أقيم في المركز الإسلامي في أميركا في ديربورن - مشيغن، ذكرى أسبوع لرحيل المرحوم الأستاذ الحاج عبد المنعم الحاج عبد الكريم بزي وهو من أعضاء المركز العاملين والبارزين على مدى أكثر من ثلاثة عقود. شارك في التعزية ممثلون عن رئيس شرطة ديربورن رونالد حداد ورئيس شرطة مقاطعة واين السابق فيكانو بالاضافة الى حضور كثيف للجالية من محبي المرحوم . وقد تتالى على الكلام كل سماحة الشيخ محمد دبوق وسماحة الشيخ إبراهيم الكزروني وسماحة الشيخ حسن الحبحاب وسماحة الشيخ أحمد حمود ونجل المرحوم الدكتور كريم بزي وابن أخ المرحوم الحاج عبد الكريم بزي. وعرف الإحتفال الدكتور عبدالله ألبرت حرب وهو صديق المرحوم وفيما يلي نص من خطابه:
"وجعلنا من الماء كل شيء حي". أيها الماء المتدفق من شقوق الصخر وجدائل السماء. يا عميق الغور والسريان. يا نهرالأسرار الحامل في موجك موسيقى الحياة والمَوْجدة. منك تتوالد الشموس ولك تنحني القمم.
وأنت أيتها الريح التي تحملين سفينة أبو كريم: سيري به فوق نهر الأسرار برفق لأن جاحيه لطيفتان وضوءَ فضائه كان حنوناً رغم كل هذا الجنون. هو كان فيك أنبل عود فلا تقسو بأمواجك الطاغية عليه.
وأنت أيها الماء الذي نسكبه في الإبريق أو الفنجان: تأخذ شكل الوعاء الذي أنت فيه. في جميع أشكال الأوعية، يبقى جوهرك واحداً. وما هذا الشكل الخارجي إلا قناعاً. قناعٌ لمهنية الانسان ومكانته في المجتمع سواء كان المرء طبيباً أو تاجراً، مثقفاً أو أمّياً. إن جوهر كل إنسان، كالماء في الإبرق والفنجان، واحد.
وما العمر إلا رحلة من القناع الى الجوهر. سفرٌ من براقع الخارج وبهارجه إلى أنوار الداخل وأبديته. من الحدث الزائل الى القديم الذي لا يزول. ورحيلك أبو كريم درسٌ وعرسٌ. درس نتعلم منه ورع الهجران. وعرس للتحرر والانعتاق نحو الفرح اللامنتمي اللامنتهي. إنه هجران هذه الدنيا والتحرر من قيد الرغبات وأسر الثنائيات وسلاسل الهواجس: "اعلموا إنما الحياة الدنيا لعِبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم في الأموال والأولاد... ثم يكون حطاماً" – "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".
هو درسٌ يعلّمنا أَنْ بوعينا نهزّ عرش الوعي حتى الإعياء، فنتخطّى بوعيِنا وعيَنا حتى الطلاق والهجران للدنيا، كي نغوص بعده في محيط الداخل.
إذ في الداخل أسرار السماء. في أعماقنا كُمون الأزل. في نور الصدور وعتم القبور مفاتيح الأبد. في ألعمق شعشعة البروق التي تنير البصائر والمحجوبات.
ومن الرحيل ليلٌ لا ظلام فيه، ونورٌ لا تحرق نارُه، نراه ولا تراه العيون.
همْسٌ ورهافةٌ ولطائف ندركها، فلا تزيد في سِعتها الحروف والكلمات.
إنه عالم غير هذا العالم الحزين وكونٌ لم ترَه عين.
سرمدٌ وفضاء لا يحويهما زمن أو مكان.
تجاوز وتخطّي للمنظوم المعقول والأسماء كثيرة: جنة الفردوس- ملكوت السماء- النّرفانا- العدم البهيّ- المطلق الأسمى- الفراغ الأعلى الذي لا يحويه شيء ويحوي كل شيء.
كل هذا نتذكّره في رحيلك أبو كريم.
يا رحيلاً، به إلينا، نعود.
أيها العزيز الذي أحببت.
أيها الرفيق الذي به سُرِرت.
أيها الأخ الذي لم تلدْهُ أمي،
وكمِثل عيالك المشتاقون، كم إليك سأشتاق.
إلى الكلام الذي ليس بكلام، الى جميل السهرات.
وإلى أن نلتقي، فسلام.
سلامٌ لك في الختام.
يا ختاماً ألِقاً، به يبدأ كل شيء.
إسماعيل جمعة - بنت جبيل.أورغ