أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

طرقات الشريط الحدودي من الناقورة إلى مروحين: مأساة العبور اليومي

الجمعة 20 آذار , 2009 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 7,481 زائر

طرقات الشريط الحدودي من الناقورة إلى مروحين: مأساة العبور اليومي

يبدو أن حالة الإهمال والحرمان التي عاشها أبناء الشريط الحدودي طيلة فترة الاحتلال الإسرائيلي ما تزال مستمرة رغم التحرير الذي شهدته المنطقة عام 2000، وكأنه مكتوب على جبين المواطن الحدودي أن يدفع ضريبة الحرب والسلم، وأن يعيش أبداً ودائماً في حالة مزرية سواء على الصعيد الحياتي أو الاجتماعي أو الخدماتي.
فرغم بعض المشاريع الفردية والخارجية التي اتت من مساعدات حرب تموز، ينطبق على المنطقة المعروفة بالشريط الحدودي وما تحويه من قرى وبلدات، الحرمان، ولكن لربما كانت بحالٍ أسوأ مما هي عليه اليوم. بعض الإنجازات لا تعفي الوزارات، وخصوصاً الخدماتية منها، من واجباتها لتعويض الأهالي عما فقدوه من خدمات أثناء الاحتلال، حيث تمتنع اليوم عن تقديم أبسط مقومات الحياة. فمن يشاهد طرق المنطقة التي لم تعد صالحة ليس للمواطن فحسب، بل حتى للحيوانات الدابة، يشعر بحجم المعاناة والمأساة التي يعاني منها المواطن الجنوبي الصامد بوجه الأزمات التي تعصف به منذ زمن بعيد.
طرق تشتاق لإسفلت الدولة
تشكل الطريق الرئيسية التي تربط الناقورة بقرى قضاء صور الاخرى علما الشعب والضهيرة ويارين ومروحين وما يتفرع عنها من طرق تصل المنطقة بقضاء بنت جبيل، مصيدة للسيارات والآليات العابرة لها، وذلك بسبب ما يستشري فيها من حفر. ولا يمكن وصف الوضع المزري، فالطريق محفرة وترابية ولا يمكن للمواطن أن يسير على قدميه وقد يحتاج احياناً إلى الاستعانة بمركب للمياه حتى يجتاز الطريق الذي يربط بين القرى. ومن قلب معاناتهم، يطلق الأهالي والعابرون صرخة واحدة تسأل «عن موعد انتهاء معاناتنا».
ولا تقتصر المعاناة على العبور والضرر اللاحق بالسيارات، ففي الصيف غبار وفي الشتاء وحول ومستنقعات. ولم تعرف الطريق ورشة إصلاح أو ترميم منذ عقود، وينتظر الناس عودة الدولة بعد سنوات الاحتلال، علها تعوض قليلا عن الحرمان الذي عاشوه ويعيشونه. هناك تجد صورة الدولة في عيون الناس في أسوأ حالاتها وتترجم بغضب شعبي عارم نتيجة عدم التفاتها الى منطقتهم بعد سنوات طويلة من الحرمان.
يعد المضطرون لعبور الطرقات المؤدية والداخلية لبلدات يارين ومروحين والضهيرة وعلما الشعب وسواها من الطرقات التي تربطها بقضاء بنت جبيل، يعدون إلى المئة، ومن ثم قد يصطحبون معهم ميكانيكي سيارات وقطع غيار حتى يضمنوا الوصول بأمان إلى بنت جبيل مثلاً. هناك تترك الطرق الرئيسية من دون إسفلت أو محفرة بعمق وبسعة قد تحتضن سيارة بأمها وأبيها، ولا تستطيع الآليات العابرة تحمل مشقاتها، فالخنادق الكبيرة الحجم والصغيرة منتشرة بكثافة، وتبعد بضعة أمتار عن بعضها البعض، فما أن تتخلص من مصيبة خندق حتى تقع في الآخر، وتضرب كل قطع السيارة بالأرض، وتصاب بأضرار جسيمة، هذا فضلاً عن الحالة العصبية والنفسية السيئة التي يعيشها الركاب والسائق خلال تنقلاتهم، إذ يصاب البعض منهم بأوجاع في الرأس وفي الظهر وفي العمود الفقري أيضا نتيجة «الخضخضة».
