أكثر من 400 عائلة في جنوب لبنان تعتاش على حرق الإطارات المستعملة والكابلات المطاطية بهدف استخراج النحاس منها، علماً أن الحرق يتسبب بانبعاثات “الديوكسين والفورونات”، وهي من الملوثات العضوية الثابتة الأكثر خطورة على البيئة، كونها تمتاز بخصائص “الثبات، التطاير وعدم التحلل”، وتؤدي إلى أمراض خطيرة وكثيرة، منها السرطان والسكري وارتفاع الضغط والعقم، وأمراض الحساسية والكبد والتأخر العقلي والخرف، وأمراض القلب وتشويه الأجنحة، كما جاء في مشروع جمعية حماية البيئة والمحافظة على التراث في النبطية” الذي كانت قد قدمته إلى “صندوق البيئة” القاضي باستبدال المحارق بالفرّامات في العام 2008.
رئيس الجمعية الدكتور ماجد بعلبكي أوضح في هذا الإطار أنه” بالرغم من التوعية الدائمة التي قامت بها الجمعية على الصعد الإعلامية والتوجيهية والمحاضرات وورش العمل في الجامعات والمدارس والصحف وتوزيع الكراسات بهذا الشأن، إضافة لحملات الملاحقة إلى أمكنة الحرق والنقاشات المباشرة مع الجماعات التي تقوم بهذا العمل فإن جوابهم كان التالي: نحن نعرف أن السرطان بانتظارنا جراء قيامنا بهذه المهنة، ولكننا نريد أن نعيش بشرف، وطموحنا أن تبقى أيادينا نظيفة وغير ملوثة، لإنه لا توجد لدينا فرصة أفضل للعمل، ولا نريد أن نتحول إلى سارقين أو متسولين”.
ويرى بعلبكي أن “الوضع الاقتصادي الصعب للعاملين في هذه المهنة جعلهم غير مكترثين لكافة المحاولات الأمنية والتوجيهية والدينية التي تحاول منعهم من عملهم، لذلك خلصت جمعيتنا إثر ورشة عمل نظمتها في وقت سابق لقسم من هؤلاء، إلى الاتفاق معهم على الامتناع عن الحرق، والانخراط في العمل على الفرامات عند تأمينها من قبل الجمعية، وهذه الفرامات بإمكانها الحلول محل المحارق الملوثة للبيئة، وعملها يقوم على فصل مادة البلاستيك التي تباع ليعاد تصنيعها وليس حرقها، لينتج عنها الديوكسين الملوث الخطر للبيئة عن النحاس الذي يبقى نظيفاً وليس محروقاً حيث يباع بسعر مرتفع، لذلك فالمشروع يمنع التلوث البيئي الناتج عن الديوكسين والفورونات المنبعثة من حرق الكابلات والإطارات المطاطية”، مؤكداً أن” الوفرة الحاصلة من فرق الأسعار، يمكن أن تغطي المصاريف اللازمة لاستمرارية المشروع” .
ويوضح بعلبكي أن “استراتيجية الجمعية في كافة مشاريعها تقوم على مشاركة مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات وبلديات”، معتبراً أن “معالجة الكابلات بطريقة الفرم وليس بالحرق لاستخراج النحاس يعتبر نافعاً، لأنه يقدم الوقاية من التلوث عبر الإنتاج النظيف ويقدم منفعة إقتصادية للمؤسسات الخاصة التي تتعاطى مع هذه المهنة، ويقلل من كمية النفايات الصلبة التي تقع على عاتق البلديات، كما يؤدي إلى تعزيز تدابير الوقاية من الملوثات البيئية، وإلى منافع اقتصادية فردية، ويخفف من أعباء التدهور البيئي الذي أصبحت فاتورة معالجته السنوية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات”.
