أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أوباما: عيدكم مبارك يا قادة إيران الإسلامية

السبت 21 آذار , 2009 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,836 زائر

أوباما: عيدكم مبارك يا قادة إيران الإسلامية


علي الحاج يوسف - السفير

إذا لم تكن رسالة التهنئة الصباحية كافية، فرسالة المساء ستحقق المبتغى. إن الولايات المتحدة لديها مشاريع مبادرات أخرى، قال البيت الأبيض، لتشجيع الحوار مع إيران بعد الرسالة التاريخية التي وجهها أمس الرئيس الأميركي باراك أوباما مباشرة إلى القادة والشعب الإيرانيين.
إلحاح أميركي لا مثيل له منذ سنوات للتعبير عن حسن النوايا إزاء إيران، أثار عاصفة من الترحيب في الاتحاد الأوروبي وروسيا، قد لا يختلف كثيرون أنها قد تكون بمثابة نسمات باردة تهب على بؤر التوتر الساخنة، إقليميا ودوليا، بما يشمل الساحة العربية ولبنان منها. هذا إذا صدقت النوايا الأميركية.
وفي حين أن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس امتنع عن الحديث عن هذه المبادرات الأميركية المقبلة، إلا انه قال «نعم. ثمة مبادرات أخرى، لكن لا يسعني اليوم الحديث عن أي منها». إيران، كعادتها، فضلت الحذر في الوقت الراهن.

ويجيء هذا التطور بعد سلسلة من التطورات الإقليمية المهمة، ربما تبدأ بالإخفاق الإسرائيلي في حرب غزة، والمصالحات العربية في قمة الكويت الاقتصادية، والقمة الرباعية في الرياض، والانفتاح المتبادل بين السعودية وسوريا، ثم جولة وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي على الرياض والعواصم الخليجية والتي سبقتها زيارة المبعوثين والنواب الأميركيين إلى دمشق، مرورا بقرار الحكومة البريطانية التواصل مع «حزب الله»، والإشارات المتواصلة حول الرغبة الدولية بقيام حكومة وفاق وطني في لبنان، في ما بعد انتخابات السابع من حزيران المقبل. وحدها المملكة المغربية ذهبت في الاتجاه المعاكس لأجواء التهدئة المتفشية في المنطقة، وقطعت علاقاتها مع طهران. قبل يومين، قالت دمشق صراحة بضرورة وضع الغرب لخطة مفصلة وواضحة لتقوم بوساطتها مع إيران، فيما يستعد الزعماء العرب لقمتهم المرتقبة في الدوحة بعد أيام.

أمس فتح أوباما بابا واسعا أمام حوار بات أكثر ترجيحا مع إيران، في رسالة تلفزيونية غير مسبوقة، طغت عليها لغة إيجابية تخاطب الشعب والنظام سوياً، من دون أن تدخل في تفاصيل الخلافات وحلولها، عارضة دبلوماسية أميركية متجددة، تتحرر من «التهديدات»، وتقوم على «الاحترام» المتبادل، ومنح الجمهورية الإسلامية «المكانة المناسبة» في المجتمع الدولي.
وإذا كانت إيران تلقت الرسالة بحذر، إلا أنها رحبت بالنبرة الإيجابية التي طبعت الدقائق الأربع تقريبا التي تحدث فيها أوباما، وأعربت عن استعدادها لتجاوز الماضي ونسيان خلافاته، مشترطة لذلك أن تترجم الإدارة الأميركية أقوالها إلى «أفعال»، لتنتقل العلاقات بين البلدين من مرحلة العداء المطلق، إلى مرحلة أقل عدائية، قد تجر معها منطقة الشرق الأوسط، والعالم، إلى حقبة لم تختبر من قبل.

وأن تخاطب الإيرانيين في ذروة إحيائهم عيد النوروز، أي رأس السنة الفارسية (هجري شمسي)، تكون إما تخاطر بألا تصل رسالتك إلى مسامعهم، بسبب انصرافهم عن همومهم ومتابعاتهم اليومية والنفور من مدنهم ومنازلهم إلى سفر داخلي أو خارجي بهدف الاستجمام، أو أن تصل إلى قلوبهم لأنك اخترت المناسبة الأهم والأعز عندهم من دون سواها من المناسبات والأعياد.
ولا بد أن الرئيس الأميركي افترض الحالة الثانية، وهي أن يصل إلى قلوب الإيرانيين في عيدهم الأكبر، عندما وجه رسالته غير المسبوقة التي نالت ترحيبا أوروبيا واسعا، في توقيتها ومضمونها ودلالاتها والجهة المرسلة إليها.

