اكثر من اربعين ساعة متواصلة من الاشتباكات .. هزَّت مخيم اللاجئين الفلسطينين في عين الحلوة ، وسكانه الذين يُروَّعون في مخيم جعلته الجماعات الاسلامية المتناغمة مع التنظيمات الارهابية مجموعة من المربعات الامنية، تأوي المطلوبين بقضايا الارهابية وتنتهك، ومنذ سنوات، امن المخيم واهله.
وبانتظار اتضاح الصورة الكاملة لمشهد «المخاض» الذي يعيشه الفلسطينيون في المخيم، طُرِح بقوة التساؤل المفصلي في حياة المخيم والفلسطينيين .. هل تنحو الامور نحو الحسم العسكري مع الجماعات الاسلامية المتناغمة مع التنظيمات الارهابية؟، في ضوء ما يجري في بعض احياء المخيم، فيُفتح الطريق امام معالجة الملفات الامنية المستعصية، وفي مقدمها ملف المطلوبين اللبنانيين والفلسطينيين الذين لجأوا الى المخيم في السنوات الماضية هربا من ملاحقات الجيش اللبناني ، على خلفية تورطهم بعمليات ارهابية استهدفته، وازالة المربعات الامنية التي باتت مأوى لكل المطلوبين للقضاء اللبناني.
كل المؤشرات التي حملتها اشتباكات المخيم ، تدل على ان المعركة التي فتحت بقتيل وخمسة جرحى من القوة الامنية الفلسطينية، لن تقفل من دون تنفيذ المهمة التي رسمتها الخطة الامنية التي اعدتها الفصائل الفلسطينية بشأن امن المخيم ، وبالتالي، فان اي من الفصائل المؤثرة، ومنها حركة «فتح» لا يمكنها ان تتحمل النتائج المترتبة على اعلان وقف النار والابقاء على وضع الجماعات المتشددة ، المتهمة بالوقوف وراء المسلسل الامني الذي يضرب المخيم منذ سنوات، لكن في ملف كملف الامن في المخيم..فان كل شيء وارد.
وكشفت مصادر قيادية فلسطينية ان الجماعات الاسلامية التي يقودها بلال بدر، الذي اوعز الى جماعاته باطلاق النار على عناصر القوة الامنية لاجهاض الخطة الامنية التي كان من المقرر ان تنفذ امس (الاول )، اوفدت وسيطا من احدى الجهات الدينية، للعمل على وقف اطلاق النار ، لكن الفصائل رفضت العرض واكدت على محاسبة كل المتورطين في تخريب الوضع الامني في المخيم، والعمل على تفكيك المنظومات الامنية القائمة داخل مناطق نفوذ هذه الجماعات، والتي تأوي مطلوبين متورطين بعمليات ارهابية.
ولفتت المصادر الى انه لن يكون من مصلحة المخيم وقواه، اطالة عمر المعركة الجارية ضد الجماعات المتطرفة، والا فان «المبادرات المفخخة» ستطل برأسها، لتذكر بالسيناريو الذي سعى بعض الجهات الاسلامية الى تسويقه، خلال المعركة التي شنها احمد الاسير ضد حواجز ومراكز الجيش اللبناني في عبرا في حزيران العام 2013، من خلال طرح وساطة لوقف اطلاق النار والحفاظ على الوضع القائم ميدانيا، وهو سيكون لمصلحة الجماعات الاسلامية، وهو ما توقفت عنده حركة «فتح» والفصائل الفلسطينية الحليفة لها ،ورفض اي وساطة مع جماعة بلال بدر، انها فرصة لحركة «فتح» وللمخيم ، ترى الاوساط، لاستئصال جهة، لطالما استنزفتها بمسلسل طويل من الاغتيالات والتفجيرات التي طالت عددا كبيرا من كوادرها وعناصرها، وستكون فرصة ثمينة، لن تعوَّض، لاستعادة هيبتها التي تأثرت سلبا، بفعل عوامل ابرزها الاستهدافات الامنية التي تعرضت لها، والا .. ، فان الجماعات المتشددة ، في حال تمرير «وساطة»، سيقوى عودتها وتخرج من المعركة منتصرة ومسلحة بحوافز تسهم في تعزيز تناميها داخل المخيم.