ظاهرة إحراق إطارات السيارات والمركبات المستعملة والكابلات المطاطية التي يجري استخراج شرائط النحاس منها بهدف بيعها، ما تزال تتنقل من مكان إلى آخر، وتزداد تفاقماً في منطقة النبطية، مستبيحة التلال والأودية وطرقات الكثير من الأماكن النائية الجميلة في محيط وخراج عدد من القرى والبلدات فيها دون حسيب أو رقيب، وبذلك ساوت أضرارها بين “وادي الكفور” وغيره من المناطق الموبوءة الأخرى، وخراج مواقع الاحتلال الإسرائيلي السابقة في تلال الدبشة وعلي الطاهرة والطهرة الواقعة في خراج بلدات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وكفررمان.
هذه الأمكنة تحولت إلى مراكز ثابتة لصنعة تجار وبائعي الخردة ومحرقتهم منذ سنوات عديدة، وجعلت منها مشاحر سوداء متفرقة لوثت الطبيعة والأراضي المجاورة بسحب الدخان الأسود الكثيف الذي تنفثه لمسافات بعيدة، وينقله الهواء في مختلف الإتجاهات، ويضر بصحة وسلامة المواطنين جراء تنشقه، وما يخلفه من أوبئة وأمراض تصيب أطفالهم وكبار السن منهم، لا سيما أمراض الربو والحساسية وغيرهما، في حين يستبيح القائمون على هذا العمل أملاك الغير والأملاك العامة للدولة والبلديات دون أي رادع، في الوقت الذي يجري كل ذلك على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية والرسمية والجمعيات البيئية والبلديات المعنية.
تلك الظاهرة المستفحلة في النطاق العقاري لبلديات كفرتبنيت والنبطية الفوقا وكفررمان والكفور وغيرها، دفعت الأهالي المتضررين منها إلى مطالبة المسؤولين والجهات المعنية في محافظة النبطية، بوضع حدٍ للمتسببين بها من تجار وبائعي الخردة كما يقول رئيس بلدية كفرتبنيت أدهم طباجة، الذي طالب “بمنع هؤلاء من تحويل هذه المناطق إلى محارق ثابتة، والعمل على ملاحقتهم قانونياً بتهمة تشويه وتلويث البيئة والطبيعة، والإضرار بصحة وسلامة المواطنين، والاعتداء على أملاك الغير ومشاعات الدولة والبلديات”، مشدداً على “تنفيذ ذلك في أسرع وقت”.
وإذ يعترف رئيس بلدية كفررمان المحامي ياسر علي أحمد بمسؤولية البلديات المباشرة عن مكافحة هذه الظاهرة، فقد عزا “التقصير الحاصل على هذا الصعيد إلى حاجة هذه البلديات للعناصر البشرية الكافية، والإمكانيات اللازمة لمراقبة تجار وبائعي الخردة الذين يقومون بإحراق الإطارات والكابلات المطاطية في المناطق المذكورة”، مطالباً “الأجهزة الأمنية المختصة بمؤازرتها في تنفيذ هذه المهمة، واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق القائمين على هذا العمل، تلافياً للأضرار الصحية والبيئية التي تعاني منها البلديات المعنية”.
ويأسف مختار بلدة كفرتبنيت عبد إدريس لتحويل الكثير من الأماكن النائية في المناطق المحررة إلى محارق للإطارات ومكبات النفايات، ومن ضمنها محيط مواقع الاحتلال السابقة في تلال الدبشة والطهرة وعلي الطاهر، والتي تعود عقارياً لبلديتي النبطية الفوقا وكفررمان، وذلك على مسمع ومرأى من المسؤولين المعنيين، مطالباً “باتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة لمكافحة هذه الظاهرة منعاً لتفاقمها على الصعيدين الصحي والبيئي”. ويلفت مختار بلدة كفررمان علي شكرون إلى “تلويث التلال المذكورة بالمشاحر السوداء، بعدما كانت ملاذاً لهواة رياضة المشي ومتنفساً لمحبي الطبيعة الجميلة والهدوء والسكينة، لبعدها عن الأماكن السكنية وضجيج السيارات”، وطالب “البلديات والسلطات المعنية العمل على منع استباحتها وتلويث بيئتها وطبيعتها، جراء الإمعان في هذه الظاهرة”.
عدنان طباجة
Greenarea