أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

شلال ٌ من الحنين

الأربعاء 18 آذار , 2009 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,940 زائر

شلال ٌ من الحنين

.... إن الحديث عن فقيدنا المرحوم الحاج حكمت بزي يُفجِرُ فينا شلالا من الحنين يتناثر رضاضا على كل حبة من تراب الأصالة في الوطن عموما، وفي كروم "بنت جبيل" خصوصا...

أيها الأخوة...
إن الفقيد كان إنسانا مكافحا ابن عائلة مكافحة تمتد جذورها بعيدا في الأرض السمراء، ويتجعد جذعها تعبا، وتلتمع أوراقها عطاءا...
بدأ الفقيد حياته العملية بمساعدة والده بزراعة التبغ وقد تحمل الحياة الجدية يا نعا بعد سفر والده إلى أفريقيا سنة 1939 إبان الحرب العالمية الثانية التي أغرقت بلادنا بويلاتها ونتائجها السياسية والإجتماعية القاسية...
إن أهم ما يميز الفقيد أنه أثناء وجوده في المهاجر لم ينس مراتع طفولته وملاعب عزه وميادين صولاته، وجولاته، إنه في خضم الحياة الأمريكية الصاخبة حيث تتزاحم الأقدام وتتبارى العقول وتزحف النفوس للفوز بالورق الأخضر البراق...في هذا الخضم الأخضريّ كان يغرد الفقيد خارج سربه وتحتشد في مخيلته هموم من نوع آخر... فقد انكب على دراسة اللغة العربية وآدابها حتى أزهرت في عوطفه قصائد شفافة، وحتى أثمرت في فكره تجربة انسانية صادقة... فقد رسم في شعره أطياف الماضي ولوحاته... الماضي الذي عاشه في جبل عامل: أيام كان يسري ليلا مخترقا جحافل الخوف والأخطار بالأودية والجبال بين لبنان وفلسطين وراء كسب شريف...


لم يستسلم الفقيد إلى الدهر وويلاته، ولا إلى الأحلام الوردية في تحقيق طموحاته، ولم يتكىء على أمجاد أجداده ليعيش على رصيدهم الذي كان كبيرا،  ولكنه نزل إلى الميدان... وشمّر عن زنده، ولم يقبل إلاّ اللقمة المنغمسة بالدم والعرق، والموقف المزدان بالإباء والشرف...

طوبى لك أيها الفقيد الغالي! لأنك كنت إنموذجا حيا للإنسان العصاميّ، ولأنك كنتَ عامليا أصيلا في بلاد الإغتراب...
أيها الراحل كم نشعر بكبر الحزن وعمقه مع رحيلك اليوم وخصوصا في الظروف الصعبة! ...
تغمدك الله برحمته وغفرانه... ودامت سيرتك النبيلة منارة للأجيال....

Script executed in 0.19265699386597