نعرف جميعاً أن لا أحد منا معصوم من الخطأ، حتى تلك الأخطاء الكبرى التي قد تتسبب في فقدان آلاف البشر لحياتهم، أو تلك التي قد تكلف دولة ما سيادتها، ولذلك نستعرض في هذا التقرير أكثر الأخطاء العسكرية كارثية، والتي قد يبدو بعضها مثيراً للسخرية.
1- سائق الأرشيدوق فرديناند
هل تعلم أن الحرب العالمية الأولى كان من الممكن تفاديها؟ هذا على الأقل ما يقوله بعض المؤرخين، فمن المعروف أن حادثة اغتيال أرشيدوق النمسا فرانس فرديناند، قد أطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى، ولكن ما قد لا يعرفه كثيرون أن هذا الحدث كان يمكن تجنّبه بالكامل، إذ كان سائق السيارة قد نجح فعلاً في تفادي قنبلة في المحاولة الأولى لاغتيال الأرشيدوق وزوجته. في حين أصابت القنبلة التي زرعها مخططو العملية في طريقهما أشخاصاً آخرين.
ولكن، عندما ذهب الدوق لزيارة ضحايا تلك القنبلة في المستشفى، سلك السائق طريقاً خاطئاً كان يقبع فيه أحد المجرمين الهاربين، يُقال إنه غافريلو برينسيب، والذي اقتنص الفرصة الثانية لارتكاب الجريمة، ونجحت طلقات الرصاص في إصابة الدوق وزوجته هذه المرة.
2- المرحاض يكشف غواصة ألمانية في بريطانيا
أنت في سفينة مغمورة بالكامل في الماء، ومحاطة بالضغط من كل اتجاه، وبالتالي فإن أي محاولة لضخ الماء من داخل الغواصة إلى خارجها ستقوم بعكس المراد منها تماماً، تخيل معي صورة لمرحاضك في المنزل لكن بدلاً من صرف الماء منه عند استخدامك السيفون يتدفق الماء إلى حمامك.
لكن الألمان في أبريل/نيسان عام 1945 وجدوا حلاً لهذه المعضلة، ففي الغواصة الألمانية U-1206، صُمم نظام معقد للغاية لطرد المياه دون أن يتسبب ذلك في غرق الغواصة، وكان هذا النظام من التعقيد لدرجة أنه كان يتوجب على أي فرد من الطاقم إبلاغ المراقبة حال رغبته في استخدام المرحاض، لكن يبدو أن قائد الغواصة كارل-أدولف شليت، قرر ألا يلتزم بهذه الإجراءات المعقدة فهذا مجرد مرحاض، وسأل نفسه ببساطة ما أسوأ ما قد يمكن أن يحدث؟
بالطبع تدفقت مياه المحيط في كل مكان بسرعة وانطلقت صافرات الإنذار، ولم يكن أمام قائد الغواصة إلا أن يخرج بها للسطح، ولأن الغواصة كانت في مهمة تجسس بالقرب من الشواطئ البريطانية، فبمجرد ظهورها على السطح تمكنت إحدى طائرات الدورية من كشفها، وفتحت نيرانها عليها، بعدها قفز كل الناجين من الغواصة إلى الماء، وقُبض عليهم جميعاً.
3- جنرال والاس
لقب جنرال وحده لا يعطيك القدرة بطبيعة الحال على خوض الحروب، وهذا ما أثبته جنرال والاس، فبعض الجنرالات قد يدافعون عن إخفاقاتهم بأنه تم تضليلهم بالمعلومات، أو بأن جيش العدو قد باغتهم، لكن أن تُهزم لأنك لم تستطع الوصول إلى أرض المعركة في الوقت المحدد، أو لأنك فشلت في العثور على جيش العدو المُكوّن من خمس وعشرين ألف جندي فهذا عذرٌ استثنائي.
