لقد رماك القدر بسهمه، وكان المرض اسرع منا جميعا هذه المرة كان خاطفا الى حدود لا نعرفها من قبل ورحلت مضمخاً، بعطر الحق وثبات الموقف ، رحلت داخل غمام الضحكة التي كانت تختصر خيباتنا جميعا.
ادعي يا دكتور خليل ،ان الجالية التي فقدتك امس فقدت ايضا واحدا من صمامات الامان التي كانت تحمي وحدتنا وقوتنا تجاه الاعاصير والازمات، والتي كنت خارقا في استطاعتك لفهم تكوينها والتعامل معها.
ولا اعرف تماما اذا كان موتك السريع سببه المرض ام الحسرة على اطفال غزة وهم يُذبحون على صدور امهاتهم ؟ ام كان رحيلك الخاطف كالطيور المهاجرة، سببه الوجع الذي انهك جسدك وانت ترى الوطن الذي احببته ممزّقاً تتقاسمه اطماع ومصالح؟
هل كان رحيلك تعبا من حروبنا الصغيرة والتافهة في آن معا، التي تنتشر هنا وهناك فتفقدنا قوتنا ومناعتنا في هذا الاغتراب .
لا اعرف كل ذلك لكني واثقا يا ابا لؤي انك كنت على حق ، وكنت مصيبا جدا ان تطلب الرحيل الى جبل عامل ، ليمر رفاتك الطيب في رحلته الاخيرة في بيروت وصيدا وصور وعيناتا ويارون وعشرات القرى التي طهّرها دم الشهادة فجعلها تداني أسماء الله الحسنى.
نعم .. كنت مصيبا جدا يا ابا لؤي ، ان تطلب الرحيل الى جبل عامل ،وان توصي الانتقال الى جبانة بنت جبيل القديمة لترقد في مثواك الاخير الى جانب الاخضر العربي ورفاقه من الشهداء والميامين من ابناء مدينتك المقاومة الصابرة الصامدة ، لتحلق روحك هناك في فضاء تجويد القرآن المنبعث من حسينياتها. كي تفرح في دفء العويني امام الموقدة التي كنا صغارا نضع فيها حجرين وتغلي بينهما إبريق الشاي على الحطب،ثم تتمشى مختالا كمراهق في حنايا ساحة حي البركة التي سحق بها فتيان بنت جبيل جنود الاحتلال ، وتجاور من هناك مقبرة الشهداء في ساحة عيناتا، ثم تهبط إلى الأودية بين صف الهواء وشلعبون وعين ابل ثم تصعد من هناك الى قمة مارون الراس التي انبتق المجاهدين من ارضها التي احتضتنهم وفتحت قلبها لتحميهم لتنظر من هناك الى فلسطين قبلتك الوحيدة وقبلتنا جميعا .
بقلم - خضر صالح نائب رئيس بلدية كانتربري في سيدني استراليا