واذا كان العبء الاكبر الذي تتحمله حركة «فتح» في هذه المعركة، فان قياديين فيها يرون ان هذا العبء يستدعي خوض معركة الحسم، وهم يعلمون انها معركتهم بالدرجة الاولى، قبل ان تكون معركة الاخرين الذين «لم يبخلوا عليها بدعمهم السياسي .. دون الميداني، بالرغم من انها تواجه جماعات لها امتداداتها التي تتخطى حدود المخيم، لا بل حدود لبنان، وتنامت اكثر مع انضمام جمهور من المطلوبين اللبنانيين والفلسطينيين، تدفعهم حوافز عديدة للاستشراس في القتال، منها انهم مطلوبون للجيش اللبناني بملفات ارهابية، والخيارات في هذه الحالة مسدودة امامهم.
اشتباكات المخيم
الاشتباكات الدائرة بين هذه الجماعات المتحصنة داخل مربعات امنية مقفلة، وبين افراد القوة الامنية المشتركة التي شكلتها الفصائل للانتشار في المخيم، فاندلعت بعد اصطدام الخطة الامنية برشقات نارية استقبلتها بها الجماعات الاسلامية عند مشارف احد مربعاتها في حي الطيري، وشرَّعت لاشتباكات مستمرة منذ يومين، لترفع عدد الجرحى الى واحد وعشرين، معظمهم من المدنيين، اضافة الى مقتل احد افراد القوة الامنية، ومقتل احد اتباع الجماعات الاسلامية، وتتركز في حيي الطيري وجبل الحليب، وسط اصرار على حسم عسكري مع هذه الجماعات توقف المتورطين وتزيل المربعات، وفق ما اكد قياديون فلسطينيون، ومنهم القيادي في حركة «فتح» اللواء منير المقدح، الذي اكد ان الوضع الامني في المخيم يتجه نحو الحسم العسكري، وان لا حل الا بانتشار القوة الفلسطينية في كافة احياء المخيم، بما فيها المربعات الامنية، فيما قال قائد الامن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب ان المدعو بلال بدر وجماعاته الذين اعتدوا على القوة الفلسطينية المشتركة، ما ادى الى مقتل عنصر وجرح خمسة من افراد القوة الامنية، ويجب ان يسلموا مع كل القتلة كونهم يعملون لاجندات خارجية تستهدف المخيم وامنه، وهؤلاء يشكلون خطرا وتهديدا للشعب الفلسطيني، واكد ان القوة ستنتشر في المناطق التي حددتها، وسنتصدى لاي اعتداء عليها، لاننا نريد المحافظة على المخيم وجواره بكل الامكانيات، كما اكدت القيادة السياسية للفصائل الفلسطينية المشاركة في القوة، ان الاعتداء على القوة الامنية لن يمنع من الاستمرار بتنفيذ خطة الانتشار، فالخطة ستنفذ، ولن تبقى المربعات الامنية بعد اليوم.
في آخر مستجدات الوضع في اشتباكات المخيم المتواصلة، يسجل سقوط قذائف صاروخية في عدد من المناطق التي تحولت الى محاور قتالية، سيما في حي حطين .. معقل الجماعات الاسلامية المتطرفة، ومنذ الصباح يسجل ارتفاع في حدة الاشتباكات، وتتركز على محاور احياء الطيري وجبل الحليب، وتستخدم فيها اسلحة رشاشة وقذائف صاروخية، وفي حصيلة غير نهائية ، ذكرت مصادر طبية فلسطينية لـ «صوت الشعب» ان قتيلين سقطا في الاشتباكات، احدهما من عناصر القوة الامنية الفلسطينية، والاخر من الجماعات الاسلامية ... واكثر من عشرين شخصا اصيبوا خلال الاشتباكات، جراح بعضهم خطرة، فيما افيد عن احتراق عدد من المنازل في حي الطيري معقل الجماعات الاسلامية ، في هذا الحي تمكنت عناصر من القوة الامنية من السيطرة على اجزاء منه، في وقت تحدثت معلومات عن فرار مسؤول هذه الجماعات بلال بدر الى حي الصفصاف الذي يقع تحت سيطرة تنظيم «فتح الاسلام» بقيادة الارهابي اسامة الشهابي.