وإن كانت الرسالة تمتاز بحصريتها هذه المرة، أي تخصيصها لإيران في سابقة رئاسية أميركية أيضا، فإن
ما تقدم عليها من شعارات انتخابية ومن مواقف بعد تولي إدارة البيت الأبيض، مثّل إشارات على توجهات أوباما حيال إيران ودورها وملفها النووي، برغم التعرجات التي ظهرت على مسار مقاربة فريق الرئيس الأميركي لأساليب التعامل مع الجمهورية الإسلامية خلال الأشهر الماضية، ومنها المواقف غير المشجعة التي صدرت عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، صاحبة شعار محو إيران عن الخريطة إذا هاجمت إسرائيل، وتلميحات رئيس أركان الجيوش الأميركية مايكل مولن عن اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي، فضلاً عن إعادة المتحدثين باسم البيت الأبيض والخارجية التذكير باستمرار طرح جميع الخيارات على الطاولة، بما فيها الخيار العسكري.
لكن الرسالة التي أطلق عليها أوباما اسم «رسالة النوروز»، وختمها بالعبارة الفارسية «عيد شما مبارك»، أي عيدكم مبارك، أخذت الإيرانيين، لا سيما المسؤولين منهم والمعنيين من عطلة النوروز، وفتحت باب التحليل واسعاً لاستقراء ماهية التحول الأميركي على مستوى الشكل والمضمون.

وقال أوباما في رسالته «أود أن أتحدث بشكل خاص مباشرة مع شعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقادتها»، مشيرا إلى أن إدارته تتعهد «باتباع دبلوماسية تعالج مجموعة من القضايا التي نواجهها، والسعي إلى إقامة علاقات بنّاءة بين الولايات المتحدة وإيران والمجتمع الدولي.. وهذه العملية لن تتعزز بالتهديدات، ونحن نسعى بدلا من ذلك إلى حوار نزيه يقوم على الاحترام المتبادل».

وفيما وصف الرئيس الأميركي الاحتفالات بالعام الإيراني الجديد بأنها «موسم بدايات جديدة»، مشددا على «مستقبل يتم التغلب فيه على الانقسامات القديمة»، قال إن «الولايات المتحدة تريد أن تأخذ جمهورية إيران الإسلامية مكانها المناسب في المجتمع الدولي»، مشيدا بـ«الإنجازات» الإيرانية التي قال إنها «نالت احترام الولايات المتحدة والعالم».
ويتفق معظم المتابعين الإيرانيين على أن الرئيس الأميركي اختار المناسبة الإيرانية الأبرز ليشير إلى اهتمام خاص وأولوية متقدمة. ويقول أحد المختصين بمتابعة العلاقات الإيرانية ـ الأميركية، إن «النوروز يعني بالفارسية اليوم الجديد، ورسالة أوباما تمهد بالضرورة لصفحة جديدة في العلاقات متى توافرت آليات ترجمة النوايا إلى خطوات عملية وحوار مباشر».

ويرى أن الرسالة، التي يمكن اعتبارها الخطوة العملية الأولى، حملت دلالات مهمة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ومن هذه الدلالات «توجيه أوباما رسالته إلى القيادة والشعب الإيرانيين، وليس اقتصار الخطاب على الشعب الإيراني كما كان يفعل أسلافه في البيت الأبيض وآخرهم جورج بوش الذي وجه رسالة إلى الشعب الإيراني في آخر جولاته الخليجية ألّبه فيها على «نظام الملالي».. كما لفت استخدام أوباما عبارة الجمهورية الإسلامية في إيران وليس إيران فقط. ولم تقتصر إشادته على الحضارة الفارسية العظيمة، بل أردف مشيداً بالإنجازات التي قال إنها نالت احترام الولايات المتحدة الأميركية والعالم، وقد يكون ذلك إشارة إلى الإنجازات العلمية في عهد الجمهورية الإسلامية لأن الحديث عن الحضارة شيء، وعن الإنجازات شيء آخر».
ويذهب المختص بالعلاقات الأميركية الإيرانية إلى حد القول إن إشارة أوباما إلى الإنجازات، مقدمة للاعتراف بحق إيران بالتكنولوجيا النووية وكذلك القدرات العلمية المتعلقة بالصواريخ والأقمار الاصطناعية.

ولا تقلل مصادر رسمية إيرانية من أهمية التوقف عند دلالات الرسالة في الشكل، وكذلك خلفيات بعض عباراتها، لكنها تصر على المبدأ الإيــراني القائم على اشتراط تقديم خطــوات عملية، وتشير إلى ما قاله أحد أبرز مستشاري الرئيس الإيراني علي أكبر جوانفكر «لن ندير ظهــرنا لأوباما إذا تجاوز الكلام إلى الفعل، وكلامه عن تجاوز خلافات الماضي، كلام مهم».
وأوضح جوانفكر «أظهرت الأمة الإيرانية أن بمقدورها نسيان السلوك المتسرع لكننا ننتظر خطوات عملية من جانب الولايات المتحدة». وأضاف «ما قدمته إدارة أوباما حتى الآن هو الكلام»، مشيرا إلى أن «العقوبات غير المحدودة التي لا تزال قائمة والتي جددتها الولايات المتحدة هي خطأ وينبغي مراجعتها». كما لفت أيضا إلى الدعم الأميركي لإسرائيل، قائلا «دعم إسرائيل ليس إشارة ودودة»، فيما قال وزير الطاقة الإيراني برويز فتاح إن رسالة أوباما «إيجابية.. رغم وجود بعض النقاط السلبية فيها».