يتكرر المشهد نفسه في كل القرى، وصولاً إلى بنت جبيل، جور وحفر وخنادق وأتربة وحجارة، سيارات ترتطم بالأرض، سائق يلعن الساعة التي قصد بها المنطقة، وآخر يشتم هذا المسؤول أو ذاك، سيارة تبتعد عن هذا المطب فتقع في آخر، لكن في النهاية لا مفر من الوقوع في خسائر مادية جسيمة، هذا ما قاله السائق نعيم عطايا، الذي أكد انه يدفع أكثر من 250 دولاراً لتصليح سيارته شهرياً بسبب الطرق المحفرة. يمر عطايا على الطريق يومياً، ومنذ سنــوات وهي على حالها، لا بل «خربت أكتر وأصبحت ترابية ومحفرة ومخندقة وتؤدي إلى حوادث سير، وحتى اليوم لم تبادر الوزارات المختصة الى تعبيدها»، مناشدا الإسراع في اعادة تأهيل وتعــبيد جميع الطرق التي تربط المناطق المحررة بالمناطق اللبنانية الاخرى.
الطريق لم تشهد اية اشغال منذ عقود
بدوره، يصف رئيس بلدية علما الشعب جان غفري وضع طريق الناقورة - بنت جبيل «بالسيئ جدا» خصوصا انه لم يشهد اي عملية تعبيد منذ سنوات عديدة،حيث كانت إسرائيل ترقعه من وقت لآخر في ايام الاحتلال حين كانت المنطقة تقع ضمن الشريط الحدودي المحتل.
«بعد التحرير لم تشهد الطريق أي عملية تأهيل من قبل اي جهة بعد أن كنا نتوقع من الدولة تعويضنا عن الحرمان الذي شهدناه «، يتحدث غفري عن مشروع تتولى انجازه الهيئة الايرانية لتأهيل طريق الناقورة - بنت جبيل، وسيبدأ العمل به مطلع الشهر المقبل، وسيتم خلاله تعبيد الطريق بشكل كامل حيث جرت عملية مسح للطريق تمهيدا للبدء بالاشغال. ويحمّل غفري أصحاب الشاحنات التي كانت وما تزال تتنقل على الطريق محملة بكميات كبيرة من كسارة رميش الى منطقة الناقورة لتأهيل طريق صور ـ الناقورة. عملت الشاحنات على «تخريب الطريق لتعبيد طريق اخرى، لكن وعود الهيئة المنفذة لطريق صور ـ الناقورة بتأهيل طريق الناقورة ـ بنت جبيل ايضا هي التي دفعت الأهالي بالسماح للشاحنات باستمرار العبور، لكن الوعود ما تزال تنتظر التنفيذ».
وعن دور البلدية يشير غفري إلى عمليات الترقيع بالإسمــنت التي تقوم بها ضمن إمكاناتها، «لكن ذلك لا ينفع وغير صالح»، يؤكد غفري.
من جهته يعبر مختار الضهيرة محمد ابو سمرا عن وضع الطريق على طريقته «كل شيء زفت بلبنان الا الطرقات»، مشيرا الى ان الطريق لم تشهد اي اعمال تأهيل منذ حوالى خمسين سنة وهي على حالها اليوم لا بل أسوأ مما كانت عليه في فترة الاحتلال. ويؤكد ابو سمرا أن الهيئة الإيرانية عملت على مسح الطريق وهندسته بأكمله ونحن ننتظر انتهاء موسم الشتاء للبدء بأعماله، متحدثاً عن مساعدات من قبل الكتيبة القطرية العاملة في «اليونيفيل» «تم مساعدتنا بإسفلت لتعبيد أحياء القــرية الداخلية اضافة الى جدران دعم» فيما