في الحرب الأهلية الأميركية التي قامت ما بين عامي 1861 و 1865، وخلال معركة شايلو عام 1862 تلقّى الجنرال والاس تعليمات من الجنرال جرانت، بأن يجهز وحدته للدعم في المعركة القادمة في حال ساءت الأمور، وفي اليوم التالي جهّز الجنرال والاس وحدته، وخرجوا للمعركة ولكن في الاتجاه المعاكس لمكان وقوعها.
وبعد مسيرة طويلة وعندما لاحظ الجنود عدم وجود أيّ أثر للوحدة التي تأهّبوا لدعمها، وحين بدأ الشك يتسلل إليهم في ما إذا كانوا لايزالون على الأراضي الأميركية من الأساس، وجدوا أنفسهم عند قوات العدو لكن بدلاً من مواجهة صفوفهم الأولى كانوا خلفهم.
قد يفكر البعض في أنها كانت فرصة مناسبة لمفاجأة العدو ووضعه بين شقي الرحى، إذ لن يتوقع ذلك أبداً خاصة بعد مرور أكثر من ساعة على بدء المعركة، وكان يمكن للجنرال أن يدّعي أن هذه كانت فكرته من البداية، ولكن هذا ما لم يفكر فيه الجنرال والاس للحظة، وبدلاً من ذلك أصدر أوامره بالعودة مرة أخرى، والذهاب لملاقاة الجنرال جرانت على الجبهة الأخرى في رحلة استغرقت خمس ساعات إضافية، ولا نحتاج لأن نسرد أن ما حدث بعد ذلك كان هزيمة محققة وجنرالاً مفصولاً.
4- جزيرة كيسكا
عندما أرسلت اليابان قوة من 500 جندي بحري للاستيلاء على جزيرة كيسكا الواقعة في ولاية ألاسكا الأميركية، أعد الجيش الأميركي العدة بدوره بقوات بلغ عددها 35 ألف جندي أي 70 ضعف القوات اليابانية، ليستعيد الجزيرة.
في أغسطس/ آب عام 1943 عصف الجيش الأميركي بالجزيرة بقوة 95 سفينة حربية، و168 طائرة وآلاف الجنود، قصفوا الشواطئ بالطائرات ودمروا الحاميات بالمدفعية الثقيلة، وجاء دور الجنود بعدها ليُطلقوا النار على أي شيء قائم.
بعد خسارة حوالي مائة جندي أميركي خلال التفجيرات، هدأت العاصفة واكتشف الأميركيون أنه لا يوجد على الجزيرة أحد غيرهم، وفي الحقيقة لم يكن لأحد أن يُلام على هذا الخطأ الفادح غير الاستخبارات الأميركية التي فاتتها معلومة صغيرة، وهي أن القوات اليابانية قد غادرت الجزيرة قبل ذلك بأسبوعين، ولم يُعنَ أحدهم بتفقد الجزيرة قبل إغراقها بطلقات النيران ليرى أين تتمركز قوات العدو، أو ما إذا كانت قوات العدو موجودة هناك بالأساس.
5- معركة كارانسيبيس
خلال المعارك التي وقعت بين أوروبا والدولة العثمانية، عام 1788 تحديداً، تمركزت القوات النمساوية في منطقة كارانسيبيس (التي تقع حالياً في رومانيا) تأهباً لهجوم الجيش العثماني في أية لحظة، انقسمت القوات إلى عدة وحدات صغيرة متفرقة، وخلال الليل تناول بعض الجنود الكحوليات بكميات كبيرة، ولأن القوات النمساوية في ذلك الوقت كانت تتكون من عدة ثقافات، إذ بالإضافة إلى النمساويين كان هناك كرواتيون وإيطاليون وصرب، اعتقدت بعض الوحدات بطريق الخطأ أن الوحدات المجاورة لهم من الأتراك بسبب اختلاف اللغة، وبسبب تأثير الكحول بالطبع، وعند إطلاق الطلقات الأولى انتشرت الفوضى وأغرق كل طرف الآخر بالطلقات، وبعد يومين عندما أتت القوات العثمانية، وجدت المعركة قد انتهت بالفعل.
