أُقيم في المركز الاسلامي في أميركا في ديربورن مشيغن ذكرى أربعين الراحل عضو مجلس أمناء المركز المرحوم الحاج الأستاذ عبد المنعم الحاج عبد الكريم بزي. وغصت القاعة بالحضور من ابناء بلدة بنت جبيل والجالية العربية الأميركية وتحدّث كل من أصحاب السماحة الشيخ محمد دبوق والشيخ محمد مال الله والشيخ أبراهيم الكزروني والشيخ أحمد حمود وفي الختام ألقى ابن أخ المرحوم السيد عبد الكريم الحاج محمد جميل بزي كلمة الشكر.
وفي ما يلي نص مقتطع من كلمة عريف الذكرى الدكتور عبدالله ألبرت حرب:
"... هل يتعب الغيث من مدراره أم تشقى الأرض بخيرات التلقّي؟ إنها دورة النّعم والنّقم، لا تكلّ عن دورانها حتى قيام الساعة وقعود الوقت. ثنائيات مبحرةٌ في غسق الدهشة. جودٌ من الوجود ليس به من خلود. كم غيمةٌ عبرت فوق هذا المحيط الذي هو نحن؟ وكم من ظُلٍّ اختفى أمام هذه الشمس التي هي فيك؟ أيها الوقت-القدر، تترصّدنا وراء سؤال الباب. أيها المَلَك المتربّص بنا، كاللصّ الرابن هود، ينتظر كي ينهب منّا هذا الضوء الأعلى ليهبَه الى مَن سيأتي بعدنا والسائلين.
يا أيها القاضي الذي يعدل: يا قاضي القضاة. يا مُسقطَ العدل في هذا العبث. يا من تسمع توسلاتنا الصامتة وسط هذا العويل. يا من وسيلته المعجزة وغموضه البيان. أيها المدثّر بالضوء الذي لا نراه.المحتجب بالشموس التي لا تراها الأفئدة. إليك أرفع سؤلي: يا عارفاً بلا معرفة، مجيباً بكُنْ فيكون، يا علّام يا مبيد الظنون. يا قابلاً كل نجوى، ونجوايَ صمتٌ ويُتْم الكلام.
هذا عبد المنعم أخي الحبيب: قبَسٌ- شررٌ- سطوع. منذ الأربعين قد رحل إليك، الى عالمٍ ينتفي فيه الوقت. الى وجود لا تدركه المعارف. أتاك خصلةً من الرؤى والأحلام والأعمال والتفكّرات، أصواتٌ وترّهات- جرُعات وئيدة من نعيم الدنيا وجحيمها تصبّ في كأسٍ "كان مزاجها كافورا".
يا صديقي أبو كريم: مَن مثلك بيننا الآن؟ نحن أشقياء الأرض وأنت الهدهدُ طيرٌ من أسرار السماء. نحن الملتصقون بعجائبية التراب وزئبقية التحوّل وأنت المعتمر عرش السرمدية والبقاء. نحن المفتونون بأنفسنا وأنت المفتون بفتنة اللامعقول والأبد. نحن سجناء الدموع التي نذرفها على أنفسنا قبل غيرنا وأنت الحرّ الطليق تتخطّى الدموع والبسمات في أساطير العلا الماوراء. نحن السائرون اللاهثون الخائضون وأنت المحلّق المتنفِّس بلا نفَس عطر السنابل. نحن المتثاقلون الخطى اللاحقون وأنت خطوك البرق السّابق السّامق.
إليك أعود بالرحيل عنك في قيود الدنيا وسَلْسَلها ومباهجها و شقواتها الكبرى.
فيارفيقي، أعنّي على المسير. فالدرب الباقي القصير ما زال شاقاً:
إعطني جناحك الضّاوي، كي أحلّق."
اسماعيل جمعة - بنت جبيل.أورغ