(أبو حسن) المبيّض الذي لم يخن مهنة تبييض الطناجر التي باتت من الماضي و مهددة بالزوال بل لا زال يمارسها، هو من بلدة جويا الجنوبية، ويتجه حاملاً عدته الى رصيف الكورنيش البحري لمدينة صور،يفرغ حمولته من الطناجر العتيقة، ويفلش عدّة الشغل، ويبدأ عمله، الى أن أصبح محط اهتمام العابرين وحشريتهم سريعاً، فهو يعمل على تبييض الطناجر التي امتهنها ، بكل دقة وحرص وأمانة.
"مبيّض...مبيّض... طناجرك والاباريق بيرجعو معنا جداد... وينك يا ست الدار؟" هي العبارة التي طالما رددها ابو حسن أحد آخر حرفيي " تبيض النحاس" في جنوب لبنان، حتى حفرت في ذاكرته.
يعمل أبو حسن على ازالة الصدأ في الاباريق والطناجر النحاسية، ويجري لها عملية تجميل "بدائية" بالقصدير ، الملح، الشنادر والنار، فيتصاعد الدخان من حوله نتيجة المواد تلك التي يستخدمها، ويقلبها بين يديه بملقط حديد ثم يضعها على النار ليعالجها بالشنادر قبل أن تنطلق مرحلة التبييض، فيزيل عنها السواد المكدس على جوانبها منذ زمن، عبر فركها بقطعة من القطن الخشن يزيل بواسطتها الأوساخ، فتشع بريقاً و لمعاناً بعد مسحاً في آخر مرحلة بقطعة قماش، وأخيراً يقوم بغسلها بالمياه ويجففها تحت أشعة الشمس، فتصبح تحفة تستريح على الرفوف، بعد أن خدمت في المطابخ سنوات طويلة.
النهار- بتصرف
لا تزال ذكريات ابوحسن تجول في خاطره و تدق أجراس الحنين في داخله، فيروي كيف كان يجول في القرى، لتبيض طناجر ربات البيوت، ولكنه اليوم لم يعد يجد اهتماماً لديهن بعد تطور الصناعات البيتية، التي حلت محل الاواني النحاسية وعطلت مهنة التبييض.
أضحى أبو حسن أوفى من أن يترك مهنة كانت مصدر عيشه واللقمة التي أكلها أولاده لعقود، غير أنها المهنة التي اشتهرت بها جويا مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، يعتبرها جزء من حياته، فهو يعمل على الحفاظ على تراث الوطن، في بلد يدفن فيه التراث كما يدفن ما سواه.