الدولة غائبة تماماً». «بعد معاناة 25 سنة من قبل الاحتلال الإسرائيلي»، يقول المختار «كنا ننتــظر من الدولة الالـتفات إلى هذه القرى على الصـعد كافة، طرقات وجدران دعم ومدارس ومستوصفات وكهرباء، لتأخذ ربع حقها من الانماء»، مناشدا اياها والمسؤولين الالتفات قليلا إلى هذه القرى التي تحتاج الكثير من الدولة. المسكنات لم تعد مجدية، حالة الطرق المزرية في منطقة الشريط الحدودي هي واحدة من الأسباب التي تدفع المواطن إلى طرح السؤال: أين الدولة وأين وزارة الأشغال، وأين البلديات؟ لكن المواطن لا يهمه كثيراً من المسؤول عن وضعه، الذي لم يعد يطاق، انما يهمه التخلص من عوائق التواصل مع جيرانه وأشقائه في البلدات والقرى المجاورة، وهمه الاساسي هو أن المسكنات لم تعد مجدية، والوضع يتطلب معالجة فورية وكاملة ونهائية، وخصوصاً في الشتاء لأنه يحمل معه الكثير من المشقات والهموم التي تتطلب تدابير استثنائية وناجعة. ويشير المواطن فوزي رمضان من يارين، «ان وضع طريق البلدة «زفت» وحتى الآن لم ننعم بعد بمزايا الإسفلت الحقيقي الذي تنعم به قرى اخرى، فالكلمة تعجز عن التعبير الحقيقي لوضع الطرق السيئة في كل بلدات وقرى المنطقة الحدودية، فأنا اتجنب في معظم الأحيان التوجه إلى منطقة بنت جبيل خوفاً من الوقوع في حفرة أو خندق قد يعطل السيارة في الوقت الذي نعيش حالة اقتصادية سيئة، يصعب معها إصلاح الأعطال. ويتمنى رمضان من المعنيين بالشأن العام أن يعوا حجم المأساة ويتحملوا مسؤولياتهم تجاه شعبهم ومواطنيهم».
ويناشد أحمد سويد، من الضهيرة، المعنيين التحرك وتأهيل الطريق بسرعة، مشيراً إلى أن «عشرات القرى وآلاف المواطنين اصبحوا أسرى الوضع المزري، «فليس معقولاً أن نكافأ بهذه الطريقة، ونحن من تحمل عبء الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة لأكثر من عشرين عاماً».
ويعتبر الياس غفري، من علما الشعب، أن «وضع الطرقات في ايام الاحتلال كان افضل بكثير من اليوم، فالطريق اليوم هي على ما هي عليه منذ الاحتلال الإسرائيلي، ولا احد يسأل عن المنطقة أو يتفقدها بزيارة وكأنها من غير لبنان مترحماً على ايام الاحتلال ولو كانت سيئة لكنها عبدت ولو لآلياتهم العسكرية».
وتشكو كامــلة البردان من يارين «من الشاحنات التي تمر يوميا على الطريق وهي محملة بأطنان مواد البــناء، وتؤكـد «ان الطرق لم تكن على هذا النحو المزري قبل التـحرير». الكلام نفسه لدى أهالى المنــطقة الذين التــقيناهم وهم كثر، بحيث شدد الجميع على تفعيل دور الدولة الخدماتي تجاه ابناء هذه المنطقة. وتجاه اهمال كهذا سواء أكان متعمداً أو بالصدفة، وبدلاً من العمل على تأمين جميع مقومات الحياة في المنطقة المحررة، يرى الأهالي ان الإهمال وإعطاء الأذن الطرشاء لطلباتهم وحاجاتهم سوف يدفع المواطنين إلى الهجرة المدمرة التي تجتاح لبنان، والتي لا تمـيز بين طائفة وأخرى، أو بين الكبير والصغير، أو الفقير والغني.

Script executed in 0.15217590332031