تتميز بلدة مغدوشة بانتاج زهر البوصفير، وهي عاصمة ماء زهره من دون منازع. قبل أيام انطلق موسم زهر البوصفير المغدوشي، والأهالي يؤكدون أن "انطلاقته تبشر بموسم حرزان والله يبعد الضربات المناخية".
أوقدت النيران تحت "الكركات" النحاسية في البيوت وحدائقها الخلفية، لتقطير الزهر على أصوله. الكركة (الإنبيق) عبارة عن حلتين نحاسيتين. واحدة يوضع في داخلها الزهر مع الماء الذي يغلى وتفصل بواسطة أناء نحاسي عن القسم العلوي (الحلة الثانية)، التي توضع فيها مياه باردة.
ويشرح جورج قسطنطين، لـ"المدن"، كيفية استخراج الزهر، قائلاً: "تُطيّن الوصلة بين الحلتين بالرماد المجبول بالماء منعاً لتسلل البخار إلى الخارج، ولضرورة حصره بالتصاعد إلى القسم العلوي، حيث تبرد بشكل دائم مياهه لأنها تلعب دوراً حاسماً في تحويل البخار الداخلي إلى ماء زهر". الرجل الثمانيني يمتهن تقطير "نزول الزهر" منذ ولادته، وفق قوله، للدلالة على "تاريخية مغدوشة في إنتاج زهرها الفواح". يضيف قسطنطين: "تنطلق عملية الاستخراج بنيران قوية، لكن متى تصاعد البخار وتحول إلى ماء وجب تخفيف النار تحت الكركة، كي تقطر قطرة قطرة لتخرج من أنبوب موصول بها إلى زجاجات تنتظرها".
المحتفظون بطريقة التقطير بكركات، هدفهم المحافظة على هذا "التراث". فهم لم ينساقوا إلى "عصرنة" التقطير التي يوفرها معمل التقطير الحديث التابع لتعاونية زهر الليمون في مغدوشة، الذي مولت تشييده وكالة التنمية الأميركية في العام 2006. وهو بات راهناً يقطر معظم انتاج مغدوشة من الزهر، ويحافظ على أصول "استخراج وتقطير" بتقنية عالية تحفظ تميز مغدوشة وفرادتها في هذه المهنة.
ويشير رئيس التعاونية نبيل خوري، لـ"المدن"، إلى أن "المعمل جهز بست كركات حديثة، وباستطاعته أن يقطر 800 كلغ يومياً بطريقة البخار. ويصل الإنتاج الموسمي السنوي إلى حدود 5 أو 6 آلاف عبوة زجاجية".
هكذا، سرح المزارعون والأهالي في البساتين والحدائق. تسلقوا أشجار البوصفير وقطفوا زهراتها حبة حبة، وبدلال وضعوها في إناء نحاسي. أو قطفت "برشاً"، فتهاوى الزهر تحت وطأة هز الغصون بقوة، على مشمع نايلون وضع تحت الشجرة. أكوام الزهر تكدست استعداداً لتنقيتها من أوراق أشجار وشوائب علقت بها. تقول هلا حايك إنها منذ أكثر من 30 عاماً تقطر الزهر وتمتهن القطاف، بعدما ورثت ذلك من عائلتها. "ماء زهر مغدوشة لا يتفوق عليه أي زهر. وهو نقي، لأن أشجار البوصفير المغدوشي تُزرع على بعل، ولا تُروى في الصيف، والعدرا باركتها". تصوغ حايك معادلتها: "ماء زهر مغدوشة قطراته كالذهب تقاس بالغرام".
تمتهن معظم عائلات مغدوشة إنتاج الزهر. والموسم يشكل لها "باب رزق". ووفق احصاءات، فإنها تنتج نحو 70 طناً سنوياً من زهر الليمون. لكن قبل عقود كان الإنتاج أوفر، قبل أن يقضي العمران على مساحات من أشجار البوصفير. رغم ذلك، يؤكد الأهالي أن هذا التراجع منطقي ومقبول، ولا يشكل خطراً على مستقبل هذه الزراعة.
يفاخر أبناء مغدوشة أن إنتاجهم دخل قصور أمراء، إذ أهديت عبوات ماء الزهر إلى رؤساء جمهوريات ومسؤولين كبار في دول غربية وعربية. وهو ماء رش في أماكن عبادة وفي وداع فنانين وعظماء.
تعاونية زهر الليمون
تهدف تعاونية زهر الليمون، التي أسست قبل عقدين، إلى مساعدة المغدوشيين على تصريف إنتاجهم من البوصفير، لأنه "يشكل جزءاً مهماً من إقتصاد البلدة، إضافة إلى موسم العنب"، يقول خوري. وتبيع التعاونية البوصفير بسعر 5 إلى 6 آلاف ليرة للكيلو الواحد. وتعتمد بشكل أساسي على حجوزات سنوية للزهر من قبل جمعيات أو مؤسسات. و"قد قمنا منذ بدء موسم هذا العام بشراء المحاصيل من المزارعين لنببيعها إما زهراً أو لنقطرها في المعمل، الذي لا يقل حجم إنتاجه السنوي عن 15 طناً".
المصدر: المدن
www.almodon.co