من المألوف أن يشهد فضاء الويب العديد من الأحداث السيئة، ولذلك يعدّ الإنترنت فضاء مظلما وغامضا بالنسبة للمهندسين والباحثين على حد سواء، إذ أنه أشبه بملاذ للمنحرفين وأصحاب السوابق العدلية.
علاوة على ذلك، يستعمل عناصر تنظيم "داعش" هذا الفضاء لشراء جوازات سفر بريطانية أصلية، من صنع شركة "بنابولي" الإيطالية، والملفت للنظر هو أن هذه الجوازات قادرة على خداع أعتى الأنظمة الأمنية.
في الواقع، أثناء التحقيق في التجارة غير القانونية، المنتشرة في مدينة نابولي، المدينة المعروفة بانتشار المافيا فيها، اكتشفت الوكالة الإيطالية للاستخبارات والأمن الخارجي إعلانا تافها، لشركة تقع بمدينة نابولي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشركة تملك أجهزة متطورة، قادرة على إصدار جوازات سفر "بيومترية"، تمكن حامليها من السفر إلى المملكة المتحدة بسهولة، كما أن هذه الجوازات المزورة صالحة للتسجيل على أي نظام أمني. وبالتالي، يؤكد هذا الأمر فرضية أن تنظيم الدولة يسعى إلى اختراق المملكة المتحدة.
إن هذا الإعلان لا يخلو من ارتباطه بالإجرام، إذ أنه جاء فيه "نحن نبيع جوازات سفر بريطانية، مرفقة بمعلوماتكم وصوركم. كما بإمكاننا إدخال المعلومات الخاصة بك في قاعدة بيانات السفر الرسمية. لذلك يمكنك السفر بجوازاتنا إلى أي مكان تريد. كيف لنا أن نفعل ذلك؟ إنه سر المهنة. سنقدم لك الطريقة التي تتسلم بها جوازك بعد التعاقد معنا. وبهدف تمكينكم من دخول بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي، سنضيف فقط طابع البلد الذي توجدون فيه. إن جوازات السفر التي نعدها، تعدّ أفضل حل للأشخاص الراغبين في العمل في بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي. كل ذلك مقابل 4.113 بيتكوين، وهي عملة إلكترونية يتم فقط تداولها عبر الانترنت.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت السلطات بأن العشرات من هذه الجوازات المزورة قد جابت المملكة المتحدة. فإعلان الشركة كان متاحا للعيان على الإنترنت، لعدة شهور، ويبدو أنهم استطاعوا الإيفاء بوعودهم.
وفي الواقع، يحاول المحققون إثبات الصلة الرابطة بين الشركة الإيطالية لتزوير الجوازات ومهربي الأسلحة، وعما إذا كانوا يتعاملون معا. وأظهرت التحقيقات المطولة مع "أنا ماريا فونتانا"، الإيطالية التي اعتنقت مؤخرا الإسلام، والمعروفة باسم "السيدة السوداء"، والتي وُجّهت لها تهم بشأن تهريب الأسلحة، أنها كانت على صلة وثيقة بالشركة الإيطالية.
من ناحية أخرى، كشفت التحقيقات أن الموقع يستخرج جوازات السفر بطريقة لا يمكن من خلالها كشف أنها مزورة، وهو ما يثير المخاوف من أن يتم استخدام هذه الجوازات كوسيلة لملاحقة وتعقب السلطات لحامليها.
في حقيقة الأمر، شاركت أجهزة الاستخبارات الألمانية أيضا في عملية التحقيق مع الزوجين. ووفقا لما نشرته وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا) عن تقارير الاستخبارات الألمانية، فإن "أنيس العمري"، الشخص الذي هاجم سوق برلين ليلة عيد الميلاد، والذي أصيب بطلق ناري في ميلانو كانون الأول، كان يخبر الجميع بأنه من الهيّن الحصول على "كلاشينكوف في نابولي، دون أن يواجه أي صعوبات أو مشاكل تذكر". في المقابل، كانت هناك شكوك تفيد بأن "العمري" كان متجها إلى (كامورا) عندما تم قتله. وعلى الرغم من حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات، والتحقيقات المكثفة، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى كشف العلاقة بين هاتين المجموعتين.
يوم الثلاثاء الماضي، تم القبض على ثمانية مهاجرين أفارقة، دخلوا بطريقة غير شرعية إلى إيطاليا، وهم بصدد الذهاب إلى برشلونة، وبحوزتهم وثائق أوروبية مزورة، يقولون إنهم اشتروها من نابولي. ووفقا لقاضي تحقيق الاعتقال، جوزيبي لونغو، فقد "كان بحوزة هؤلاء الرجال جوازات سفر، وتصاريح إقامة، وغيرها من الوثائق التي ليس بمقدور أي نظام أمني كشفها. ولو لم يسمعهم أحد وهم يتحدثون إلى بعضهم البعض عن غلاء ثمن الجوازات، لما كنا لنكتشف أمرهم".
في شهر آذار الماضي، ألقي القبض على رجل عراقي، كان يقوم بدور الوسيط بين الشركة وداعش؛ إذ كان يمدّ جماعة التنظيم في كل من برلين وباريس بالأسلحة والوثائق المزورة.
وقبل هذه الحادثة، تم اعتقال رجل نيجيري، وهو عضو في عصابة تقوم بتوزيع المخدرات بالقرب من نابولي، وقد كشف للمحققين عن التعاون الوثيق بين المقاتلين الأجانب، والعصابات الإجرامية في إيطاليا.
وفي هذا الصدد، صرح "فرانكو روبرتي"، أحد أبرز المدعين العامين في مكافحة المافيا، لصحيفة "دايلي بيست" العام الماضي، أنه "لطالما كانت نابولي قاعدة لوجستية مركزية لمنطقة الشرق الأوسط، (فالكامورا) تنشط أيضا في عالم الإرهاب الجهادي، الذي يمر من نابولي (المدينة)، والذي يفسح المجال لهذا النوع من الأنشطة. ففي الماضي، كانت هناك اتصالات بين المسلحين الجهاديين وعائلات (كامورا)".
وإلى الآن، لم يتم إثبات العلاقة بين نابولي ومافيا تهريب الأسلحة، ولكن السلطات تعمل بجهد لإثبات هذه الصلة. كما قال أحد الخبراء الأوروبيين في مكافحة الإرهاب إن "الذكاء لطالما لغز محير، ولكن عندما يكون بحوزتك بعض المعلومات، فإنك ستصل في النهاية إلى مبتغاك. ويبدو أن شبكة الإنترنت، في الوقت الراهن، قد تكون أخطر وأكبر تحد يواجه الجميع دون استثناء".
(نون بوست)