6- معركة سولواي موس
هناك روايات عدة تحكي العداوة التاريخية بين الإنكليز والإسكتلنديين، ولكن بعض القصص تستحق أن تُروى أكثر من غيرها، وفي هذه القصة نحكي لكم كيف لا تكون الغلبة في المعارك دائماً لكثرة العدد.
في عام 1542 عندما رفض جيمس الخامس ملك إسكتلندا الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية، قام عمه الملك هنري الثامن ملك إنكلترا بإرسال 3000 جندي لإحراق أراضي سولواي موس، وقرر الإسكتلنديون أن يضعوا حداً لهذه التجاوزات، وقاموا بإعداد 18 ألف جندي للرد على هذا الاعتداء.
توعّد الإسكتلنديون الإنكليز، ووقفوا أمام القوات الإنكليزية مستبشرين بكثرة عددهم وقوتهم، لكن ما لبثوا أن لاحظوا أنهم قد نسيوا أمراً صغيراً، بعد أن وصل الإسكتلنديون إلى أرض المعركة اكتشفوا أنه ليس لجيشهم قائد، إذ قرر روبرت ماكسويل الذي كان يتولى زمام الجيش قبلها بعدة ساعات، أن يتخلف عن المعركة بسبب شعوره بالمرض دون أن يعين أحداً مكانه، في النهاية فرّت نصف القوات الإسكتلندية وأُسر الباقون.
7- ميناء ميشيلي ميكيناك
في عام 1761 استولى البريطانيون على ميناء ميشيلي ميكيناك، الذي يُعرف اليوم بولاية ميشيغان، وإلى جانب حصولهم على هذه الرقعة الجديدة حصلوا أيضاً على جيران جدد من السكان الأصليين من الهنود.
وفي أجواء مشحونة ببوادر اشتباك بين الفريقين، وشعور بالترقب، حاولت قبيلة أوجيبوا -إحدى القبائل الهندية الكبيرة- تلطيف الأجواء بانقسامهم لفريقين ولعب الكروس أمام بوابة الثكنة البريطانية، واستمر هذا الوضع لفترة حتى اطمئن البريطانيون إلى سلمية جيرانهم، بل إنهم بدأوا في المراهنة فيما بينهم على فوز أحد الفريقين على الآخر.
و بعد مرور عدة سنوات مع استمرار هذا الوضع أصبحت لعبة الكروس بين فريقي الهنود هي التسلية الأساسية للجنود البريطانيين حتى أنهم كانوا يخرجون جميعاً وقت المباراة يتابعون عن كثب ويشجع كل منهم فريقه المفضل، وسط هتافات تشجيعية لمن وصفوهم بـ"الهمج" ليبذلوا مجهوداً أكبر في اللعب.
وفي أحد الأيام، في خضم المباراة قذف أحد الفريقين بالكرة إلى أعلى قليلًا فوق أسوار الثكنة، وأمام تلهّفهم لمعرفة النتيجة، سمح الجنود البريطانيون للاعبين بالدخول وإحضارها، وحينها اندفع الفريقان إلى الداخل، وقتلوا من في الثكنة، واستولوا عليها لأكثر من سنة.
8- الغزو الفرنسي أولاً والألماني ثانياً لروسيا
بالرغم أن ألمانيا وروسيا كانتا قد وقعتا معاهدة (مولوتوف-ريبنتروب) عام 1939 أي قبل وقوع عملية بارباروسا بعامين فقط، قرر هتلر أنه سيقوم بغزو روسيا على أي حال في عملية هي الأكبر في التاريخ من حيث عدد الجنود والأسلحة المستخدمة، إلا أنه لم يضع في حساباته أجواء الشتاء القارس في روسيا، فعندما وصل الجيش الألماني إلى هناك وجدوا أنفسهم وسط صحراء ثلجية.
