أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

المعلم كامل وحرفة جعل الحجر الأصم ينطق جمالاً

السبت 21 شباط , 2009 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 21,988 زائر

المعلم كامل وحرفة جعل الحجر الأصم ينطق جمالاً

أمضى حداد معظم سنوات عمره يعمل في ما يسميها «مهنة الأشغال الشاقة».. يعاين النتوء الصخرية، يحدد نوعيتها، سماكتها، قساوة حجارتها ومن ثم تقطيعها، لترتفع في مداميك متراصة أبنية صماء متينة. الحداد، الذي قوس انحناء العمل ظهره، وأكلت ضربات «الشاقوف» راحتي يديه، وما بدل تبديلا، يسخر من حجارة المناشير الكهربائية المعتــمدة في ورش البناء الحديثة، ويصفها «ببسكويت الحجارة»، جازماً بأن الفرق كبير بينها وبين «حجارة أيام زمان.. ما في مقارنة يا عمي، اليوم همهم المنظر الخارجي والديكور، وقديما كانوا يفخرون بالصلابة والمتانة».
يقول المعلم كامل إنه كان في حاصبيا ومنطقتها حوالى عشرين معلم بناء حجارة، «قضوا جميعا وبقيت بمفردي». وكان معظم هؤلاء من عائلات الحاوي والخوري وابو غيدا ورعد. اليوم يرى أن «المهنة بمفهومي إلى انقراض في منطقتنا حتى في كل لبنان، وربما تنتهي مع مغادرتي هذه الدنيا».
وعن الأسباب التي تحتم انقراض المهنة، يعدد المعلم كامل «التعب المضني، وشباب أيامنا «نعانيع» يركضون خلف الهين»، مضيفاً المناشير الحديثة والمتطورة، ومعامل صب الحجارة والسرعة في إنجاز كميات كبيرة من إنتاجها، وندرة اليد العاملة، ناهيك عن تفاوت الأسعار الكبير بين أسعار الحجارة المقصبة يدوياً وبين حجارة المقالع والمناشير. يجمع حداد العوامل في سلة واحدة تغذي تشاؤمه حيال مهنة أحبها رغم القساوة فيها.
تعلم المعلم كامل مهنة التقصيب منذ صغره عن والده سليم الذي كان يلقب «بشيخ البــنائين»، يقول. عمل مع أبيه في بناء أكثر من ألفي منزل في حوالى خمسين بلدة. في تلك الفترة التي تعود إلى أكثر من ربع قرن كان ثمن الحجر ربع ليرة وأجرة بناء المتر منه ليرة وربعاً: «كنا نبني في اليوم الواحد حوالى أربعة أمتار». أما أنواع الحجارة «فهي أكثر من نوع لا يعرفها سوى المعلم الماهر ومن أهمها وأمتنها الحجر الجوي ويليه البري، المليس، الصوان، الكدان، ولا يكتشف مدى قوة الحجر سوى شاقوف القصاب».
«الحجارة، يضيف الحداد، كنا نستخرجها من البرية ومن أماكن محددة غنية بالصخور يطلق عليها اسم المقالع. وعادة ما تكون المقالع في البداية بقعاً صخرية على شكل طبقات، نحفرها بدقة بواسطة عدّة خاصة قوامها وأهمها «المهدَّة والإسفين». وفي بعض الحالات النادرة يلجأ المعلم إلى التفجير بالديناميت». يقول المعلم كامل إنه «يمكن تقطيع 40 الى 50 حجراً يوميا، تنقل بمعظمها على ظهر عامل قوي البنية يستعين بحبل صغير ومتين لتثبيت الحجر فوق ظهره، ومن بعدها يقوم المعلم بتقصيبها وإعدادها للبناء بواسطة عدة متكاملة تبدأ «بالشاقوف والترتبيك والشاحوطة» وصولا إلى المطبة والميزان والزاوية».
«لم نكن نعتمد على البيتون أساساً في البناء» يقول الحداد، فالحجارة قوية تترابط مع بعضها ويتم وضع البيتون إمعاناً في المتانة، ولمنع نش مـياه الأمطار. «كنا نتفنن في البناء وأجمل ما أنجزناه القناطر المعلقة والعقود الحجرية»، يقول المعلم كامل، «خاصة في الأماكن العامة والكنائس التي بإمكان جدرانها مقاومة القذائف المدفعـية، ولهذا كنا نحتمي من قصف العدو الإسرائيلي داخل الكنائس المبنية بالحجارة الصماء، والفرق كبير بين تلك الجدران وجدران اليوم التي تهرّ بسهولة مع ارتجاجات جدار صوت الطائرات الإسرائيلية. ويختم المعلم كامل حديثه بوضع عدته في حضنه و«الترحم على أيام ... أيام البناء المتين لا أبنية البسكويت».

Script executed in 0.21718001365662