غير أن مرشد الجمهورية آية الله السيد علي خامنئي، تجاهل رسالة الرئيس الأميركي، معتبرا أن القوى العالمية اقتنعت بأنه لا يمكنها وقف تقدم إيران النووي. وفي خطاب مسجل منفصل لمناسبة العام الإيراني الجديد، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أيضا إن القوى العالمية وصلت إلى «طريق مسدود»، لكنه لم يتطرق كذلك بالذكر إلى رسالة أوباما.

وتعتبر المصادر الرسمية «أن المشاكل بين طهران وواشنطن ليست عاطفية وحلها ليس في الكلام، وعلى الولايات المتحدة أن تغير موقفها على الأرض من إيران». وتضيف« نأمل أن تتشكل زوايا التفاؤل مع أوباما ولكن الحقائق والتجارب تخبرنا انه يجب عدم الإفراط في التفاؤل». لكن المصادر نفسها تفيد بأن دوائر القرار في طهران عكفت على قراءة رسالة الرئيس الأميركي وهي بصدد تحديد أو تجديد مسار خريطة الطريق في التعامل مع التبدلات الأميركية، والموقف الرسمي سيتبدى على مراحل خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة لأن إيران في عطلة طويلة حاليا قد تستمر عشرة أيام.
وتكشف مصادر إيرانية أخرى أن رسالة أوباما قد تكون تتويجاً لا بداية لاتصالات ومفاتحات دبلوماسية بين الطرفين جرت وتجري في أكثر من مكان، «وإن كانت زيارة فريق المصارعة الأميركي إلى طهران في النصف الأول من آذار الجاري انتهت إلى عدم تحقيقه أي فوز، فإن زيارته جاءت في سياق إشارات متبادلة منها قرار المدعي العام الإيراني بتخلية سبيل الصحافية الأميركية من أصل إيراني روكسانا صابري التي أثارت واشنطن ضجة كبيرة حول قضيتها». وتشير المصادر إلى ما أشيع عن لقاءات عقدها أحد مستشاري الرئيس الإيراني مجتبى ثمرة هاشمي مع خبراء وأكاديميين أميركيين في أوروبا في سياق مراجعات عن العلاقات بين إيران والغرب.

وتتحدث المصادر عن أكثر من مناسبة مقبلة قد تشهد مفاتحات دبلوماسية بين الطرفين أقربها مؤتمر دول منظمة شنغهاي للتعاون في موسكو في 27 آذار الحالي حيث لم يستبعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن يعقد على هامشه لقاء بين نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية باتريك مون، ومسؤولين إيرانيين سيشاركون في المؤتمر.

وبعد ذلك، سيكون مؤتمر لاهاي حول أفغانستان في 31 آذار مناسبة مهمة قد يجلس وزيرا خارجية البلدين خلالها إلى طاولة واحدة، رغم أن طهران لم تؤكد حضورها المؤتمر بعد بسبب تذبذب موقف هيلاري كلينتون واضطرارها لمسايرة نظيرها الفرنسي برنار كوشنير، الذي ألح على توجيه دعوة لإيران باعتبارها لاعباً مهماً في المعادلة الأفغانية. وبعدها بأيام قليلة، سيكون الرئيس الأميركي ضيف الشرف في منتدى تحالف الحضارات في اسطنبول الذي ترعاه تركيا بشراكة إيرانية. كذلك ستكون إيران شريكاً فعلياً في مؤتمر حول أفغانستان أيضا يعقد في إيطاليا في حزيران المقبل.
ولا يرى الكثير من المتابعين في طهران خطراً على مسار الحوار الإيراني الأميركي المنتظر بسبب «تخرّصات» تظهر بين فينة وأخرى، مثل الحديث عن إسقاط الأميركيين طائرة إيرانية من دون طيار فوق العراق، أو تمديد الرئيس الأميركي مرسوم الحظر الأميركي على النفط الإيراني الذي صدر إبان عهد بيل كلينتون، أو إشاعة مسؤولين غربيين مقولة إن إيران باتت تمتلك 1010 كيلوغرامات من اليورانيوم القليل التخصيب، الذي يكفي بعد تخصيبه على مستوى عال خلال أشهر قليلة لإنتاج قنبلة نووية.

ويجزم غالبية المعنيين في إيران بأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 12 حزيران المقبل ستكون محطة حاسمة في تحريك عجلة الحوار. لكن القرار الأميركي برفع الحظر عن عقد الدبلوماسيين الأميركيين لقاءات مع مسؤولين إيرانيين، يلفت كمؤشر إلى أن لا مانع عند الطرفين الأميركي والإيراني من البدء عاجلاً برسم معالم العلاقات وتحضير ملفات الحوار المتعددة والمعقدة والتي بدأ بعضها يشهد تسويات ليست عن تخاطر الأفكار الأميركية الإيرانية ببعيدة.

Script executed in 0.17807006835938