انصار الاسير وشاكر يقاتلون الى جانب الجماعات
واشارت المصادر ان المجموعات العسكرية التابعة لاحمد الاسير وفضل شاكر، وهي كانت لجأت الى المخيم على اثر معركة عبرا التي جرت مع الجيش اللبناني قبل اكثر من ثلاث سنوات هربا من الملاحقات القضائية، تقاتل الى جانب الجماعات الاسلامية، ومع تعرض طريق الاوتوستراد صيدا الجنوب، عند محلة حسبة الخضار وبالاتجاهين، سارعت القوى الامنية الى اقفال الطريق امام حركة السير حفاظا على سلامة المواطنين، فيما اقفل معظم المؤسسات التربوية في القطاعين العام والخاص، حتى دوائر المؤسسات الرسمية في سراي صيدا الحكومي علقت اعمالها، بسبب رصاص القنص الذي طاولها،. وقبل قليل، عملت الطواقم الطبية في الصليب الاحمر اللبناني وجمعيات اخرى على اخلاء مستشفى صيدا الحكومي المحاذي للمخيم من المرضى ونقلتهم الى مستشفيات مدينة صيدا ، حفاظا على سلامتهم، ومن داخل المخيم افدنا ان عشرات الاشخاص محاصرون في حي الصحون، ناشدوا للعمل على اجلائهم.
صيدا .. تأثرت
مدينةُ صيدا التي تأثرت سريعا من احداث المخيم ، اقفلت المؤسساتُ التربويةُ فيها، وتأثرت الحركة في الاسواق التجارية في المدينة وُشل العملُ في سراي صيدا الحكومي بعد ان طاول رصاصُ القنص مكاتبَ الموظفين، فيما عمدت قوى الامن الداخلي الى اقفال الطريق العام في محلة حسبة الخضر لحماية سلامة المواطنين، وفي خطوة وقائية لحماية المرضى في مستشفى صيدا الحكومس المحاذي تماما للمدخل الشمالي للمخيم، عملت الطواقم الطبية في الصليب الاحمر اللبناني وجمعيات اخرى على اخلاء المرصى منه، ونقلهم الى مستشفيات المدينة، في المواقف دعت فاعليات سياسية صيداوية الى التمسك بالخطة الامنية الفلسطينية في المخيم ، امين عام التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد الذي اتصل بقيادات امنية وسياسية لبنانية وفلسطينية، اكد على أهمية التمسك بالإجماع الفلسطيني على القوة المشتركة وانتشارها، من أجل وضع حد نهائي لمسلسل الاشتباكات والأحداث الأمنية، واعتبر ان مسلسل العبث الامني في المخيم ، يشكل إساءة كبرى للمخيم وسكانه ولمدينة صيدا ومنطقتها وللأمن الوطني اللبناني وللقضية الفلسطينية.
في المواقف، أكدت النائب بهية الحريري «الوقوف خلف الإجماع الفلسطيني فيما يتعلق بوضع حد للحالات الأمنية المتفلتة الخارجة عن الاجماع الفلسطيني في مخيم عين الحلوة في الوقت الذي يشهد فيه المخيم خطوات عملية على طريق تثبيت الاستقرار فيه من خلال تشكيل ونشر القوة المشتركة، وشددت على «اهمية تكثيف ومتابعة الخطوات التي اتخذت من قبل القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية بما يعزز الامن والاستقرار في المخيم وصيدا.
واجرى امين عام التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد سلسلة اتصالات بقادة الاجهزة الامنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية، مؤكدا على أهمية التمسك بالإجماع الفلسطيني على القوة المشتركة وانتشارها، من أجل وضع حد نهائي لمسلسل الاشتباكات والأحداث الأمنية ، واعتبر ان هذا المسلسل يشكل إساءة كبرى للمخيم وسكانه ولمدينة صيدا ومنطقتها وللأمن الوطني اللبناني والقضية الفلسطينية.
محمود زيات - الدياؤ