لم يكن الوضع صعباً فقط على الجنود الذين لم يكونوا مستعدين لهذا، لكن الأسلحة أيضاً فسدت ولم تعد قابلة للاستخدام، بالإضافة إلى نفاذ المؤن وصعوبة وصول الإمدادات وانتشار الأمراض في صفوف الجيش الألماني، برغم أنه كان حقق انتصاراً في البداية لأن الجيش الروسي تفاجأ بالغزو، إلا أن الجيش الألماني هُزم في النهاية لكل هذه الأسباب.
فيما أسماه نابليون بالـ"الحرب البولندية الثانية" واجه الظروف نفسها التي واجهها هتلر، لكن قبله بما يزيد عن قرن، حين انطلق بجيش بلغ عدده 600 ألف جندي عام 1812 ليخلّص القارة الأوروبية من السيطرة الروسية، كان نابليون جاهزاً بالعدة والعتاد، ولكن ما لم يكن مستعداً له هو البرد القارس الذي واجهه الجنود الفرنسيون، إذ وجدوا أنفسهم عرضة للجوع والمرض خاصة بعد أن نال الشتاء الروسي من خيولهم، وسط هذه الظروف الصعبة والهجمات المتكررة من الفلاحين الروس على الجنود، هزم الجيش الفرنسي وأُسر نابليون ونُفي ولم ينج من جيشه العظيم غير 93 ألف جندي فقط.
9- السفينة الأميركية وليام د.بورتر
إذا كانت السفن أشخاصاً فقد تكون السفينة الأميركية وليام د.بورتر هي أغبى سفينة أبحرت على الإطلاق حتى أنك ستتعجب أن هذه القصص حقيقية.
أُنشأت المدمرة خصيصاً لتكون مرافقة للقوارب الأكبر. وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1943، كانت وليام د. بورتر، في أولى مهامها لمرافقة السفينة الحربية أيوا عبر المحيط الأطلسي إلى قمة مهمة في إيران.
"لماذا تحتاج سفينة حربية للذهاب إلى قمة سياسية؟" الجواب هو أن رئيس الولايات المتحدة، ووزير الخارجية ورئيس هيئة الأركان المشتركة كانوا على سفينة أيوا، وكان لديهم موعد سري مع جوزيف ستالين وونستون تشرشل.
كانت المدمرة هي المرافق الوحيد لأيوا، ولم تكن هناك مشكلات متوقعة من الرحلة لولا أن السفينة كان يديرها فريق من الحمقى.
وبدأت المشكلات قبل حتى أن تنطلق من المرفأ حين نسي أحدهم أن يرفع المرساة فأبحرت السفينة ببطءٍ شديد قبل أن يكتشفوا الأمر، وذلك بعد أن تسببت السفينة في خدش جانب كبير من سفينة مجاورة، وكان ذلك قبل حتى أن تلحق بسفينة الرئيس ومرافقيه.
وبعد مرور 24 ساعة من الحادثة الأولى انزلقت من السفينة وليام د.بورتر قنبلة عميقة، من النوع الذي ينفجر تحت الماء ويُستخدم حال وجود غواصة، ولكنها وقعت بالقرب من السفينة التي تحمل الرئيس روزفلت، وبما أنها أجواء حرب، انطلقت أجهزة الإنذار باعتبار أن هناك هجوماً يُشن على السفينتين، ولكن الأمر مر بسلام حيث انفجرت القنبلة بعد أن أبحرت السفينتان بعيداً عنها.
لكن هذا لم يكن كل شيء، فبعدها أطلقت السفينة عن طريق الخطأ قذيفة حية باتجاه السفينة المرافقة، وتم تفاديها قبل أن تصيبها بقليل.
انتهت المهمة الأولى للسفينة ولكنها للأسف كُلفت بمهمة أخرى، عندما خرجت في معركة كان يخوضها الأميركيون ضد اليابانيين، وأطلقت السفينة الحربية قذيفة باتجاه إحدى الطائرات اليابانية لكنها لم تصبها، وبدلاً من ذلك عادت القذيفة لتهبط فوق السفينة، وكانت من القوة بحيث رفعتها عن سطح الماء عدة أمتار قبل أن تهوي متحطمة.
هافغنتون بوست