما ظهر حتى الآن من نتائج لهذا الوضع على الزراعة يشير الى تقزم في حجم النبتة وجفافها مبكرا، خاصة القمح الذي لن يعطي الكمية المعتادة من السنابل، إضافة الى تقزم في الساق على ما يبدو من تباشير النباتات الصغيرة اليوم، وهذا ما ينطبق على جميع أنواع الحبوب وكذلك محاصيل صحاري الخضار والشمام الذي يشكل عماداً رافعاً ايضاً في الزراعة الجنوبية. ويتوقع مراد أن ينقص محصول الدخان في هذه السنة لان النباتات الورقية تعتمد على المخزون السطحي للمياه وكذلك الأمر بالنسبة للزيتون الذي ستحرقه درجات الحرارة المرتفعة.
وبالتالي فإن حساب الأمنيات عند المزارع الجنوبي هذا العام سيكون مخالفاً لحساب البيدر، وستكون الضربة الثانية له خلال عامين بعد خسارة محصوله خلال عدوان تموز 2006، فهل تكون الثالثة قاضية؟ سؤال برسم التعويضات المأمول وصولها.
ومع قلة الأمطار يتخوف أهالي الجنوب من استحقاق مياه الشفة ومخزون آبار التجميع حيث تشير المعدلات الحالية إلى أزمة مياه صيفية لا تنفع معها المياه القليلة التي تجمعت في كل بئر على مصطبة الدور. (السفير)

Script executed in 0.18281698226929