أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

كيف نفقت الألوف من ظباء السايغا خلال أيام؟

الأحد 18 كانون الأول , 2016 09:46 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 9,622 زائر

كيف نفقت الألوف من ظباء السايغا خلال أيام؟

نفقت مئات الآلاف من ظباء السايغا في غضون أسبوعين، ويحاول العلماء الآن معرفة ما حدث وسط السهوب النائية في وسط كازاخستان، وهو حدث غير عادي، تكشفت تفاصيله في مايو/أيار عام 2015.
تجمعت إناث السايغا بأعداد هائلة للولادة في سهل مفتوح على مدى عشرة أيام، وشاهد طاقم تصوير في "بي بي سي" وفريق من الباحثين كان يرافقه تلك الظباء تموت بمئات الآلاف في غضون أسبوعين فقط.. وقد صورت تلك الحيوانات في أحدث حلقة من برنامج الطبيعة الوثائقي لبي بي سي بعنوان "كوكب الأرض الثاني".
لكن لماذا حدث هذا الموت الجماعي؟
من خلال تجمع السايغا بهذا الشكل لأقصر وقت ممكن، يكون أمام أعداءها الرئيسيين، مثل الذئاب، الكثير من الفرائس، مما يجعل مواليد السايغا أقل عرضة للافتراس.
وتولد العجول كبيرة ومتطورة التكوين، إذ تتمتع السايغا بأكبر وزن عند الولادة مقارنة بأي من الحيوانات البرية ذوات الحوافر. وصبح بإمكان صغار السايغا أن تسبق الحيوان المفترس خلال بضعة أيام فقط.
كذلك فإنها تحتاج إلى أن تلد في وقت قصير كي تتزامن الولادة مع ذروة العشب الخصب قبل أن تجفف حرارة الشمس في هذا السهل القاري القاسي الغطاء النباتي.
وقد صور طاقم تصوير آخر من "بي بي سي" مثالا لا يصدق لهذا المشهد، للعرض في برنامج "عوالم الدب الروسي"، الذي يدور حول الطبيعة في الاتحاد السوفياتي السابق، وبث عام 1994. ويمكن رؤية القطعان الهائلة في ذلك الوقت هنا.

ولكن تطورات كثيرة حصلت في هذه الأثناء. فقد جرى اصطياد ظباء السايغا بشكل غير قانوني بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بهدف الحصول على قرونها ولحمها، إلى حد جعلها توشك على الانقراض في بدايات عام 2000.
وقد أدرجت كحيوانات مهددة بالانقراض بشكل حرج على القائمة الحمراء للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة في عام 2001.
وبحلول عام 2015، أثمرت أعمال المحافظة التي قام بها العلماء والحكومات والمنظمات غير الحكومية؛ إذ ارتفع العدد الإجمالي من نحو 50 ألف رأس في السنوات الأولى من الألفية إلى حوالي 300 ألف في أوائل عام 2015.
ويعود الفضل في الأغلبية العظمى لهذه الزيادة لسكان إحدى المناطق الوسطى من كازاخستان على وجه التحديد، ولذا، توجه إلى تلك المنطقة طاقم تصوير برنامج "كوكب الأرض الثاني" لتصوير لقطات لمشهد ولادة الظباء في عام 2015.
وقد رافق باحثون من الكلية الملكية البريطانية للطب البيطري فريق بحث نظمته جمعية حماية التنوع البيولوجي في كازاخستان، بهدف مراقبة عمليات الولادة لمعرفة المزيد عن بيئة السايغا.
بيد أن استراتيجية السايغا في الجهود المكثفة للولادة المضغوطة في الزمان والمكان لها كلفتها. فهذا وقت الإجهاد الفسيولوجي الهائل للإناث مما يجعلهن عرضة للأمراض والوفيات الناجمة عن الولادة، كما أنه لا يعتمد على الطقس السيء، إذ تموت العجول غالبا جراء التعرض له.
في معظم السنوات، تسير الأمور على ما يرام، إلا أن التاريخ البيئي للسايغا مليء بالوفيات الجماعية من الأمراض في موسم الولادة.
وفي الواقع، فإن سبب توجه الطلاب من الكلية الملكية للطب البيطري لرصد عمليات الولادة هو الموت الفوري لأعداد كبيرة من العجول في منطقة الولادة لقطيع آخر قبل بضع سنوات فقط..
ولدى تجمعها للولادة، أصبح عدد متزايد من الإناث ضعيفا وغير متناسق في حركته ونفق في غضون ساعات. وتبعهن العجول بعد ذلك بقليل. وسرعان ما تناثرت الجثث في مساحة واسعة تمتد على مدى مئات الكيلومترات، إذ بدا أن كل حيوان مات خلال فترة لا تتعدى بضعة أيام.

