قضية إزالة بيوت في تجمّعي شبريحا والقاسمية للاجئين الفلسطينيين تثير تساؤلات عن سبب إسقاط «الأونروا» هذه التجمعات من أجندة مهماتها، وعن المخطط الرسمي العام لإيجاد تسوية مرضية بين أصحاب الأملاك الخاصة التي شيّدت عليها التجمعات والمخيمات، وبين منح الفلسطينيين الحقوق المدنية، ومنها حق التملك، في ظل إطلاق عملية التعداد السكاني لهم من قبل الحكومة
بعد سنوات من التجميد، تتسارع التحركات للبدء بالمرحلة الجديدة من مشروع استكمال أوتوستراد القاسمية – صور. بشكل لافت، وفي أقل من شهر، تبلغ عدد من سكان العزية، الممتدة بين تجمع شبريحا للاجئين الفلسطينيين وبلدة العباسية، قرار الحكومة اللبنانية إزالة 47 منزلاً تقع ضمن نطاق الطريق السريع. أولى محاولات جرف البيوت الواقعة في مشاعات العباسية انطلقت الأسبوع الفائت، لكنها توقفت سريعاً أمام انتفاضة المتضررين.
بدأ الأمر عندما أقرّت حكومة تصريف الأعمال، برئاسة تمام سلام، منح مجلس الإنماء والإعمار سلفة بقيمة 25 مليون دولار، تقدم الى شركة «الاتحاد» الملتزمة شق أوتوستراد صيدا ــــ الناقورة، لاستكمال الأعمال التي توقفت عند بلدة برج رحال. لحظ القرار أن المبلغ يعاد الى الخزينة بعد إقرار المجلس النيابي قانون قبول التمويل من البنك الإسلامي للتنمية، الذي موّل هذا المشروع. وفي جلسة برئاسة الرئيس سعد الحريري في 16 كانون الثاني الماضي، وافقت الحكومة على مشروع قانون يرمي الى الإجازة بإبرام اتفاقيتي استصناع ووكالة عائدتين لتمويل مشروع الأوتوستراد الساحلي الجنوبي (المرحلة الخامسة) من البنك الإسلامي للتنمية، وتفويض رئيس المجلس التوقيع عليهما وعلى مشروع مرسوم إحالتهما الى مجلس النواب.
الإصرار على الإنجاز السريع سبقه قبل أشهر صرف تعويضات لأصحاب المنازل التي ستزال. أساس التعويضات يعود الى دعوى قضائية رفعها رئيس بلدية العباسية السابق علي عز الدين ضدّ مجلس الإنماء والإعمار عام 2010، للمطالبة بتعويضها عن اقتطاع العقار رقم 66 من مشاعها البلدي وتنفيذ الأوتوستراد (تبلغ مساحته 505 دونمات، شيّدت البيوت على 50 دونماً منها). بعد عام واحد، حضرت لجنة التخمين الرسمية التي مسحت العقار وأحصت عدد البيوت ومساحاتها. من بين أصحاب البيوت السبعة والأربعين، هناك 25 لبنانياً و22 فلسطينياً.
بدأ اللبنانيون تشييد بيوتهم بمحاذاة حرج العباسية بعد الاجتياح الإسرائيلي لبلداتهم عام 1978، لا سيما مارون الرأس. أما الفلسطينيون فتمدّدوا من تجمّع شبريحا بدءاً من 1989.
قررت الدولة التعويض على البلدية بـ3 مليارات و284 مليون ليرة والبيوت بملياري ليرة
بحسب رئيس بلدية العباسية الحالي خليل كرشت، قررت الدولة التعويض على البلدية بمبلغ ثلاثة مليارات و284 مليون ليرة، والبيوت الـ47 بمبلغ ملياري ليرة. وحددت التعويض باحتساب قيمة المتر الواحد للأرض بـ100 ألف ليرة، وللمتر الواحد في البيوت بـ525 الفاً. وإذا كان التعويض قد جاء على قدر حجم البيوت، لكنه لم يأت على قدر أحوال أصحابها، إذ تتباين القدرات المالية للمتضررين. من امتلك القدرة على أن يزيد من مساحة بنائه واعتدى أكثر على الأملاك العامة، كوفئ بتعويضات تتراوح بين 110 ملايين و175 مليون ليرة. أما من اكتفى بالمساحة التي وضع يده عليها ولا يملك سوى بيت صغير سقفه من ألواح الزنك، فقد حظي بتعويض يصل الى 30 مليون ليرة. لا ينكر كرشت الظلم اللاحق ببعض المتضررين، فيما هناك آخرون "إمكانياتهم المادية تسمح لهم بشراء أكثر من بيت، ومنهم من لا يقيم فيه بل يؤجّره لنازحين سوريين". ويذكّر بأن أصحاب البيوت "لا يحق لهم التعويض لأنهم شيّدوها خلافاً للقانون، إلا أن البلدية اقتطعت من حقها للتعويض عليهم لكي لا يلحق بهم الظلم".