وكان النفوق الجماعي هذا مأساة رهيبة. وكان بداية للبحث في جميع أنحاء العالم عن إجابات، بعضها أكثر غرابة من الآخر، فقدأُشير إلى "مخلوقات فضائية" في وسائل التواصل الاجتماعي عدة مرات.
وكوننا علماء في السايغا، كان لدينا مشاعر مختلطة؛ إحساس بالدمار الشخصي لأنواع الحيوانات التي نهتم بها وفضول لحل لغز علمي مذهل على حد سواء.
والسؤال هو ما هي الآلية المحتملة التي أدت إلى موت القطعان بسرعة كبيرة جدا؟
هذه ليست الطريقة التي يعمل فيها مرض معدٍ؛ فالعدوى تنتشر بين القطعان على مدى فترة من الزمن، وكذلك لا تقتل الطفيليات "مضيفها" بهذه السرعة.
وهذا يشير إلى طريق غير معدية؛ هل يمكن أن تكون سما بيئيا أو اختلافا حادا بالطقس؟ ولكن أي نوع من العوامل البيئية الثابتة يمكن أن يؤثر على العديد من الحيوانات في ذات الوقت تقريبا على مساحة ضخمة (168 ألف كم مربع؛ أي أكبر من مساحة إنجلترا وويلز مجتمعتين)، في بيئة متغيرة بشكل طبيعي في الطقس والنبات في هذا الوقت من السنة؟
وبفضل منحة من الصندوق العاجل لمجلس بحوث البيئة الطبيعية التابع للحكومة البريطانية، إلى جانب التبرعات السخية من الجمعيات الخيرية للحفاظ على البيئة ومن أفراد في جميع أنحاء العالم، عملنا بسرعة على تشكيل فريق دولي متعدد التخصصات لدراسة المرض وأسبابه.
ومن خلال قيادة ريتشارد كوك من الكلية الملكية للطب البيطري ومشاركة زملاء من معهد أبحاث مشاكل السلامة البيولوجية التابع للحكومة الكازاخستانية وجمعية المحافظة على التنوع البيولوجي في كازاخستان وجامعتي أوكسفورد وبريستول ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ضممنا إلى الفريق علماء في البيئة والطبيعة، وأطباء بيطريين.
وأرسلنا فريقا إلى الميدان لجمع عينات من البيئة، ومن السايغا النافقة، وتلك التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وذلك بعد أسبوع من بدء أول أفراد السايغا في النفوق.
على أحد المستويات، وجدنا الآن الإجابة؛ السبب المباشر للوفاة كان تسمما من العدوى ببكتيريا "انتهازية" توجد بشكل طبيعي في الجهاز التنفسي للحيوانات وتتحين الفرصة لتصبح قاتلة. وتعرف هذه البكتريا باسم "الباستوريلا".
غير أن السؤال التالي هو: لماذا أصبحت هذه البكتيريا غير الضارة عادة، خبيثة؟ ما هو المحفز البيئي أو الداخلي، سواء الذي قلل من مناعة الحيوانات لهذه البكتيريا أو حفز البكتيريا لأن تصبح خبيثة، أو كلاهما؟

ولدى طرح هذه الأسئلة، كان بحثنا كالدمية الروسية؛ فكلما نزعنا طبقة من التفسير نجد المزيد من الأسئلة في الداخل.
وقد عدنا إلى الملاحظات الميدانية القديمة من معهد علم الحيوان في كازاخستان عام 1988 عندما حدثت وفيات جماعية مماثلة؛ واستعرضنا البحوث حول الوفيات الجماعية لأنواع أخرى من الحيوانات؛ وبحثنا عن الاختلافات في تكوين الغطاء النباتي بين عام الوفيات 2015 وفي سنوات أخرى؛ وبنينا نماذج إحصائية لاستكشاف التغييرات في درجات الحرارة، وسقوط الأمطار على مدى مجموعة من الجداول الزمنية والمكانية المختلفة.
كما فحصنا عينات من الأنسجة والبيئة لإجراء اختبارات عن السموم، فضلا عن عوامل أخرى مسببة للمرض، في حال وجود بعض العدوى الكامنة المسببة للوفيات.
وحتى الآن، تشير الأدلة إلى مزيج من اختلاف حالة الطقس خلال فترة قصيرة ولكن على نطاق التضاريس المعنية، والإجهاد النفسي من الولادة الذي يسبب تأثيرات سلبية متتالية على الصحة، ولم نجد دليلا على وجود سموم بيئية أو أي التهابات كامنة أخرى أو تأثيرات دخيلة على تلك البيئة من الخارج.
وكان هناك اهتمام جماهيري كبير بهذا الحدث، سواء داخل كازاخستان أو على الصعيد العالمي. فالناس يريدون إجابات سريعة، ويريدون منا إيجاد حلول كي لا يحصل هذا الشيء مرة أخرى نهائيا.
ومع ذلك، يبدو أننا لن نتمكن من توفير الإجابة اليقينية المطلوبة؛ ففي الواقع، من المرجح أن هذه الأنواع من الأحداث ستصبح أكثر انتشارا مع تغير المناخ. بيد أن لدينا رسالة واحدة واضحة وقوية: هناك حاجة إلى قطعان متكيفة ووفيرة من ظباء السايغا، مع توفير حماية قوية من الصيد غير المشروع.
هذه أنواع تعيش الحياة على الحافة، ورغم أنها عرضة للموت الجماعي إلا أنها قادرة على التعافي بسرعة كبيرة.
لكن هذا يعني أنها بحاجة لأن تكون بأعداد كبيرة في مراع مفتوحة كي تبقى على قيد الحياة. وقد فتحت هذه الكارثة الكبيرة والشائعة جدا فرصا جديدة لنا كباحثين مهتمين بظباء السايغا، ودعاة إلى الحفاظ عليها، للتأكد من أنها تحصل على الحماية التي تحتاجها لتزدهر وتستمر في تقديم المشهد السنوي المذهل الذي اجتذب طاقم "بي بي سي" إلى تلك السهوب النائية في المقام الأول.
الكتاب: إي جيه ميلنر-غولاند؛ أستاذة التنوع الحيوي بجامعة أكسفورد، وإيريك مورغان باحث في الطب البيطري بجامعة بريستول، وريتشارد روك؛ أستاذ صحة الحيوانات البرية والأمراض الناشئة، بالكلية الملكية البيطرية في بريطانيا.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Earth .

 

Script executed in 0.18424296379089