لتسهيل أمور المتضررين، أوضح كرشت أن بلدية العباسية "وفّرت لكل منهم على نفقتها براءة ذمة للمالية وقيمة التعويض المحتسب لهم، وما عليهم سوى التوجه إلى مجلس الإنماء والإعمار لقبضها بعد إبراز أوراقهم الثبوتية". كذلك تعهد أمام الوفود الرسمية والأهلية الفلسطينية التي زارته للبحث في القضية، بأن يساهم بمبلغ مالي لدعم أصحاب التعويضات القليلة.
كل تلك التسهيلات لم ترضِ غالبية المتضررين، لا سيما الفلسطينيين منهم. البعض لا يكفيه المبلغ لتدبّر البديل، فيما الجميع يصطدم بمنعهم من التملك. كرشت نقل عن بعضهم المطالبة باستبدال التعويضات المادية بقطعة أرض يشيدون عليها منازل بديلة. البيانات الصادرة عن اللجنة الشعبية في تجمع شبريحا استغربت تنصّل وكالة "الأونروا" من مسؤولياتها تجاه التجمعات وحصر عملها بالمخيمات الكبرى، وطالبتها باستئجار قطعة أرض لتشييد بيوت بديلة. حتى الأسبوع الفائت، بادر واحد من المتضررين بالتوقيع على الإخلاء. لكن الوقت ليس لمصلحتهم. القرار الرسمي جدّي وحاسم. المدّعي العام الاستئنافي في الجنوب أصدر استنابات قضائية بحق أصحاب البيوت المهددة بالإزالة، موعزاً إلى القوى الأمنية بالتدخل بالقوة في حال استنفدوا وقتاً طويلاً.
هل تُزال بيوت تجمّع القاسمية هذه المرة؟
بالتزامن مع احتدام قضية إزالة البيوت في العزية ــ شبريحا، حضرت القوى الأمنية السبت الفائت إلى تجمع القاسمية للاجئين الفلسطينيين، لإبلاغ حوالى 50 منهم (النطاق العقاري لبرج رحال) بإخلاء منازلهم وهدمها على نفقتهم الخاصة، تنفيذاً لقرار صادر عن محكمة جزاء صور، لتشييدها على أملاك خاصة، علماً بأن الحكم الصادر لمصلحة لينا عسيران وأشقائها باستعادة أملاكهم في عين بو عبدالله في القاسمية، يعود تاريخه إلى 2012. حينها، حضرت القوى الأمنية وأمهلت الأهالي يومين للإخلاء، إلا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري «تدخل ومنع تنفيذ القرار قبل إيجاد حلول بديلة»، وفق ما يقول رئيس بلدية برج رحال حسن حمود. ليس واضحاً سبب تحريك تنفيذ الحكم مجدداً، خصوصاً أن الوضع لا يزال على ما هو عليه في التجمع الذي أنشئ بعد نكبة فلسطين، وأخذ يتمدد على عقارات خاصة (آل عسيران وطيبا والمغترب حسن يونس) وعلى المشاع البلدي. بحسب حمود، كانت إقامة الأهالي في الأملاك الخاصة بموافقة أصحابها باعتبار أنها إقامة مؤقتة، لافتاً إلى أن بعض اللاجئين يحتفظون بورقة إذن من أصحاب الأرض للإقامة عليها. يستبعد حمود أن توافق المرجعيات اللبنانية على تنفيذ الحكم القضائي بالقوة. «إنهم أهلنا، وإن إخلاءهم يجب أن يكون ضمن مخطط عام، خصوصاً أن إخلاء القاسمية من دون تعويضات بخلاف إخلاء العزية». أهالي التجمع أصدروا بياناً ناشدوا فيه بري «التدخل الفوري لوقف تنفيذ القرار المخزي»، مطالبين «القوى السياسية الفلسطينية وكافة الأطر الدولية والإنسانية والشعبية والحقوقية التحرك الفوري والعاجل من أجل حماية تجمع القاسمية وعائلاتهم». وأعلن الأهالي «تشكيل لجنة من العشائر والفصائل والأهالي، المهددين وغير المهددين بقرار الإخلاء، والتواصل مع سفارة فلسطين، والقيام بحراك سلمي حتى تحل الأمور بشكل سلمي».
آمال خليل
الأخبار - مجتمع واقتصاد
العدد ٣٠٩٩ الثلاثاء ٧ شباط ٢٠١٧
http://www.al-akhbar.com/node/272223